مؤتمر موسكو: قراءة مرنة لجنيف.. وضمانات للنجاح محمد بلوط
مع إرسال بطاقة أخيرة إلى المبعوث الأممي إلى سوريا استيفان دي ميستورا، يستكمل الديبلوماسيون الروس لائحة المدعوين إلى يومَي موسكو السوريَّين في 27 و28 كانون الثاني المقبل.
وليس واضحا ما إذا كان المبعوث الأممي سيجد الوقت الكافي، في فراغه الكثير، لأخذ مكانه في موسكو. وكان النص الذي صدر عن مكتبه بأنه سيمثل في المباحثات، من دون تحديد من سيلبي الدعوة الروسية، جاء في صيغة مبهمة ومطاطة وانتظارية توحي بأن المبعوث قد فوجئ بدعوته إلى عملية لم يشارك، لا من قريب ولا من بعيد، في التحضير لها، علما أنها تقع في قلب مهمته السورية.
والراجح أن دي ميستورا ينتظر أيضا الضوء الأخضر الأميركي، أو قرارًا من الأمانة العامة للأمم المتحدة لتحديد موقفه من حوار يجري على حساب اقتراحه لتجميد القتال في حلب، إذا ما أقلع الحوار، وتوصل منطقيًّا إلى تجاوزه ووضعه على الرف.
وقد أنجز الروس لائحة من الدعوات، ستواجه الرفض المنتظر من المدعوين أنفسهم، ليس لعدم اشتمالها على كل أطياف المعارضة فحسب، كما تقول مصادر في قيادة المعارضة الداخلية، ولكن لأنهم تلقوها بصفتهم الشخصية لا السياسية كممثلي أحزاب وكيانات ومنظمات مجتمع مدني.
وأبلغ مسؤول روسي بعض المعترضين أنه لا عودة عن شخصية الدعوات، لكن يمكن رفع عدد المقاعد في لقاء موسكو من 28 إلى 40 مقعدًا. وبالفعل فقد وزعت السفارات الروسية في دمشق وباريس وجنيف ولندن واسطنبول والقاهرة بطاقات الدعوة، إلى من انتخبَهم ممثلِين إلى اللقاء التشاوري ممثلُ الرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط ميخائيل بوغدانوف، بعد التفاهم مع الحكومة السورية.
وهكذا يحضر إلى موسكو كل من هيثم مناع، وحسن عبد العظيم، وصالح مسلم محمد، وهادي البحرة، وعبد الأحد اصطيفو، وبدر جاموس، ونواف عبد العزيز الملحم. كما يحضر زعيمان عشائريان إضافيان ، ومية الرحبة، وميس كريدي ومحمود مرعي، وقدري جميل، ومازن مغربية، ومعاذ الخطيب، وسمير العيطة، وصلاح درويش، ورندة قسيس، ومجد نيازي، وسليم خير بك، ووليد البني، ومحمد الفارس، وسهير سرميني، وأيمن الاصفري.
وتضم اللائحة مؤشرات أولية على وجود ضوء أخضر سعودي، لإشراك «الائتلاف الوطني السوري» في العملية السياسية حتى الآن، من دون أن تتضح معالم الموافقة السعودية، وما إذا كانت لا تزال مفتوحة، خصوصًا بعد استدعاء الرياض لهادي البحرة إليها للتشاور هذا الأسبوع، وإلغاء لقاء مقرر في جنيف الليلة، مع أحد قادة «هيئة التنسيق»، في إطار التشاور المستمر على ورقة تفاهم مشتركة لدخول موسكو.
كما تضم اللائحة أكثرية واضحة من المجتمع المدني، ومن الاتجاهات المختلفة في المعارَضة الداخلية السورية، التي اختارت منذ بداية الأزمة، رفض العسكرة والتدخل الخارجي، مثل «هيئة التنسيق»، و «تيار بناء الدولة»، و «جبهة التغيير والتحرير»، وغيرها من الجماعات.
ومثَّلَت الحقائقُ الميدانيةُ ضمانةً إضافيةً للروس، وحوار موسكو بإعادة دعاة التدخل الخارجي، مثل «الائتلاف»، إلى موقع ضعيف، وتمني مجرد المشاركة في العملية للخروج من عزلته، وتحجيم قدرته على الإضرار بالعملية السلمية، وهرولته على غير عادة لعقد اتفاق مع «هيئة التنسيق»، التي اتهم وجوهها وقياداتها على الدوام بالعمالة للنظام، وخيانة الثورة.
وتقول مصادر من المعارضة إن المكتب التنفيذي للهيئة يستعد غدًا للتصويت على تفاهم أولي مع هيئة «الائتلاف»، يَشترِط أن يكون أيُّ تفاوضٍ وفق مبادئ «جنيف 2»، مع مرونة واضحة في قراءة تتجاوز عقدة بقاء الرئيس بشار الأسد في موقعه، أو البحث في الحكومة الانتقالية. كما يتعاهد الطرفان على تقاسم التمثيل في أي وفد يفاوض الحكومة السورية.
وكان «الائتلاف» قد أخلَّ باتفاق سابق عقده مع «هيئة التنسيق» في كانون الثاني الماضي في القاهرة، لتقاسم التمثيل في جنيف، مقصيًا مَن يسعى إلى التحالف معهم اليوم، من العملية التفاوضية. كما نقض «المجلس الوطني السوري» اتفاقًا موقَّعًا بالأحرف الأولى مع «التنسيق» في القاهرة، في كانون الأول العام 2011.
وجلي أن الضمانة الأخرى لإنجاح اللقاء هي أن المشاورات التي سبقته مع الروس، أوضحت أنه على المعارضة أن تقدم تنازلًا جوهريًّا في انضمامها إلى جبهة مكافحة الإرهاب، وتقديم قاعدة سورية وطنية واسعة لمكافحة الإرهاب، لقاء إشراكها بالحكومة وإصلاحات تدريجية، لا تذهب بعيدًا في تغيير النظام. ويندرج ذلك في رؤية روسية لإعادة ترتيب الأوضاع السورية، ومنع الولايات المتحدة من الانفراد «سياسيًّا وعسكريًّا» في تحالف مكافحة الإرهاب، وفتح الباب أمام عملية سلمية سياسية مديدة، للتخفيف من استنزاف روسيا وإيران على الجبهة السورية، عبر الدعم المالي والعسكري المستمر، من دون الانسحاب منها، خصوصًا في ظل الهجوم السعودي المتمادي ضد عائداتهما النفطية.
وعمل الروس على استبعاد كل الصقور من العملية، بالرغم من تواضعها مقارنة بجنيف، ووضعوا «فيتو» على كل من هاجمهم في الإعلام من أقطاب «الائتلاف»، السابقين والحاليين، واستبدلوا التيار الإسلامي، الذي تقوده جماعة «الإخوان المسلمون» السوريون، بالرهان على الشيخ معاذ الخطيب وقدرته على تجميع كتلة تضم علماء الشام، والبرجوازية السنية الدمشقية، وتيارًا شعبيًّا يرفض الالتحاق بطروحات «الإخوان» المتطرفة.
وكان «الإخوان» أصدروا بيانا دعوا فيه إلى مقاطعة موسكو واللقاء التشاوري، علما أنهم سعوا، عبر وساطات كثيرة، إلى دخول قاعة الحوار، عبر واجِهَتِهم في «حزب الوعد» الذي يرأسه نبيل قسيس، إلا أن الروس رفضوا دعوتهم، ولم يصدر بيان الرفض «الإخواني» إلا بعد انتهاء إيصال بطاقات الدعوات، التي لم يصلهم منها أي بطاقة .
ومن المستبعد أن يعمد الروس إلى تغيير طبيعة الدعوات لتفادي ألغام الوفد المشترك، أو نشوء كتل وتحالفات تُعَقِّد النقاشَ الأولي، وتُدْخِل الحوارَ في مشاكل النسب التمثيلية والأوزان. وما تتشارك فيه هذه القوى أنها لا تملك تمثيلًا حقيقيًّا وازنًا، ولا سلطة ضامنة لعملية التنفيذ والضغط على الجماعات المسلحة للدخول في مسار بناء الثقة ووقف العمليات العسكرية عندما يحين الوقت.
لكن الرهان الحقيقي على موسكو، هو ككل رهان على أي عملية سياسية في نزاعٍ دامٍ ومكلفٍ كسوريا، هو تبلور كتل اجتماعية وسياسية تمحض المدعوين قوة التمثيل التي تنقصهم اليوم، وحق المشاركة في القرار عبر الآليات التي ستقررها من انتخابات أو مواثيق دستورية جديدة، موضوعة على لائحة النقاش، عبر استجابتها لانتظار سوري واسع، من كل الأطياف، لوقف حلقة الدم المقفلة، وابتكارها زخمًا وديناميكية في العملية التي تنتقل من حوار وتبادل أفكار إلى مفاوضات تضع تدريجيًّا حدًّا لتدمير سوريا والقتل ونزف الدم.
وكان الروس قد عمدوا، في الأيام الأخيرة، إلى خفض التوقعات من لقاء موسكو، ضمانة لنجاحه، بتقليص أيام اللقاء من أربعة إلى إثنين، تبدأ في 27 الشهر المقبل بلقاء بين ممثلي المعارَضة أنفسهم، يليه لقاء حكومي – معارض في 28 الكانون الثاني، على أن يصدر بيان ختامي في 29 منه، يمكن المراهنة منذ الآن أن الروس قد انهوا كتابته، وهو لن يتضمن سوى الأفكار العامة التي تم تبادلها، والقواسم المشتركة بين الحاضرين، على أن تتحول إلى مادة تفاوض في لقاء مقبل، إما في دمشق أو موسكو، وربما جنيف.
(السفير)