أشباح في الامم المتحدة: موشيه آرنس
المرة تلو الاخرى تحاول دول في غربي اوروبا أن تقرر الاعتراف بـ «الدولة الفلسطينية» غير الموجودة بل وأن تقرر حدودها. وبالتوازي، ينشغل محمود عباس بالمناورات الرامية إلى أن يحقق لهذه الدولة الافتراضية مقعدا في بعض من منظمات الامم المتحدة ودفع مجلس الأمن إلى أن يحدد موعدا هدفا لاقامتها وكذا نتائج المفاوضات بين الفلسطينيين واسرائيل.
ليس لهذه الجهود سابقة في التاريخ السياسي أو في تاريخ الامم المتحدة. وهي تُذكر بالدعوة الوقحة التي أطلقها ديغول «تحيا كويباك الحرة» في الزيارة التي أجراها في مونتريال في تموز 1967، والتي لم تغير في شيء مكانة محافظة كويباك. ليس هكذا تقام الدول، ولا شك أن هذا واضح للسياسيين ولاعضاء البرلمان الذين ينشغلون في هذه المناورات. واذا كان كذلك، فلماذا يفعلون هذا؟.
ينبغي الافتراض بأن السبب هو أنهم يؤمنون بصدق بحق تقرير المصير، ويودون أن يدسوا بالقوة دولة فلسطينية في حلق اسرائيل. فقد سحرهم الشعار الجاذب: «دولتان للشعبين». وحقيقة، كيف يمكن للمرء أن يعارض مثل هذا الشعار؟ ليس الاوروبيون والامريكيون وحدهم وقعوا في حبه، بل والكثير من الاسرائيليين ايضا. غير أنه توجد هنا مشكلة واحدة يصعب عليهم تجاهلها ألا وهي أنه يوجد للفلسطينيين منذ الآن دولة خاصة بهم – الاردن، الذي 70 بالمئة من سكانه هم فلسطينيون.
اذا لم يكن الاردن تعبيرا عن حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، فماذا هو؟ في احداث «ايلول الاسود» في 1970، حاول زعيم م.ت.ف ياسر عرفات السيطرة عليه، بدعوى أن الحديث يدور عن ارض فلسطينية عمليا. فلماذا بالتالي ليس مستعدا الاردن لأن يمثل الفلسطينيين ولا يطالب بأن يضم اليه يهودا والسامرة وقطاع غزة؟.
المؤيدون لاقامة دولة فلسطينية واولئك الداعون إلى «دولتين للشعبين» يعرفون تماما الجواب على هذا السؤال. فالاردن لا يريد المزيد من الفلسطينيين في اراضيه، واذا كان كذلك، فان المطلب الحقيقي هنا هو اقامة دولة فلسطينية اخرى. هم يريدون أن تتخلى اسرائيل عن سيطرتها في يهودا والسامرة وتضع حدا لما يسمونه «الاحتلال» لهذه المناطق. هذا هو الهدف الحقيقي لكل المناورات الدبلوماسية الاخيرة: يريدون اقامة دولة فلسطينية ثانية بكل الوسائل، الشرعية والمرفوضة.
رد اليسار الاسرائيلي على ذلك هو: ولم لا؟ تعالوا نتحرر من عبء «الاحتلال» ومن يهمه آثار هذه الخطوة. وبالفعل، بعد خروج الجيش الاسرائيلي، من شأن المنطقة أن تستولي عليها حماس أو داعش، ومن شأن وضع السكان الفلسطينيين أن يتفاقم بلا قياس، ومن شأن المراكز السكانية الاسرائيلية أن تعاني من نار الصواريخ، ومن شأن استقرار الاردن أن يهتز، ولكن من يهتم؟ اغلب الظن، هذه النتائج أفضل في نظرهم من الوضع الراهن الحالي.
مشكلة اخرى يتجاهلونها هي أنه لا يوجد اليوم سبيل للانتقال من النقطة أ إلى النقطة ب – أي من الوضع الحالي إلى الاتفاق على اقامة دولة فلسطينية ثانية. عباس لا يمثل كل الفلسطينيين. مكانته في يهودا والسامرة متهالكة، وهو متعلق بتواجد الجيش الاسرائيلي. لا يريد أن يوقع على اتفاق مع اسرائيل كما أنه لا يمكنه أن يطبق مثل هذا الاتفاق اذا ما وقع عليه، وهو على علم بذلك. ولهذا فهو يفضل أن يكون شبحا في الامم المتحدة.
إن اولئك الذين يطلقون النداء العليل «دولتين للشعبين» منقطعون تماما عن الواقع. يحتمل أنهم لا يرون ذلك، ولكن معقول أكثر الافتراض بأنهم لا يريدون أن يروا ذلك. الكثيرون منهم مُعادون لدولة اسرائيل، مهما كانت حدودها. وهم لا يحبون حقيقة أن اسرائيل أصبحت دولة قوية قادرة على الدفاع عن نفسها ضد العدوان والارهاب. في كل ما يتعلق بالشرق الاوسط فقدوا بوصلتهم الاخلاقية.
هآرتس