السياسة المرتبكة لإسرائيل بشأن الغاز الطبيعي سايمون هندرسون
في 22 كانون الأول/ديسمبر، أعلنت “هيئة مكافحة الاحتكار” في إسرائيل أنها تنظر في إلغاء الاتفاق الذي يسمح لشركة «نوبل انرجي» التي مقرها في مدينة هيوستون الأمريكية و «مجموعة ديليك» الإسرائيلية بتطوير اثنين من أكبر اكتشافات حقول الغاز البحرية في البلاد، وهما «ليفياثان» و «تمار». ومن شأن هذه الخطوة أن تُبطل حلاً وسطاً تم التوصل إليه في وقت سابق، وبموجبه يمكن للشركتين تجنب وصمهما ككارتل اتحاد احتكاري للمنتجين، واحتفاظهما بالملكية مقابل بيع حوضين صغيرين هما «كريش» و «تنين ».
وتقع كافة الحقول البحرية خارج ساحل إسرائيل الشمالي، وأبعدها هو حقل «ليفياثان» – الذي يقع على بعد ثمانين ميلاً من الساحل – في مياه يبلغ عمقها عدة آلاف من الأقدام. ويحتوي حقل «تمار» على 10 تريليون قدم مكعب من الغاز، وقد اكتشف عام 2009 وبدأ تشغيله في العام الماضي. ويُستخدم الغاز الذي ينتجه حالياً لتوليد ما يقرب من نصف الطاقة الكهربائية في إسرائيل. أما حقل «ليفياثان» ويعني اسمه بشكل مناسب «الحوت» (يبلغ احتياطه 22 تريليون قدم مكعب) فقد تم اكتشافه في عام 2010، لكن إنتاجه لن يبدأ على الأقل قبل وقت متأخر من عام 2017. ويحوي الحقلان معاً ما يكفي من الغاز لتلبية احتياجات إسرائيل المحلية لعقود عدة، فضلاًعن توفيرهما فائض للتصدير.و قد أثار أحياناً موقع إسرائيل الجغرافي بعض الأسئلة حول ما إذا كان من المجدي من الناحية التجارية تصدير بعض الغاز الذي ستنتجه البلاد، على الرغم من أن شركة «نوبل انرجي» و «مجموعة ديليك» لم توافقا أبداً على هذه الفكرة.
ولن يتم اتخاذ قرار نهائي من قبل “مفوض مكافحة الاحتكار” ديفيد غيلو، إلا بعد عقد جلسة استماع، التي يرجح عقدها في الأسبوع القادم. إلا أن التأثير المباشر هوالتشكيك في الوقت الذي سيتم فيه تطوير حقل «ليفياثان»، إذا تم ذلك أصلاً. ويُقدر أن تكلفة المرحلة الأولى من المشروع، التي تشمل إنشاء نظم الإنتاج في قاع البحر ومد خط أنابيب إلى الشاطئ، ستصل إلى 6.5 مليار دولار. وتعمل كل من «نوبل» و «ديليك» على جمع الأموال. ومن الزبائن المحتملين لشراء الغاز الإسرائيلي يمكن الإشارة إلى محطة جديدة لتوليد الكهرباء في مدينة جنين في الضفة الغربية، وشركة الكهرباء الأردنية التي تملكها الدولة، ومنشأة للغاز الطبيعي المسال غير مستخدمة بالقدر الكافي، تقع على ساحل دلتا النيل في مصر وتملكها [شركة] اسبانية. وتؤيد الحكومة الأمريكية بقوة هذه الاتفاقات المحتملة، حيث تراها تجارية من الناحية المنطقية، فضلاً عن كونها تساعد على ضمان السلام الإقليمي. وإذا ما تم إلغاؤها، قد يكون تأثيرها كبيراً – على الأقل على الاقتصاد الأردني.
وإذا صدر قرار الحكم ضد «نوبل» و «ديليك»، وجاء ذلك بأنهما تعملان ككارتل اتحاد احتكاري للمنتجين، فيتعين بيع حقل «ليفياثان» على ما يبدو، بحيث يكون المالك الجديد مسؤولاً عن تمويل الحوض وتطويره وتأمين التوصل إلى اتفاقات جديدة مع العملاء المحتملين.
وحيث من المقرر إجراء الانتخابات المقبلة في إسرائيل في آذار/مارس، فسوف ينشط النقاش العام المتزايد المتعلق بالغاز الطبيعي بصورة أكثر. وقد تم بالفعل التطرق إلى الاستياء الكبير القائم حول الأرباح التي يمكن أن تعود في النهاية إلى «مجموعة ديليك»، التي يملكها الملياردير العصامي اسحق تشوفا، الذي يجسّد في شخصيته بعض حالات عدم المساواة في المجتمع الإسرائيلي. ولكن القضية المركزية هي الثمن الذي تدفعه “شركة الكهرباء الإسرائيلية” إلى اتحاد الشركات «نوبل»/«ديليك»” عن ثمن غاز «تمار». وليس هناك سعر للغاز في السوق العالمي. وتدفع “شركة الكهرباء الإسرائيلية” 5.5 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، التي هي أقل من 70 في المائة مما دفعه الاتحاد الأوروبي وأقل من نصف ما دفعته اليابان عن ثمن الغاز في تشرين الثاني/نوفمبر، لكنه أعلى بنسبة 25 في المائة من سعر “هنري هاب” في الولايات المتحدة للشهر نفسه. ومع ذلك، فمن الصعب رؤية كيف أن فرض بيع حقل «ليفياثان» نظرياً سيخفض السعر: إن قدر المجازفة الأكبر الذي سيتطلب من المستثمر الجديد سيؤدي على الأرجح إلى رفع التكاليف، ويغمر أي فائدة متواضعة من وجود منتِجَيْن بدلاً من منتج واحد.
والسؤال المهم هو فيما إذا كانت شركة «نوبل انرجي» سوف تقلل من التزامها بتطوير الغاز الإسرائيلي في هذه الظروف. لقد أعرب رئيسها التنفيذي المنتهية ولايته، تشارلز ديفيدسون، عن شعوره بالإحباط من النظام التنظيمي في إسرائيل، في مقابلة أجراها في أيلول/سبتمبر، حيث قال: “لا يسعني سوى التعبير عن تفاجُئي من عدم القدرة على اتخاذ قرار من جانب الحكومة وكبار القيادات التنظيمية في إسرائيل. إن ذلك غير معقول ويخلق جو من عدم اليقين المستمر”. وفي 23 كانون الأول/ديسمبر قال متحدث باسم «نوبل» إن القرار “سوف يؤثر على استمرار الاستثمار الذي تقوم به «نوبل إينرجي»”. و «نوبل» هي شركة النفط والغاز الأجنبية الكبرى الوحيدة العاملة في إسرائيل، وستبقى هناك، حتى بعد قيام الحكومة بتغيير الشروط الضريبية المتعلقة بشركات الطاقة. وفي ظل هذه الظروف، من الممكن أن لا يتم العثور بتاتاً على مشتر لحقل «ليفياثان». كما أن واقع العثور على مشتر سيشكل تحدياً إذا ما تم وضع حقل «تمار» للبيع، بدلاً من «ليفياثان».
وبغض النظر عن الإتجاه الذي ستسير فيه الأمور، لا يزال بالإمكان الطعن أمام المحاكم في القرار الصادر عن “مفوض مكافحة الاحتكار”. كما أن نائب المستشار القانوني للحكومة قد اقترح للتو اتباع نهج جديد لتنظيم قطاع الغاز الطبيعي، على الرغم من أنه من المرجح أن تكون النتيجة الفورية هي تشكيل لجنة لمناقشة هذه المسألة – إلا إذا تدخل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي يُنظر إليه بأنه يعتبر الغاز الذي تستخرجه إسرائيل ورقة جيوسياسية هامة. وفي 23 كانون الأول/ديسمبر، أمر رئيس المجلس الاقتصادي الوطني الأستاذ الجامعي يوجين كانديل، بإجراء تحقيق لمعرفة التداعيات المترتبة على الإجراءات التي اتخذها “مفوض مكافحة الاحتكار”. ولتجنب اتخاذ قرار قد يعيق السياسة الأمريكية في المستقبل، بغض النظر عن العطل المخطط لها في الولايات المتحدة، يجب على المسؤولين الأمريكيين أن يشيروا على وجه السرعة إلى نظرائهم الإسرائيليين، إلى العواقب السلبية المحتملة من تعريض الاتفاق للخطر.
سايمون هندرسون هو مدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن.