نهاية 2014: سورية تغيب عن الإعلام عامر نعيم الياس
لم يعد غياب الملفّ السوري عن صدارة اهتمام الإعلام العالمي والإقليمي والعربي أمراً يمكن وضعه في إطار فردي خاص بكل جهةٍ على حدة، ولا يمكن وضعه في إطار تغيير في السياسة البرامجية لقناة تلفزيونية هنا وصحيفةٍ هناك، فالملف السوري تراجع إلى مستويات لم تشهدها السنوات الثلاث الماضية من عمر الحرب على سورية، بدءاً بقناة «الجزيرة» القطرية وغياب النشرة السورية عن شاشة الخريف العربي، مروراً بالصحافة العالمية التي غاب عنها الخبر السوري، والذي إن حضر على بعض صفحاتها فقد لوحظ غياب أي توجيه سياسي، أو محاولة لدس السم في الدسم في التقارير التي ميزت التعاطي مع الأزمة السورية وتطوراتها، فضلاً عن غياب الآراء التي تدعو إلى اعتماد استراتيجية مختلفة في الشأن السوري وتحديداً تلك التي تدعو إلى إقامة مناطق عازلة وإرسال قوات برية إلى سورية، فما الذي يجري في كواليس الإعلام حول سورية، وكيف يمكن تفسير هذا الغياب؟
لا يمكن تفسير ما يجري في سياق سيناريو بعينه، لكن يمكن في ضوء هذا الإجماع على إبعاد الملف السوري تسجيل الملاحظات التالية:
تراجع الملف السوري في صفحات الإعلام الغربي، خصوصاً الصحف، جاء بشكل تدريجي لا فجأةً، وهو ما يمكن لحظه بشكل ملموس بعد إطلاق الرئيس باراك أوباما تحالفه الدولي ضد ما يسمى «داعش».
التراجع المرتبط بالحرب التي يشنّها أوباما على الإرهاب وفق التعريف الأميركي، أفرزت تراجعاً على مستويين، الأول تراجع أولوية التغيير في سورية لمصلحة الحرب الأميركية، وثانيها تبرير الحرب عبر الطعن بأهم مقوّمات أيّ ثورة، خصوصاً في سورية وهي العامل المحلي والبعد القومي الوطني، وفي هذا السياق كثرت الإحصاءات حول تعداد المقاتلين الأجانب في سورية والتي كان آخرها ما نشرته صحيفة «لوس آنجلس تايمز» الأميركية عن تنظيم «داعش» والذي جاء فيه أن «المقاتلين الأجانب يشكلون 70 في المئة من المقاتلين في سورية، و30 في المئة من المقاتلين في العراق». هنا تبرز ضرورة محاربة التطرّف في سورية بشكل يفوق العراق نظراً إلى اضمحلال العامل الوطني في التنظيم، فضلاً عن أن الإحصائية تعكس وجود قدرة أكبر على النجاح في الحرب الأميركية على «داعش» في سورية أكثر منه في العراق نظراً إلى عدم وجود بيئة محلية حاضنة مقارنةً بالعراق.
التراجع في الملف السوري وأهميته غربياً هو تراجع قبل أن يكون إعلامياً فإنه سياسي نظراً إلى دخول ملفات أخرى على خط الصراع الدولي وحتى الهمّ الداخلي للحكومات الغربية، بدءاً من الحرب على الإرهاب، مروراً بالوضع في أوكرانيا والحرب الباردة بين واشنطن وموسكو، وليس انتهاءً ببحث أوباما عن إنجاز ما يطبع فيها نهاية ولايته، من دون أن نغفل ضغط الملف الجهادي في أوروبا والذي أفرز بدوره رهاباً مجتمعياً من ظاهرة الإسلاموفوبيا، عوّم ملف اليمين الأوروبي المتطرف مرة أخرى.
تراجع الملف السوري عن سلّم الأولويات الغربية الحكومية قبل الشعبية، وباتت تداعيات حرب الاستنزاف في هذا الملف تشكل أولويات بالنسبة إلى دول العالم، إذ لا يمكن فصل الملف السوري عن عوامل الصراع الروسي مع الغرب، كما لا يمكن فصله بشكل أو بآخر عن الدعاية الدولية التي واكبت عملية تنظيم اللجوء والنزوح في سورية والحث عليه وتبنيه، ما أدى إلى تعويم الفوبيا من الإسلاميين في أوروبا بالتزامن مع الحرب الأميركية على «داعش» دون غيره من التنظيمات الإرهابية في سورية، لكن السؤال الذي يطرح في أي سياق يتم تفسير هذا التراجع؟
هناك ثلاثة سيناريوات يتم تداولها:
الأول: أن هذا التراجع ليس سوى تراجعاً ظرفياً بانتظار السنة الجديدة والمتغيّرات التي ستحصل فيها وأهمها فشل موسكو في بناء حوار سوري سوري، من أجل البدء بحملة إعلامية وسياسية جديدة تستهدف الدولة السورية والدور الروسي في سورية، وهو احتمال وارد لكنه ضعيف في ضوء انعدام البدائل عن الخطوة الروسية في الطرف المقابل، خصوصاً من جانب الإدارة الأميركية التي تلوذ بالصمت ويعمل بعض إعلامها على تبرير خطوة موسكو في موافقة ضمنية عليها. إذ وصفت «واشنطن بوست» المؤتمر بأنه «خطوة أولى على طريق إنهاء الحرب».
الثاني: أن هذا التراجع أو الغياب يندرج في إطار إعادة صياغة السياسات الإعلامية الخاصة بكل وسيلة، لكن في الحالة السورية نرى أن هذا الغياب هو غياب شامل ومتزامن بين مختلف صنوف الإعلام المرئي والمسموع والمقروء وبالتالي لا يملك هذا السيناريو أي مصداقية.
الثالث: وهو الاحتمال الأكثر ترجيحاً، أن تغييب الملف السوري ناتج عن تغيّرٍ فعلي في الأولويات الدولية، إضافةً إلى الرغبة في التغطية على الحدث السوري في ضوء قرار إدارة أوباما بالاستمرار في حالة الميوعة في إدارتها للمف السوري وعدم الرغبة في الإجابة عن الأسئلة المصيرية التي تفرضها المتغيّرات الميدانية والسياسية في الحالة السورية. تغييب يفسح في المجال أمام سنة جديدة من الرهان السياسي والميداني على الاستنزاف في سورية، لكنه غير مترافق هذه المرة مع مواكبة إعلامية، ما يفسح في المجال بدوره أمام احتمال حدوث تغيير مفاجئ في التعاطي «الواقعي» مع تطورات الأوضاع في سورية.
(البناء)