مقالات مختارة

المال والفساد في انتخابات الكيان د . فايز رشيد

 

المدقق في انتخابات الكيان الصهيوني يلحظ وبلا أدنى شك الشعارات الكبيرة التي يرفعها أغلب المرشحين، فهي تتحدث في معظمها عن العدل والمساواة بين الشرائح الاجتماعية في الكيان، كما أنها تخاطب الفقراء وتدّعي الدفاع عن مصالحهم وغير ذلك من الشعارات الرنّانة . لا يلبث هؤلاء المرشحون بعد نجاحهم، أن يتنكروا لكل شعاراتهم السابقة، فهم خاضعون لمن يطلقون عليهم في دولة الكيان “أباطرة وحيتان الانتخابات”، وهم الرأسماليون الذين يغدقون على بعض المرشحين أموالهم، مقابل تنفيذهم الحرفي ما يطلبونه منهم .

من الأمثلة البارزة على صحة ما نقول، تسيبي ليفني رئيسة حزب “كاديما” وتحولاتها السياسية ويائير ليبيد زعيم حزب “يوجد مستقبل” وغيرهما كثيرون . لقد كتبت صحيفة “هآرتس” الصهيونية (الجمعة 19 ديسمبر/كانون الأول الحالي) في مقالة لها عن الانتخابات الحالية ومن جملة ما ورد فيها أن يائير ليبيد توجه إلى أساطين المال من الحيتان في الكيان وحاول إقناعهم بعدم تمويل الحملة الانتخابية لموشيه كحلون المنشق عن الليكود، والذي أسس حزباً جديداً تحت اسم “كولانو” (أي: كلنا) . ليبيد يخشى من تأثير دخول كحلون وقائمته الانتخابية في نجاح قائمة حزبه “يوجد مستقبل”! لذا دعاه إلى الدخول في قائمة واحدة، ورفض كحلون .

للعلم، ليبيد وفقاً لمقالة “هآرتس” حظي بدعم حوالي 80 من الحيتان في الانتخابات السابقة . لقد كشفت الصحيفة، أن كحلون يترأس جمعية اجتماعية – اقتصادية لمساعدة الفقرا ، لكنه يتقاضى راتباً شهرياً مقداره 12 ألف دولار! أي ما يزيد على راتب عضو كنيست . الصحيفة أيضاً تقول بما معناه: إن ليبيد قد “فقد صلاحيته للاستعمال” من قبل الحيتان، ولهذا يريدون وجهاً جديداً . . وكحلون هو هذا الوجه . معروف أن الأحزاب في الكيان تتلقى دعماً من الدولة، وفقاً لأحجامها في الكنيست في دورته السابقة، لكن هذا الدعم لا يكفي ولا يغطي سوى نسبة قليلة من الاحتياجات الإنتخابية، لذا فإن الأحزاب تلجأ إلى الحيتان، والأخيرون لهم مطالبهم من المتبرع لهم، وبالتالي فلا بد للناجحين من تلبية المطالب (التي تعود بمردودات على المتبرعين ) حتى لو كانت معاكسة لقناعات المرشحين . من ملفات الحكومات السابقة، التي جرت فيها اتهامات مالية وثبوت رشى لمسؤولين حكوميين: أرييل شارون ونجلاه، أولمرت وعلاقته برجل الأعمال الأمريكي اليهودي موشيه تالانسكي وقد استمرت الرشى من عام 1995 حتى ،2005 عيزر وايزمان، موشيه كتساف وغيرهم . لقد انشغلت دولة الكيان بقضية الفساد الموجهة إلى الثري اليهودي الروسي (مواطن “إسرائيلي”) أركادي غايدميك المتهم بعلاقاته الواسعة مع المافيا الروسية، والمطلوب من عدة دول أوروبية من بينها فرنسا، والغريب أن استطلاعات الرأي تعطيه 10 مقاعد كنيست، فيما لو شكّل حزباً ودخل الانتخابات على رأس قائمة . هذه هي دولة الكيان .

الفساد يطال حتى الحاخامات . . فقد كشفت صحيفة “هآرتس” ذاتها (الخميس 16 يناير/كانون الثاني 2014) فضيحة فساد كبرى، تورط فيها الحاخام الأكبر للاشكناز (اليهود الغربيون) وهو يوشياهو بينتو وزوجته، وقادة كبار من الشرطة وأجهزة الأمن “الإسرائيلية” فقد كان الحاخام يرشيهم لتنفيذ ما يطلبه منهم . في السياق ذاته فإن صحيفة “يديعوت أحرونوت” نشرت في 20 يناير/كانون الثاني 2014: “إن كثيرين من رجال الدين والحاخامات متورطون بسرقة أموال عامة، وأموال تبرعات من اليهود في مختلف أنحاء العالم للدولة” . صحيفة “معاريف” أدلت بدلوها أيضاً وكشفت أن الشرطة التابعة لوزارة العدل في دولة الكيان، تحقق في تهمة موجهة للجنرال منشيه أرييف وهو (للعلم) قائد “وحدة الشرطة المركزية لمكافحة الفساد والجريمة” المعروفة بالاسم المختصر “لاهيف433” . هذا غيض من فيض مما يجري في دولة الكيان .

الكيان هو الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة . والأخيرة وفقاً لمصادر بحثية أمريكية وغربية وشرقية وعربية لا تحكم من قبل رؤسائها المنتخبين، وإنما من قبل قادة “المجمع الصناعي المالي” الأمريكي، وأورد اختصاراً، ما قاله الرئيس الأسبق دوايت أيزنهاور في خطابه الوداعي إلى الأمريكيين (كان ذلك مساء يوم 17 يناير/كانون الثاني عام 1961) حيث يقول وبالحرف: “عليّ أن أقول صراحة: إن هناك مجموعة صناعية عسكرية، مالية، سياسية، فكرية تمارس نفوذاً غير مسبوق في التجربة الأمريكية، ومع أننا نتفهم الظروف التي أدت لنشأة هذه المجموعة، فإننا نحذر من استمرار تأثيرها المعنوي والسياسي والعملي على القرار الأمريكي، لأن ذلك يشكل خطراً علينا وعلى غيرنا، وعلى حريتنا وممارستنا الديمقراطية، وحجب الحقائق عن المواطنين، وسوف يؤدي إلى الخلط ما بين أمن الشعب الأمريكي وحرياته وبين أهداف أصحاب هذا المجمع ومصالحهم” .

الكيان يسير على هدي أسياده، فأباطرة المال من الحيتان فيه، هم المتحكمون فعلياً في الشؤون السياسية والاقتصادية وغيرها من سياساته . ومع كل ذلك يتغنى الغرب ب “ديمقراطية إسرائيل” . ما نسأله لكل المعترفين بهذه “الديمقراطية” من العرب وبضمنهم فلسطينيون (وقد صادفتني مثل هذه القضايا أثناء إعداد مؤلفي الذي حمل عنوان “زيف ديمقراطية “إسرائيل””)، نسأل هل تستقيم الديمقراطية مع العنصرية، مع الجرائم والمذابح ومصادرة الأراضي واقتلاع شعب من وطنه وتهجيره؟ هل تستقيم الديمقراطية واضطهاد من تسميهم “إسرائيل” “مواطني دولتها” من الفلسطينيين العرب؟ واضطهاد حتى “الفلاشا والشرقيين” من اليهود؟

إن سلطة تمارس كل هذه الجرائم لا يمكن أن تكون نزيهة . الحكومات الصهيونية هي حكومات إجرامية وهي حكومات ينخرها الفساد والمال السياسي . الانتخابات في دولة الكيان هي لعبة (مسرحية) تبدو من الخارج “ديمقراطية”، لكنها في جوهرها شكل مزيف من “الديمقراطية البرّاقة” . هي “ديمقراطية السراب” الذي يحسبه الظامئ السائر في الصحراء، ماء فإن أتاه يجده رملاً . حقيقة الأمر أن من يعترف ب “ديمقراطية” الكيان عليه أن يتعمق في قراءاته للواقع في هذه الدولة، على حقيقته، وبعدها فليقرر ما يشاء . الحقيقة أن لا ديمقراطية حقيقية في الكيان .

(الخليج)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى