حوار «الضرورة» مع حزب الله : رهان 14 آذار على أشهر ستة تقلب موازين القوى؟؟؟ ابراهيم ناصرالدين
لن يجد اي من المهتمين بمعرفة حقيقة وخلفيات نزول «وحي» الحوار على الاطراف اللبنانية المتخاصمة كلاما معبرا وواقعيا اكثر مما قاله مؤسس الحركة السلفية في لبنان داعي الاسلام الشهال، « الوصول الى صيغة الغالب والمغلوب جعلت من الحوار مطلوبا بين التيار السلفي وتنظيم حزب الله، لانه يخفف الضرر والمفسدة على الساحة اللبنانية»، اي ان لسان حاله يقول «غلبة» حزب الله فرضت على «المغلوبين» الذهاب الى «الطاولة» من دون شروط مسبقة، او طموحات كبيرة، وانعدام الخيارات جعل الانفتاح على حزب الله امرا محتوما اقله لتخفيف الخسائر. وهذا لا ينطبق فقط على التيار السلفي وانما على تيار المستقبل الذي استجاب الى نصيحة رعاته الاقليميين ومن خلفهم الراعي الاميركي، بضرورة الجلوس في اقرب فرصة مع الحزب لادارة الفراغ القائم، تحت شعار» اليد التي لا تقدر عليها بوسها وادعي عليها بالكسر». اما الفرج فقد يكون قريبا، فالحديث ليس عن انتظار مغادرة الادارة الاميركية بعد نحو عامين، وانما رهان على 6 أشهر جديدة تمتد حتى منتصف العام الجديد.
هذه الخلاصة لاوساط سياسية رفيعة في 8آذار، تشير الى ان حزب الله يدرك منطلقات انفتاح خصومه عليه، ويدرك ايضا طبيعة الرهانات القديمة- الجديدة، ويعرف ان حالة المراوحة ستستمر، ولن تنتج اي حلول دون انفراج اقليمي ودولي في المنطقة، لكنه كما سبق واستثمر انتصاراته في العام 2000 وعام 2006 والعام 2008 بالانفتاح على الاخرين لتهدئة المناخات الداخلية، فهو سيستثمر نجاحاته في الحرب في سوريا وفي المواجهة مع الارهاب في حماية البلاد من تداعيات أزمة المنطقة، وذلك عبر «اخضاع» خصومه مرة جديدة لمنطق «القوة العاقلة» التي نجحت على مدى الاشهر الماضية في تفريغ «سلة» الفريق الآخر من عناصر القوة، الواحدة تلو الاخرى، خارج الحدود وفي داخلها، وكان استثماره ناجحا حتى الان، وانتج تثبيتا لعناصر القوة التي راكمها، وتحييدا للملفات الاستراتيجية التي باتت امرا واقعا، فما يريده على الساحة اللبنانية هو الاستقرار، وعدم اشغاله عن الحرب الحقيقية في سوريا، والجبهة الرئيسية على الحدود الجنوبية، وغير ذلك من الامور «تفاصيل» قابلة للبحث وليس للبت، ولا يضيره اي حوار اكان مع تيار علماني اوسلفي، طالما ان النقاشات لا تتعارض مع ثوابته، وليس مهتما كثيرا برهانات خصومه على الزمن، فهو ايضا معني بشراء الوقت ويعتقد انه لصالحه. لكن على ماذا يراهن الفريق الآخر؟
الرهان هذه المرة، برأي اوساط ديبلوماسية في بيروت على انهاك روسيا وايران اقتصاديا لاجبارهما على تقديم تنازلات اقليمية خصوصا في سوريا، وبحسب تلك الاوساط، فثمة رهان لدى الولايات المتحدة والسعودية على تعرض روسيا لضرر اقتصادي هائل وكبير خلال الاشهر الستة المقبلة بسبب انخفاض اسعار النفط وزيادة العقوبات الاقتصادية الغربية، ما يمكن ان يؤدي عمليا الى تغيير استراتيجي في شكل المواجهة الدائرة في المنطقة، فضعف الموقف الروسي سيؤثر حكما على ايران المرشحة للتأثر، ولكن بنسبة اقل من روسيا، بسبب تكيف البلاد مع سنوات طويلة من العقوبات الاقتصاية، وبرأي هؤلاء فان الدور الإيراني – الروسي في القضية السورية سيكون امام امتحان عسير بسبب متغيرات سياسية واقتصادية ستضع قيادة البلدين أمام تغيير حتمي وتنازلات كبرى للتخلص من عبء الاستنزاف السياسي والاقتصادي في سوريا.
في المقابل، يرى هؤلاء ان السعودية تزداد قوة، وبرأيهم هي لم تتأثر بتدهور اسعار النفط، فقبل ايام أعلنت الرياض عن أكبر ميزانية في تاريخها، تصل الى حدود 250 مليار دولار، وهو دليلٌ قوي على المكانة الدولية الكبيرة التي تحتلها البلاد في العالم، وعلى الاقتصاد المتين والمستقر، القادر على ضمان استمرار التنمية والمشاريع الكبرى حتى في حال اضطراب أسعار النفط الدولية والتباطؤ الذي يشهده الاقتصاد الدولي في هذه المرحلة. هذا كله يتم في ظل استقرار أمني قوي يسود في البلاد، ونجاحات مستمرة في مكافحة الارهاب. اما في السياسة فمكانة المملكة العربية السعودية دوليا وإقليميا وداخليا، تزداد صلابة بعد نجاحها في التعامل مع التوازنات الدولية والصراعات الإقليمية، فهي نجحت في «راب الصدع» في «البيت الخليجي» واستوعبت الدوحة، ونجحت في عقد مصالحة بين مصر وقطر، واقصت «الاخوان المسلمين» عن الوصول الى السلطة في دول «الربيع العربي»، ولم يعد هناك اي منافس سني جدي على زعامة العالم الاسلامي، فمصر اصبحت تحت «جناحيها»، سوريا والعراق انتهى دورهما المؤثر بعد ان مزقتهما الحروب، وتركيا في عزلة عربية ودولية وفقدت كل ادواتها الجدية في المنطقة. وبحسب هؤلاء فان المملكة تحتاج الى التهدئة في لبنان حيث لا يمكن تحقيق اي ارباح بانتظار اكتمال تجميع «اوراق القوة» في المنطقة واكتمال عقد التحالفات الجديدة التي تقوم على حتمية انهيار الموقفين الروسي والايراني تحت الضغوط.
لكن لـ «خصوم» المملكة قراءة مختلفة لما يحدث خصوصا «قصر نظر» من يحتفل بحصار ايران وموسكو اقتصاديا عبر استخدام «سلاح النفط»، وبرأي هؤلاء، فان مشكلة السعودية لم تبدأ بعد، وهي مقبلة على اعوام عجاف اذا استمر سعر برميل النفط بالانحدار، فعندها من اين ستفي مداخيل الحكومة السعودية بمرتبات موظفيها؟ وماذا ستفعل عندما سينفذ مخزونها المالي الذي وفرته؟ وكيف ستتعامل مع ازدياد ديونها من صناديقها المحلية؟ وهل ستكون قادرة على منع «هروب» الأموال المكدسة في البنوك المحلية إلى الخارج؟ وماذا عن الوضع السياسي والامني؟ فهل سيبقى الوضع مستقرا في المملكة اذا ما جفت الموارد المالية؟ وهل لدى المملكة استراتيجية جديدة بديلة عن «فلسفة» الارباح السهلة من تجارة النفط؟ واين الاقتصاد الصناعي والزراعي المنتج؟ هذه الاسئلة وغيرها تشير الى ان «بحبوحة» النفط لن تدوم، وما تراهن عليه السعودية سينقلب ضدها اذا ما طالت الازمة النفطية الراهنة، وهي لن تبقى بعيدة عن هذا الحريق الذي ساهمت في اشعاله.
اما على الصعيد السياسي، فيرى «خصوم» المملكة انها تبالغ في رهاناتها على «تطويع» مصر، فهذه «الكبوة» المصرية لن تدوم طويلا ومن الواضح ان القيادة المصرية الجديدة تدرك جيدا خطورة ما يحاك لسوريا، ولن تستطيع الرياض جر القاهرة الى استراتيجيتها السورية. اما القلق الاستراتجي مطلع العام المقبل فسيكون نجاح المفاوضات النووية الغربية- الايرانية ، وتطبيع واشنطن علاقاتها مع طهران على حساب دول مجلس التعاون الخليجي، وهذا يعني اعادة رسم الخريطة السياسية وربما الجغرافية في المنطقة. فهل تملك الرياض ضمانات ألا «يفعلها» اوباما بعد ان نجح في تمرير «صفقة» كوبا؟ لا يبدو ذلك في متناول اليد.
اما التغني بالنجاحات الامنية، فترى تلك الاوساط، انه لا يمكن الركون اليه ابدا، فخطر التطرف داخل المملكة قائم ويتنامى، واستمرار السياسات الراهنة في تصدير الارهاب الى خارج الحدود ليس مضمون النتائج على المدى المتوسط. وتبقى ثابتة استراتيجية لا تقبل التأويل، وهي ان كل النجاحات «المفترضة» في سوريا او العراق لا تتجاوز «نقطة» في «بحر» الخسارة السعودية في اليمن، هذا البلد المقبل على مزيد من التطورات الميدانية وقد يشهد نهاية العام او مطلعه سيطرة الحوثيين على مدينة تعز بموقعها الاستراتيجي حيث ميناء باب المندب الذي يمر منه 60% من نفط العالم.
هذه القراءات المتضاربة للمشهد العام في المنطقة ستتضح معالمها قريبا، لكن الثابتة الوحيدة غير القابلة للنقاش، ان قرار حزب الله خوض حرب استباقية على الارهاب في سوريا ولبنان، ونجاحه في اضعاف الطرف الآخر، فرض على «خصومه» تحييد لبنان عن مسرح الاحداث الساخنة، وهو اليوم يقاتل حيث يجب ان يقاتل، ويجاري الاخرين في حوار مفيد لاستراتيجيته حتى لو لم يؤد الى نتائج.
(الديار)