العقيدة العسكرية الروسية الجديدة حميدي العبدالله
وقّع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على وثيقة استراتيجية هامة تتضمّن عقيدة عسكرية جديدة، تضع هذه العقيدة العسكرية توسّع حلف شمال الأطلسي بوصفه واحداً من الأخطار الخارجية الرئيسية، وتتميّز هذه العقيدة عن سابقتها التي وُضعت عام 2010 بأنّ السابقة كانت تقيّم توسع حلف شمال الأطلسي بأنه خطر كبير.
من الصعب التمييز بين المصطلحين، ولكن السياق السياسي العام للعلاقات بين روسيا والغرب هو الذي يعكس الفارق بين ما جاء في عقيدة 2010 وعقيدة 2014.
بمعنى آخر أنّ روسيا منذ عام 1995 عندما وضعت أول عقيدة عسكرية لها بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، كانت هذه العقيدة تشير إلى خطرين أساسيّين يلزمان الدولة الروسية بالتصدّي لهما، الخطر الأول، توسع حلف شمال الأطلسي الناتو شرقاً، أيّ باتجاه بعض دول أوروبا الشرقية، والدول التي كانت جزءاً من الاتحاد السوفياتي، والخطر الثاني تعرّض الأقليات الروسية في جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق إلى الخطر، حيث التزمت تلك العقيدة بالدفاع عنهم، بل أكثر من ذلك إنّ اتفاقية حول أوكرانيا وقّعت في منتصف التسعينيات بين الدول المعنية وروسيا في عهد بوريس يلتسين الحليف القويّ للغرب، ركزت على ضرورة أن تكون أوكرانيا دولة محايدة، ولكن تصويت البرلمان الأوكراني مؤخراً على إلغاء حياد أوكرانيا والطلب رسمياً من قبل الحكومة الأوكرانية الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي الناتو شكل خروجاً ثالثاً على الخطوط الحمر التي حدّدتها روسيا الرأسمالية في عهد يلتسين، وأعاد التأكيد عليها الرئيس بوتين في فترة ولايتيه الأولى والثانية، والآن في ولايته الثالثة، كما أكد عليها ميدفيديف في ولايته التي سبقت إعادة انتخاب الرئيس بوتين لولاية ثالثة.
الخلاصة أنّ الحكومات الغربية، وأيضاً الحكومة الأوكرانية، لم تحترم الخطوط الحمر التي هي موضع إجماع في روسيا، وبمعزل عن هوية الحاكم الذي يقيم في الكرملين، سواء كان موالياً للغرب، كما هو حال يلتسين، أو مصمّماً على إعادة العلاقات المتكافئة بين الغرب وروسيا إلى وضع يليق بقدرات روسيا العسكرية، وموقعها الجيوسياسي، وثرواتها الطبيعية الكبيرة، وبالتالي لم تعد المسألة هي مسألة بوتين، كما يحاول قادة الغرب والإعلام الغربي تصوير الأمور.
في مثل هذه المعطيات، فإنّ أيّ مسؤول روسي لن يكون قادراً على عدم الردّ عندما يتمّ تجاوز الخطوط الحمر التي هي موضع إجماع القوى والتشكيلات السياسية الروسية والتي يلتفّ حولها أبناء الشعب الروسي، أو على الأقلّ غالبيتهم، وإذا ما استمرّ الغرب بتجاهل التحذيرات الروسية، فإنّ الوضع سيتدهور أكثر مما هو عليه الحال الآن، وسيكون الغرب هو المسؤول عن التداعيات والتبعات الناجمة عن هذا التدهور.
(البناء)