مانديلا البحرين وتحولات الاقليم و”التدخل” الايراني …! محمد صادق الحسيني
” ارجوكم والتمس من جنابكم ابلاغ القيادة الايرانية ….. بان حكومة جلالة الملك تتمنى عليكم التدخل في البحرين بما يفيد نزع التوتر والتوصل الى حل سياسي للازمة المفاقمة بين المعارضة والحكومة لدينا تماما كما فعلتم في الازمة السورية مشكورين …….”
” …. كما نود ابلاغكم ايضا باننا وفيما يخص الازمة السورية فان رأينا كان منذ البداية بعدم صوابية اللجوء الى العنف و لم نوافق يوما بالسماح او التسهيل لتدفق مقاتلين او اموال من الخارج لاشعال الازمة السورية وايصالها الى ما وصلت اليه من تفاقم خطير لن يفيد احدا في المنطقة …. ولو ترك الامر لنا لاعلنا رأينا الحقيقي في هذا الامر ولكان مختلفا تماما عن كثيرين ممن يحرضون ضد الحكومة السورية والدولة السورية بغير حق …..”
هذا الكلام لوزير خارجية البحرين هو قاله العام المنصرم لمحمد جواد ظريف وزير الخارجية الايراني على هامش اجتماعات الجمعية العامة للامم المتحدة كما تم تسريبه في حينه ، ننقله هنا مكثفا وملخصا اليوم لنسأل حكومة المنامة عن السبب الذي دفع بها اليوم للانقلاب على نفسها والدخول في مغامرة ” حافة الهاوية ” في علاقاتها الاقليمية والدولية ورمي التهم جزافا بوجود تدخلات خارجية وتحديدا ايرانية في الحراك البحريني ، وذلك على خلفية تبرير قرارها غير المدروس والمخاطر باستقرارها في اعتقال امين عام حركة الوفاق المعارضة الشيخ علي سلمان دون وجه حق ….. ؟
ماذا تغير منذ العام الفائت حتى الان حتى تغير رأي حكومة المنامة وجعلها تنقلب على نفسها الى الحد الذي دفعها الى اتخاذ مثل هذه الخطوة الطائشة والمقلقة حتى برأي اقرب الاطراف اليها وهي الادارة الامريكية …؟
لن نسمع الاجابة من حكومة اغرقت نفسها في وحل صراع يومي لا ينقطع مع كتل جماهيرية متحركة وادخلت نفسها شرنقة صراع “تحدي وجود” مع غالبية شعبية وضعتها امام الجدار بامتياز …. !
لكننا سنحاول ان نجد لها الذرائع التي جعلتها تقع في مثل هذا المسار الخطير الذي قد يضع مستقبل الارخبيل البحريني على طاولة تحولات المعادلتين الاقليمية والدولية هذه المرة ولن تنحصر تداعياته بالمشهد المحلي …
اولا : رد القيادة الايرانية الواضح والشفاف برفضها طلب المنامة بالتدخل وذلك احتراما لسيادة البحرين واستقلالها باعتبار مسالة البحرين مسالة داخلية محضة ولا تشبه القضية السورية لا من قريب ولا من بعيد ….
ثانيا : اعلان القيادة الايرانية العليا الصريح – ردا على ادعاءات متناقضة مع الطلب الآنف الذكر – بتدخلات ايرانية متمادية …..” بانه لو تدخلت ايران فعلا لكان وضع البحرين الآن وضع آخر تماما ….”
ثالثا : اصرار القوى الشعبية البحرينية على الاستمرار في مظاهراتها واحتجاجاتها السلمية الحضارية رغم كل خطوات التصعيد القمعي المستفزة وبقاءها في الشارع بقوة ونشاط وتصميم اكثر على نيل المطالب المشروعة والمحقة في التغيير والاصلاح ….
رابعا : وصول حكومة البحرين الى قناعات شبه نهائية بان ثمة اجواء وفضاءات اقليمية ودولية تتحرك بسرعة باتجاه ضرورة ايجاد حل سياسي للمسألة السورية بعيدا عن ملف ازمة البحرين بسبب الاختلاف الجوهري بينهما ….
خامسا : حصول تغيرات كبرى ومتسارعة في جوار البحرين وفي مقدمتها تحولات اليمن ما جعل موازين القوى المحيطة بالمنامة تبدو تسير بتسارع كبير لغير صالح الحكومة البحرينية وسياساتها الداخلية والخارجية ….
سادسا : شعور حكومة المنامة بالاحباط والكآبة بسبب انعدام سبل الدعم الخارجي الفعال لها بوجه المعارضة الشعبية ، ابتداء من جارتها الاساس اي المملكة السعودية المنشغلة بهمومها واهتماماتها وقلقها على مستقبل عرش المملكة وتداعيات احتمال نشوب نزاع طويل مع احتمال رحيل مليكها الذي دخل في غيبوبة كما تشير آخر الانباء، مرورا بالاشقاء في مجلس التعاون الذين لم تعد قضية البحرين جزء اساسي في اولوياتهم ، وانتهاء بالادارة الامريكية التي بدا انها رغم التظاهر بضرورة حفظ استقرار حكومة المنامة الا انها غير مستعدة للتدخل بقوة لمنع التغيير لانشغالها بما هو اهم في الاقليم ….
هذه الامور مجتمعة وفي ظل اجواء احتمال حصول تطورات اكثر دراماتيكية في الداخل البحريني بعد الفشل الذريع لتجربة الانتخابات البرلمانية بدون مشاركة قوى المعارضة مقابل النجاح المدوي لتجربة الاستفتاء الجماهيري للمعارضة بالمقاطعة الانتخابية الى حد تعرية النظام حتى من قشوره الخارجية ، هي التي دفعت حكومة المنامة باستحضار تجربة شاه ايران مع كل من شعبه و حليفته وسنده القوي الولايات المتحدة الامريكية…. وكيف ان الاوضاع يمكن ان تتطور الى ما لا يحمد عقباه، فتنام المنامة ليلة لتستيقظ في اليوم التالي على ” كش ملك ” جديد على يد اوباما الديمقراطي تماما كما حصل مع كارتر في نهايات سبعينات القرن الماضي ….
وبدل ان تعتبر حكومة المنامة من تجارب التاريخ فانها وعلى ما يبدو وبعد تشاور مع جارتها الاساسية اي الرياض و استنهاضا للارث البريطاني القمعي ايام حكومة هندرسون الشهيرة قررت اللجوء الى العنف تجنبا لسيناريو شاه مطارد في اصقاع الارض يبحث عن لجوء تمنعه عليه حتى الادارة الامريكية …..
وهكذا تم اللجوء الى خطوة اعتقال زعيم المعارضة السياسية ، والتهيؤ لما هو ابعد ضد اي تصعيد محتمل من جانب قوى الانتفاضة او الثورة الشعبية ….
لكن حكومة المنامة ، نسيت او غاب عن بالها ، بان مياه كثيرة جرت في حراك الشعوب منذ نهاية سبعينات القرن الماضي حتى الان ، وانها بهذه الخطوة قد صنعت مانديلا جديد ، ليس فقط سيتربع على عرش المعارضة البحرينية ، بل وقد يسنسخ في دول الجوار ….
واما بخصوص ادعاءات التدخلات الايرانية التي تكررها حكومة المنامة بين الفينة والاخرى كلما شعرت نفسها محشورة في حربها المفتوحة ضد قوى المعارضة المحلية ، فانه يكفي للسلطة البحرينية ان تجول في افقها المحيط مليا ومن ثم تقول لنا بصراحة : ماذا لو تدخلت ايران حقيقة لصالح قوى المعارضة في البحرين ؟
الا تتوقع حكومة المنامة بان الامر قد يحسم وبسرعة قياسية لا تتصورها لصالح الشيخ عيسى قاسم مرشدا اعلى والشيخ علي سلمان رئيسا لجمهورية البحرين العربية الديمقراطية ، وانطلاق المحاكم الثورية ضد كل من عبث طوال اكثر من نصف قرن بتاريخ شعب البحرين العروبي الاسلامي المجيد …؟
وانه من الافضل لها ان تبحث عن حل محلي تتقاسم فيه الحكم والثروة بينها وبين معارضة سلمية متواضعة لا تطلب الا حكومة منتخبة ولتكن من آل خليفة كما تقول بعض اجنحة هذه المعارضة وتوزيع للثروة افضل وبرلمان منتخب ووقف التجنيس غير المشروع ومحاولة احداث تغيير ديموغرافي على خلفية نظرة مذهبية ضيقة لن يجني منها احد غير مزيد من التوتر وانعدام الاستقرار …!
الامر الان وفي هذه اللحظة لا يزال جزء هام منه بيد حكومة المنامة ….
لكن هذا الامر قد لا يبقى كذلك ابدا لو استمرت في اعتقال مانديلا البحرين وقررت التصعيد ضد المعارضة اكثر لان الامر وقتها قد يخرج من يد الجميع…
وفي اليمن في الجوار عبرة لمن يعتبر وفيه اشارة الى الى ما هو اعمق من هذا بكثير ، والعهدة على المحللين والقارئين لما هو ابعد من شوارع المنامة وكواليسها وردهات محاكمها وزنزاناتها التي سالت فيها دماء بريئة كثيرة ليس اقلها دم الشهيد كريم فخراوي والتي آن الاوان ان تغلق والى الابد ….