التصفيات في «داعش»… لماذا؟ عامر نعيم الياس
بدأت حرب التصفيات في «داعش». مصادر إعلامية متقاطعة تحدّثت عن الأمر، بدايةً بصحيفَتَيْ «ليبيراسيون» و«لوفيغارو» الفرنسيتين، اللتين تحدّثتا عن الأمر بتقارير خاصة. إذ عنونت «ليبيراسيون»: «داعش يبحث عن الطابور الخامس»، متحدثةً عن انتشار كثيف لعناصر ما يسمى «الشرطة العسكرية الإسلامية» باللباس الأسود في شوارع مدينة الرقة السورية، وتنفيذ إعدامات في صفوف بعض العناصر الأجانب في التنظيم. الأمر ذاته انسحب على «لوفيغارو» في تقرير للصحافي جورج مالبرونو بعنوان «بسبب الهذيان: داعش يطهّر صفوف الجهاديين». جاء فيه أنه «للمرّة الأولى، يظهر عدد من الجهاديين الأجانب الذين يريدون الهروب من القتال في صفوف داعش، مئة منهم صُفّوا أثناء محاولتهم مغادرة الرقة عاصمة الخلافة في شرق سورية». الأمر لا يقف عند الرقة فقد شهدت مدينة بوكمال، الواقعة في ريف دير الزور الجنوبي الشرقي قرب الحدود العراقية، اشتباكات بين جماعتين من عناصر التنظيم. ووفقاً لـ«ناشطين معارضين للدولة السورية»: «شهدت منطقة الصناعة تبادل إطلاق نار بين عناصر داعش بسبب خلاف بين صدام الجمل، وأبو عبد الله الكويتي عراقي الجنسية على المراكز القيادية». وكان «المرصد السوري المعارض» قد نقل نهاية الأسبوع المنصرم عمّا أسماه «مصادر موثوقة» تأكيدها أن «والي داعش السابق في دير الزور عامر الرفدان الذي قاد الانقلاب على النصرة في ريف دير الزور، طالب قيادات التنظيم بإعادة تعيينه في منصبه السابق». المصادر قالت إن «الرفدان استند في مطالبه إلى أحقيته بالمنصب، لأنه من أبناء دير الزور، فيما الوالي الجديد من العراق».
وقد عزت كافة الروايات التصفيات التي تتم في صفوف «داعش» إلى «سلسلة الهزائم» التي مني بها في العراق وسورية على يد قوات التحالف التي نشرت قيادتها بالتزامن مع هذه الأنباء خبراً عن قتلى «داعش» منذ بدء غارات التحالف على سورية والذي بلغ «ألف قتيل» منذ ثلاثة أشهر حتى اللحظة، مسقطةً من حساباتها ما جرى في مطار دير الزور العسكري على يد الجيش السوري، ومحاولةً إعطاء دفعة معنوية للتحالف من جهة، ومن جهة أخرى الحصول على دعم الرأي العام العالمي المنقسم حول جدوى الحرب الحالية على التنظيم. فضلاً عن تعزيز استراتيجية الإدارة الأميركية الحالية في الحرب على «داعش» والتي أصبحت محور الجدل الأساس في أوساط النخب الأميركية، فهل هذه هي الحقيقة؟ وهل حرب التصفيات في صفوف التنظيم هي بين المهاجرين أي العناصر الأجانب، والسوريين أو ما يسمى عبر المصطلح الجهادي بالأنصار؟
يركز الإعلام الغربي والمنابر المرتبطة به على نجاح الحرب الأميركية على «داعش»، ويعزو ما يجري في صفوف التنظيم من خلافات إليها، لكن الواقع يبدو بعيداً عن ذلك، فالحرب على الأرض يخوضها الجيش السوري وحلفاؤه، وهم من يواجهون التنظيم في مختلف نقاط الاشتباك، والفشل الذي مني به «داعش» في دير الزور خير مثال، فيما لا يزال التنظيم يتقدّم في العراق على رغم تركيز تحالف أوباما على العمليات فيه أكثر من سورية. وعليه فإن ما يجري من صراعات داخل التنظيم يحمل في طيّاته بذور انشقاق داخله مردها إلى عامل أهم وجوهري يطبع بنية هذه التنظيمات التي لم يكن لها لتتأسس لولا الدعم الاستخباري الغربي والرعاية الأميركية غير المباشرة أو المباشرة في بعض الأحيان. تلك الرعاية التي سمحت باختراق هذه الأنواع من التنظيمات وتوجيهها بما يخدم الخط العام للاستراتيجية الأميركية في المنطقة سواء في أفغانستان بداية الثمانينات، أو في سورية والعراق حالياً. ومع مرور الوقت والدعاية المنظمة التي تبرز «قوتها» تتوسع هذه التنظيمات وتتضخم على مستوى القاعدة وتجنّد مقاتليها على أساس «العداء المطلق للغرب وتكفيره»، ومع توسعها تبدأ الصراعات الداخلية والانشقاقات بالطفو على السطح، وذلك لاختلاف العقيدة القتالية بين المرتزقة العملاء للأجهزة الاستخبارية العالمية، وأولئك الذين انضموا إلى التنظيم مقتنعين «بالحرب المقدسة»، وهذا أمر يفرز تغييراً على مستوى القمة يظهر بحرب تصفيات بين أقطاب التنظيم الواحد. هذا ما حصل ويحصل الآن بين جناحي «طالبان» في باكستان وأفغانستان، وما يجري اليوم في صفوف «داعش» الذي تجاوز الخطوط الحمراء الأميركية في المنطقة، ما استدعى تدخلاً عسكرياً مباشراً لرسم حدود توسعه في المنطقة بعيداً عن حلفاء الإدارة الأميركية من الأكراد إلى الدول العربية المنضوية في الحرب الأميركية الجديدة على ما يُسمّى الإرهاب.
(البناء)