حماس بدون مشعل
ناصر قنديل
حركة حماس واحدة من التنظيمات المفصلية في الحياة العربية والفلسطينية، فبعيداً عن المشاعر المؤيدة والمعارضة للحركة، لا بدّ من الإقرار بأنها واحدة من علامات فارقة لربع قرن مضى، من دورها في الصراع مع «إسرائيل» الذي حسم سيطرتها على قطاع غزة ونصف البرلمان الفلسطيني، وأسس لزمن المقاومة فيها الذي أدخل «إسرائيل» في مأزقها الإستراتيجي، وحول قدرة الردع التي يملكها حزب الله إلى عامل داخلي «إسرائيلي»، وجاء ثباتها في غزة بوجه ثلاث حروب «إسرائيلية» وأمام كل محاولات سلطة رام الله ومن خلفها القدرات السعودية والمصرية، ليجعلها بحكم جغرافيا غزة مفصلاً في الجغرافيا الإقليمية، والحركة شكلت المورد المعنوي الأهم للتغطية على الكثير من الشبهات التي تدور حول تنظيم الإخوان المسلمين الذي نبتت الحركة من رحمه، فكانت دائماً شهادة حسن سلوك الإخوان يشهرونها كلما أدينوا بشائنة في وطنيتهم وعلاقاتهم بالغرب وتواطئهم ضد القضايا العربية، والحركة شريك لا يقلّ وزناً عن حزب الله بمساهمته في الأزمة والحرب في سورية، ولكن على الضفة المقابلة، وهما الأزمة والحرب اللتان يمكن القول إن توازن القوى فيهما يقرر مستقبل النظام العالمي الجديد والنظام الإقليمي الجديد، حتى يمكن القول إنه مثلما ينادي أعداء سورية بمعادلة ليخرج حزب الله ونحن نتكفل بالباقي، ينادي أنصار سورية لتخرج حماس ونحن نتكفل بالباقي.
أصل النقاش حول حماس موقفها مما شهدته وتشهده سورية، وموقعها استطراداً من الصراع مع «إسرائيل»، بعد زمن كاف ووقائع كافية ليكون النقاش منصفاً ومفيداً وموضوعياً، فقد صار واضحاً أن موقف حماس السلبي من الدولة السورية لم يكن بداعي مجاراة ومماشاة موجة شعبية عربية عارمة لا يمكن مقاومتها تقف الدولة السورية كمثيلاتها من الحكومات العربية بوجهها، فها هي حماس قد وقفت بوجه موجة شعبية مصرية لمجرد أنها ضدّ الإخوان ودافعت وتموضعت مع إخوانيتها، وما سمي بالربيع العربي ينهار على أيدي الشعوب ثورات وانتخابات، فأين شعبوية حماس مما يجري في تونس ومصر واليمن؟ ولماذا لا حرارة عندها نحو التغيير الذي يقسم المجتمعات الآن مناصفة على الأقلّ؟ وبالمناسبة ثبت في انتخابات الرئاسة المصرية التي جلبت الإخواني محمد مرسي للرئاسة أنّ المناصفة في الشارع مع النظام القديم من يومها على رغم التطبيل والتزمير لمصطلح الشعب يريد، فالشعب يريد مناصفة من يومها بين إخوان محمد مرسي ونظام مبارك، وتبقى حرارة حماس إخوانية لا شعبية، فهي تنتصر لجذرها الإخواني أو تضع رصيدها المقاوم وسمعتها الطيبة لتبييض صفحة تنظيم مشبوه تنسب إليه، وتريد له الانتصار، كما ثبت أن الأمر ليس سوء تفاهم فقد كان سهلاً على حماس تبرير تدمير الأنفاق إلى غزة في عهد مرسي وتبرير بيعها نصر غزة مرتين للإخوان في قطر وتركيا، وهي تعلم علم اليقين أن العلم «الإسرائيلي» يرفرف في أنقرة وأن التطبيع يطبخ في الدوحة، واستثمرت حماس من رصيد الحربين للجحود بتضحيات سورية وإيران وحزب الله بطريقة لا يمكن لبدوي عربي بعفويته أن يرضاها بعيداً عن المبادئ والقيم والسياسة، وهي تعلم أنها تستثمر رصيد الشهداء لتنصر حلف إقليمي مرجعيته واشنطن ويحالف «إسرائيل»، بوجه الحلف الذي يخلص لفلسطين والمقاومة.
دار الزمان دورته وصار على حماس أن تختار، فلا قطر ولا تركيا تقدران على جلب حلول سياسية بمستوى فك الحصار عن غزة، وإشراك حماس في طبخة تسوية «مشرفة» تتضمن الانسحاب من الأراضي المحتلة العام 67 ومن ضمنها القدس الشرقية لقيام دولة تتقاسمها حماس وفتح ضمن لعبة انتخابية وتنافسية وتبادلية، ولا تركيا وقطر تجرآن على منح حماس مالاً وسلاحاً لمقاومتها، ودفتر الشروط الأميركي صارم بكل ما يتصل بـ«إسرائيل»، خذوا فنادق عشرة نجوم لقادتكم، لكن قرشاً واحداً ممنوع أن يدخل لكتائب عز الدين القسام ولا بندقية ولا عبوة فما بالك بالصاروخ، فإما أن تتخلى حماس عن مقاومتها وتضمر وتتلاشى بقوة هويتها الإخوانية، أو تتمسك بخيارها المقاوم بعدما منح مقاوموها لقيادتها السياسية التي ادعت قدرة الجمع بين الهويتين مهلة أربع سنوات وباءت بالفشل وصار وقت الاختيار.
كل المعطيات المتوافرة تقول إن حماس حسمت لصالح أولوية خيار المقاومة لكن مع انتقال هادئ لا يفتت وحدتها، ولا يهز صورتها، ولا يكسر رغبة وعواطف مريديها بالتواصل مع جماعات الحلف الذي سكنت منزله أربع سنوات، فالعلاقة مع تركيا وقطر على رغم المساوئ هي ملاذ وصلة رحم إخوانية على رغم التهجير المنظم بأوامر سعودية، وكذلك العلاقة بإخوان مصر وسورية، لكن البوصلة حسمت لحماس الفلسطينية والمقاومة على حساب حماس العصبية المذهبية الإخوانية وليس بديلاً عنها، ستبقى العصبية والإخوانية، لكن ليس على حساب الهوية الفلسطينية والمقاومة، هذه حصيلة المناقشات المطولة التي حملها موفدو حماس الداخل إلى قيادة الخارج، وإلى حلفاء الأمس، حلفاء ما قبل الحرب على سورية، من دون إرفاقه بنقد ذاتي واضح وجريء يستحقه الذين أصابهم الجرح ولحقتهم المرارة بسبب انقلاب الحلفاء وقلة الوفاء والطعن في الظهر.
توافق حلف المقاومة على رغم المرارة على أولوية الخيارات الكبرى، ففتح الباب لعودة حماس، وقررت إيران بتدخل من سيد المقاومة السيد حسن نصرالله إعادة الموازنات المتوقفة على رغم شح الموارد في حرب الأسعار التي يتعرض لها سوق النفط، وتقبلت سورية لأن المهم والأهم المقاومة وفلسطين، لكن يبقى شيئان، الأول أنه لا يمكن بناء البيت الجديد بالحجارة القديمة والمشاعر بيوت الثقة، وخالد مشعل لم يعد الشخص الذي يمكن منحه الثقة مرة أخرى، فما قاله في زمن التخندق ضد سورية، وتهكمه على إيران والمقاومة بالابتسامة الصفراء و«الذين اطمأنوا هاتفياً»، وما وصف به أمير قطر وحاكم إسطنبول، هي مشاعره الحقيقية، والثاني، أن الأحزاب الكبرى التي تؤمن بتداول المسؤوليات، تقف أمام المنعطفات وتقول لقد مررنا بزلزال كبير تسبب به أحد ما، ورهاناته الخاطئة، وتصرفه الشخصي بمقدرات التنظيم لحساب مراهقة ووهم كادا يدمرا ما بنته دماء الشهداء وفي مقدمهم القادة، وأن التصحيح يجب أن يترافق مع معادلة عنوانها لا بد من فتح صفحة جديدة، ولا بد لأحد ما أن يدفع الثمن، والثمن ليس عقوبة إن بقي خالد مشعل في الدوحة في فندق سبعة نجوم بعد تعيين بديل عنه رئيساً للمكتب السياسي، لم يتورط بحروب الإخوان المسلمين في مصر وسورية.
ثمة ما يقول أن هذا سيحدث بعد زيارة الوداع لخالد مشعل إلى طهران وما سيناله من تكريم الذاهبين إلى التقاعد.
(البناء)