المقاتلون الأجانب: غيّروا وجه «الثورة» عامر نعيم الياس

كثر الحديث في الآونة الأخيرة، وفي مختلف وسائل الإعلام الغربية عن ظاهرة المقاتلين الأجانب. وقد مرّ تناول هذه الظاهرة بمراحل متدرجة خلال العام الحالي، بدءاً من الإحصاءات المتعدّدة حول أعدادهم في صفوف «المعارضة السورية» بحسب التعبير الغربي، مروراً بالجنسيات التي ينتمون إليها، وليس انتهاءً بتوزعهم على الميليشيات «الإسلامية الوهابية» وفي مقدّمها تنظيمَي «داعش» و«جبهة النصرة». جملة أمور ساهمت في نزع الطابع المحلي الذي يميّز تعريف الثورة داخل بلد ما، وحوّل ما يجري في سورية إلى حرب عصابات وتيارات إيديولوجية مختلفة، ما مهّد بشكل أو بآخر لفتح الباب أمام التدخل الدولي من جهة، والحديث عن الحل الدبلوماسي للصراع نظراً إلى دخول الإرهاب على خط الأحداث في سورية.

لكن التطوّر الهام الذي برز مع نهاية هذه السنة، تجلى بمؤشرين: الأول، الحديث عن حرب تصفيات داخل تنظيم «داعش» بين المهاجرين «المقاتاين الأجانب»، والأنصار «المقاتلين السوريين»، أما الثاني، فتناول نسب المقاتلين الأجانب في سورية والعراق كلٌّ على حدة وتأثير هذه النسب على الرأي العام في سورية لجهة النفور من «الثورة» وهو أمر يحمل في طياته علامات استفهام حول توقيت نشره وما هو المقصود منه في ظل الحديث عن تغيّر في الموقف الغربي عموماً والأوروبي خصوصاً من الدولة السورية.

مما لا شك فيه أن التغيّر أو بوادر وجود تغيّر أوروربي ما من سورية جاءت تحت ضغط «الجهاديين» الغربيين الذين أضحوا عاملاً ضاغطاً على الحكومات الأوروبية قبل المجتمعات التي بدأت هي الأخرى تشهد تغيّرات متسارعة أكثر راديكالية بالنسبة إلى المهاجرين، نتيجةً للإسلاموفوبيا التي عادت إلى الطفو مرة أخرى على السطح بسبب العمليات التي جرت في بعض الدول الغربية، بدءاً من حادثة المعبد اليهودي في بلجيكا وليس انتهاءً بما جرى في أستراليا في أحد المقاهي. ويبدو أن الأمور مرشّحة إلى مزيد من التصعيد في ضوء ابتعاد مواقف المجتمعات الأوروبية عن النخب السياسية الحاكمة التي تميل إلى اعتماد استراتيجيات أكثر شعبوية في مجال الهجرة والمهارجين من ناحية، و من ناحية أخرى تحاول عدم اتخاذ موقف واضح مما يجري في سورية والعراق من إرهاب تحت لافتة الحرية المزعومة، وذلك لارتباط مواقفها بشكل وثيق مع موقف الإدارة الأميركية. وهنا يظهر عجز الاتحاد الأوروبي في التأثير على الدور التركي في ما يخص ظاهرة المقاتلين الأوروبيين في سورية، لكن «الجهاد على أبواب أوروبا» بحسب تعبير وزيرة الداخلية البلجيكية، والأمور لا تحتمل الكثير من المماطلة في ظل تطورات أخرى بدأت تلقي بظلالها على المشهد الأوروبي والعلاقات بين الاتحاد الأوروبي وروسيا في ضوء الأزمة الأوكرانية والصراع الروسي ـ الأميركي، ولا بد من تفعيل ورقة الجهاديين على قاعدة التهدئة مع روسيا في سورية، ومحاولة معالجة ظاهرة الجهاديين الأوروبيين مع العنصر الأقوى والفاعل الوحيد على الأرض وهو الدولة السورية. وفي هذا السياق، نشرت «غارديان» البريطانية تقريراً عن المقاتلين الأجانب في سورية قائلةً «إن هؤلاء المقاتلين سببوا استياء السوريين الذين يشعرون أن البلاد لم تعد بلادهم. إن تدخل المقاتلين الأجانب في سورية جعل السوريين يغيّرون نظرتهم إلى الثورة السورية». كما انتقد التقرير على لسان أحد السوريين الذين التقاهم ما أسماه «دعم القوى الأجنبية أي جهة تقاتل نظام بشار الأسد بغض النظر عن أهدافها».

أما «لوس آنجلس تايمز» الأميركية فقد نقلت في أحد تقاريرها أن «المقاتالين الأجانب يشكلون 70 في المئة من المقاتلين في صفوف داعش في سورية، و30 في المئة من المقاتلين في العراق، وهم مستعدون لقتل الملايين في سبيل تشكيل الخلافة».

(البناء)