الغرب وخطة دي ميستورا
غالب قنديل
يتضح من التقارير والمقالات التي تتناول الموقفين الأميركي والأوروبي من سورية أن الرهان ينصب على خطة دي ميستورا بوصفها المبادرة الوحيدة المتاحة امام حصاد الخيبات المتراكم خلال أربعة أعوام من العدوان الاستعماري ولكن في قلب هذا التبني محاولات تفخيخ للخطة بالعديد من الرهانات اليائسة على زحزحة الدولة الوطنية السورية ومعادلات القوة التي رسخها صمودها شعبيا وسياسيا وعسكريا بينما يتبدى وهم افتراضي مستمر عن جماعات مسلحة معتدلة يمكن ان تشارك فعليا في التصدي لجماعات الإرهاب التكفيري .
أولا تضمن مقال ديفيد كينير الذي نشرته الفورين بوليسي ( منشور بالعربية على موقع الشرق الجديد) عرضا شاملا لمضمون تقرير نير روزين الذي قدم خلاصة النقاشات التي اجراها في الخارجية الأميركية ومجلس الأمن القومي بشأن الوضع الراهن في سورية على قاعدة مراجعة الحسابات انطلاقا من الفشل في النيل من الدولة الوطنية السورية التي قاومت وصمدت نتيجة بنيانها الوطني غير الطائفي وطابعها الاجتماعي التقدمي كما يقول روزين بينما المتمردون على هذه الدولة منذ بداية الأحداث انطلقوا من مناخ التطرف والتعصب ومن غير ان يشير إلى حلف العدوان الخارجي الذي امدهم بالمال والسلاح والخطط العسكرية والسياسية وبمجموعات من محترفي التخريب من المخابرات الغربية والصهيونية فباتوا مكونات عضوية في نسيج جماعات الإرهاب التكفيري التي استحضرها الغرب نفسه ودعمها مع شركائه في العدوان : حكومات الناتو وتركيا وقطر والسعودية .
طبعا من الواضح ان روزين وفقا لما نقله كينير غيب عاملا مهما في واقع الميدان السوري وهو حشد الإرهابيين الأجانب متعددي الجنسيات الذين باتوا في داعش وجبهة النصرة يتصدرون المواقع القيادية بينما لا يكفي امام هذه الحقيقة الاعتراف بتبخر جماعات واشنطن السياسية والإرهابية الموصوفة بالاعتدال نتيجة تركيبها الارتزاقي وانحيازها الطبيعي إلى مصادر المال والسلاح ولايمكن بالتجاور مع هذه الحقيقة استمرار وصف الجماعات المسلحة بالمعارضة فما علاقة المحاربين والقتلة من ثمانين بلدا في المنطقة والعالم بواقع سورية السياسي ؟ وما صلة الإرهابيين التكفيريين سوريي الجنسية بمستقبل سورية ؟.
ثانيا شهادة روزين بعدم وجود محاربين علمانيين في المعتقد او الممارسة العملية تقدم صورة عن الحصيلة التي يمثلها خليط من تنكبوا السلاح ضد الدولة الوطنية منذ بداية الحرب على سورية وهم في الواقع من المجرمين والمطلوبين والرعاع المتورطين في جرائم القتل والمخدرات ومحازبي تنظيم الأخوان المسلمين في سورية وهو حاضن التكفير والإرهاب ومولده والشريك الخفي في تكوين شبكة القاعدة منذ الثمانينات بعد “هجرة ” عناصر “الطليعة المقاتلة” من سورية آنذاك بعد فشلهم في تنفيذ المخطط الغربي الخليجي للرد على موقف سورية القومي من كمب ديفيد.
تبني الغرب لخطة دي ميستورا بات تغطية للتكيف مع حقيقة انهيار مشروع تدمير الدولة الوطنية السورية والنيل من الرئيس بشار الأسد فتجميد القتال المحكي عنه انطلاقا من حلب يصاحبه همس غربي محوره التسليم بسقوط شعارات التنحي بعد تقدم الخشية من ارتداد الإرهاب التفكيري نحو الغرب ويعتبر الانتقال إلى تحقيق تفاهمات محلية على وقف القتال آخر ما في جعبة الولايات المتحدة والغرب من مبادرات لكن هذا التصور ينقصه الاعتراف بأن نموذج المصالحات المحلية هو ملكية فكرية خالصة للرئيس الأسد وللشعب السوري انطلاقا من التعامل الواقعي مع الأحداث ومن توازن القوى الذي فرضه الجيش العربي السوري ونسبة هذه الصيغة لأفكار دي ميستورا او روزين هي سرقة موصوفة والوقائع التي عرضها كينير في مقال الفورين بوليسي لتشويه صورة تعامل الدولة في مناطق المصالحات مأخوذة من مصادر معادية لا تتصف بالنزاهة او الحياد بما في ذلك فرق الأمم المتحدة وهيومن رايتس التي عملت تحت إشراف منسق العدوان جيفري فيلتمان ومعاونه روبرت فورد.
يتضح من التقارير الصحافية ومن التصريحات أن الجدل حول اقتراحات دي ميستورا يقوم على هدف مركزي هو منع تحول أي خطة لتجميد القتال إلى انتصار للدولة السورية ويراهن البعض في واشنطن وبروكسل بمن في ذلك نير روزين نفسه على إمكانية الدفع من خلال صيغ تجميد القتال بنمط من اللامركزية الواقعية وبلورة هيئات محلية تقوم مقام هيئات الدولة الوطنية السورية وهذا يبدو نوعا من العبث الذي ينبغي التنبه له بكل حزم لأنه يمس الوحدة الوطنية والسيادة الوطنية لسورية .
ثالثا أمران يجري تغييبهما كليا عن مناقشات خطة تجميد القتال في حلب وما يزالان من غير أي إجابة منطقية وهما :
– الأمر الأول وهو انتشار وغلبة قوى التكفير والتطرف في الميدان مع تعاظم الحجم العسكري لداعش وجبهة النصرة على الأرض وكيفية الجمع بين تجميد القتال واستمرار المعركة ضد هذه القوى بينما الجماعات المسلحة الأخرى تعيش حالة انهيار وبعضها ينتقل إلى التجارة من تركيا كما أفاد المعارض المنشق و”رئيس التنسيقيات” السابق محمد رحال عن انتقال الزعيم “المعتدل ” جمال معروف الذي لمعه الغرب وراهن عليه طويلا وبالطبع لم نكتشف بعد من تجارة محمد رحال الجديدة شيئا سوى بحثه عن موقع منافس لمعاذ الخطيب في تركيبة الوفد المعارض المفاوض الذي تحضره روسيا لمبادرتها.
– الأمر الثاني وهو استمرار تدفق المسلحين والمال والمسلحين من الخارج وخصوصا من تركيا والأردن والكيان الصهيوني وأي مبادرة تحت عنوان التجميد ينبغي لها ان تقدم أولا خطوات عملية لتجميد هذا التدفق الذي يصب في تعزيز قدرات داعش والنصرة على الأرض .
اما الرهان البائس على لامركزية الأمر الواقع فتدحضه قوة الدولة الوطنية المركزية وحضورها المتجذر في نظام راسخ من التقديمات الاجتماعية والرعاية الطبية والتعليمية ظل يعمل في أسوأ الظروف وستكون عودته العاجلة إلى المناطق التي يتوقف فيها القتال هي الشكل الرئيسي لعودة الحياة وليس المعونات الإغاثية التي يراهن الغرب عبرها على تعويم بعض الرموز المحلية المرتبطة به فالشرط السيادي السوري يفرض حصرية المرور عبر مؤسسات الدولة وتجربة الناس مع هيئات ما سمي بالمعارضة هي نهب المعونات وعرضها في المتاجر .