الصراع السياسي في تركيا: ربيع حاسم! محمد نور الدين
شهد الأسبوع الماضي «حفلة» من التصريحات المتناقضة لملف المسألة الكردية في تركيا، ليس فقط بين الحكومة وبين قادة «حزب العمال الكردستاني»، بل أيضاً بين قادة الحزب أنفسهم.
وإذ أدرج البعض ذلك ضمن لعبة توزيع الأدوار للضغط على الحكومة فإن الساحة الكردية ستشهد لعبة مثيرة من الصراع التكتيكي من الآن وحتى موعد الانتخابات النيابية المقبلة المرجّح أن تجري في حزيران من العام 2015.
القنبلة التي ألقاها عضو المجلس القيادي لـ «حزب العمال الكردستاني» مراد قره يلان كان لها وقع الصاعقة. ويقول إن الحزب سيعقد مؤتمره العام في نيسان المقبل، وإذا مضت ما اتفق على تسميتها بـ «عملية الحل» في طريقها فإن زعيم الحزب عبد الله أوجلان المعتقل في ايمرالي في تركيا سيشارك في المؤتمر.
لكن الحزب منزعج من تأخر رد الحكومة على المشروع الذي قدمه أوجلان إلى الحكومة قبل حوالي الشهر، ووافقت عليه قيادة جبل قنديل في الحزب. لذا يقول قره يلان إن تأخر رد الحكومة يثير الهواجس ومدعاة للشكوك في نياتها. ويقول إن «الحكومة تتحدث عن رغبتها في الحل عبر الصحافة، لكن حتى الآن لم تقل ما الذي تريده».
لذا يذكر قره يلان بما سبق أن مرت به العلاقة بين الحكومة والأكراد عشية انتخابات العام 2011. إذ يقول إن الرئيس رجب طيب «أردوغان وعد حينها بحل المشكلة بعد الانتخابات، لكن الانتخابات انتهت ولم يبادر إلى أي خطوة، وها قد مرّت أربع سنوات كاملة»، لذا يُطلق قره يلان تحذيره الأقوى من أنه «إذا استمر العدالة والتنمية بسياسة المماطلة والمناورة، ولم نصل إلى حل في الأسابيع المقبلة فإن هذا يعني أنه يأخذ تركيا إلى الحرب، وهذا لا نريده بينما حزب العدالة والتنمية يريده».
ويقول قره يلان إن أوجلان يعد أنه إذا توصلت عملية الحل إلى مبتغاها فإنه سيعلن عن وقف العمل المسلح ضد الدولة التركية. وفي المؤتمر، الذي سيعقده «الكردستاني» في 15 نيسان المقبل، ستتم مناقشة مستقبل القوى المسلحة التابعة للحزب، فإما أن تتحوّل إلى قوة سياسية أو أن تنتقل إلى مكان آخر لمتابعة النضال، لكن ليس هناك من ترك للسلاح.
غير أن قره يلان يقول إنه إذا لم تصل عملية الحل إلى نهايتها فإن الحزب سيبدأ الحرب قبل حلول موعد الانتخابات النيابية.
ويحدد رئيس المجلس القيادي في «الكردستاني» جميل باييك الموعد النهائي للحل، وهو آذار المقبل، بحيث إنه يجب أن تتضح خلال هذا الشهر مسألة ما إذا كانت عملية الحل ستنتهي إلى نتائج، فإذا كان من نتائج فسوف تستكمل عملية الحل وإلا فإن هذا المشروع من جانب أوجلان سيكون الأخير، ومن بعده لن يكون هناك أي طرح كردي جديد.
ويعترف باييك بأن عملية الحل تسير من جانب واحد، وهو الجانب الكردي، وهذا لا يمكن أن يستمر على هذا النحو. وقال إن مسألة ترك السلاح غير واردة على الإطلاق، إذ ليس هناك من حل لأي مشكلة لكي نترك السلاح، فضلاً عن ذلك هناك الهجمات المستمرة لتنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ــ «داعش» على الشعب الكردي.
من تصريحات ومواقف الجانب الكردي فإن الفترة الفاصلة حتى نهاية ربيع العام 2015 يفترض أن تكون حاسمة، بل يجب أن يتضح مسار الحل قبل انعقاد مؤتمر الحزب منتصف نيسان ليبنى على الشيء مقتضاه.
وفي هذا السياق، فإن الوقت ضيق جداً للقيام بخطوات محددة من جانب الحكومة في مسألة تضرب بجذورها في التاريخ وتحيط بها تعقيدات وأبعاد إقليمية ودولية، فضلاً عن أن أي حل يحتاج إلى تهيئة للرأي العام التركي، كما المعارض، لعملية الحل، وكذلك من يفترض أن يؤيدها من قواعد «حزب العدالة والتنمية» في حال اتخاذ مثل هذا القرار في الحل.
وهذا يحيل على موعد حساس آخر، بل هو أهم من موعد انعقاد مؤتمر «الكردستاني»، أي موعد إجراء الانتخابات النيابية نهاية الربيع المقبل، حيث ستكون هذه الانتخابات ساحة شرسة لاختبار موازين القوى بين الأكراد من جهة و «العدالة والتنمية» من جهة أخرى. وفي ضوء النتائج ستترتب أمور كثيرة.
الهدف المركزي لـ«حزب العدالة والتنمية» هو أن يخرج منتصراً من الانتخابات، وبغالبية تلامس الثلثين، لكي يستطيع إعداد دستور جديد أو تعديل الدستور الحالي، بما يتناسب مع خطط اردوغان في نظام رئاسي، داخل البرلمان وليس في استفتاء شعبي. فإذا فشل في الحصول على الثلثين سيكون عليه أن يحصل على 330 صوتاً في البرلمان الضرورية لتحويل مشروع الدستور إلى استفتاء شعبي. وعدا ذلك فسيكون محكوماً بالتوافق مع أحزاب أخرى في البرلمان، ما يقيد حركته السياسية.
ومن أجل الحصول على نتائج جيدة لن يغامر «حزب العدالة والتنمية» في الدخول في اتفاق حل للمشكلة الكردية، لأنه سيفقد حتماً جانباً من الأصوات القومية في قواعده، كما فضلاً عن أصوات سنية. إذ أن حصول حل للمشكلة الكردية سيعتبر في جانب منه انتصاراً للقوى الكردية العلوية التي تشكل عصباً أساسياً داخل «الكردستاني»، أي أنه سيكون على «العدالة والتنمية» أولاً الحفاظ على قاعدته القومية وثانياً على قاعدته السنية، ومن ثم الانتقال إلى اقتطاع أجزاء من قواعد «حزب الحركة القومية» ليحصل على عدد كبير من المقاعد النيابية. وهذا يفترض أولاً وأخيراً عدم المجازفة في التوصل إلى حل للمشكلة الكردية قبل الانتخابات حتى إذا خرج منتصراً بقوة من الانتخابات يستطيع أن يفاوض أوجلان من موقع أقوى.
لكن حسابات «العدالة والتنمية» قد تنقلب رأساً على عقب، وتتحول الانتخابات النيابة المقبلة إلى كارثة بالنسبة إليه.
إذ يعمل الأكراد بحسابات مختلفة وهي أن يدخلوا إلى الانتخابات النيابية هذه المرة على أساس حزبي، وليس كمرشحين مستقلين. وكانوا يدخلون كمستقلين لأنهم كحزب يتوجب أن ينالوا نسبة عشرة في المئة على مستوى تركيا، وهذا لم يكن ممكناً فكانوا يبقون خارج البرلمان نهائياً.
غير أن نتائج انتخابات رئاسة الجمهورية في آب الماضي أظهرت أن مرشح الأكراد صلاح الدين ديميرطاش نال أقل من عشرة في المئة بقليل. واستطلاعات الرأي تعطي الحزب الكردي الذي سيدخل الانتخابات النيابية حوالي 11 في المئة. فإذا غامر الأكراد ودخلوا الانتخابات كحزب لا كمستقلين، وحصلت المفاجأة وتخطى حاجز العشرة في المئة فإنه سيقلب الطاولة في الداخل كما التوازنات. إذ في حال حصول ذلك مع محافظة الأحزاب الأخرى على حجمها الحالي، وليس أن تتراجع، فإن «العدالة والتنمية» سيكون أمام تراجع كبير في عدد نوابه، حتى لا نقول إن محافظته على الغالبية المطلقة، أي النصف زائداً واحداً في البرلمان ستكون في دائرة التهديد. بل إذا نال الأكراد عشرة في المئة، وتقدّمت أصوات حزبي «الشعب الجمهوري» و «الحركة القومية»، ولو بعض الشيء، فسنكون أمام انقلاب سياسي يجعل السلطة ائتلافاً بين أحزاب، وسيفقد «العدالة والتنمية» تفرده بالسلطة.
ولعل ما يُخيف «حزب العدالة والتنمية» أكثر من أي شيء آخر هو أن يرى قبل الانتخابات منظر جنازات للجنود الأتراك على شاشات التلفزة، من جراء صدامات عسكرية مع «الكردستاني». وهو ما سيحمل الحكومة مسؤولية فشل عملية الحل، ودفع النتائج في صناديق الاقتراع.
ولا شك في أنها أشهر حاسمة على صعيد الصراع السياسي في تركيا، خصوصاً أن الانتخابات المقبلة سترسم صورة تركيا في السنوات الأربع التي ستلي، والتي لن تشهد أي انتخابات أخرى نيابية أو بلدية أو رئاسية قبل العام 2019.
(السفير)