القلمون: «داعش» يكفّر «النصرة»! عبد الله سليمان علي
الفتنة «الجهادية» وصلت إلى القلمون، وأول الغيث فتوى من الشرعي الجديد لتنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام»-»داعش» تقضي بتكفير «جبهة النصرة» واتهامها بالردة والخيانة.
وفيما تتواصل المساعي لاحتواء تداعيات الاشتباكات الأخيرة، وما أسفر عنها من اعتقال بعض قادة «الجيش الحر»، لا تخفي أوساط الفصائل المسلحة خشيتها من أن يكون ما جرى حتى الآن مجرد تمرين، قياساً لما يمكن أن يصيب المنطقة في حال فشل الأطراف بإطفاء نار الفتنة.
ولا تقتصر مساعي الإطفاء على القلمون فقط، ففي درعا أيضاً هناك مبادرة لإنهاء الصراع بين «جبهة النصرة» و»لواء شهداء اليرموك»، المتَّهم بمبايعة «داعش»، التي يبدو أنها تتعثر كسابقاتها من المبادرات الأخرى.
ولم يكن مفاجئاً مضمون التسجيل الصوتي الذي جرى تسريبه خلال الأيام الماضية لأبي الوليد المقدسي، «الشرعي» الجديد لـ»الدولة الإسلامية»، لكنه جاء تأكيداً على أن «الفتنة الجهادية» قد قدحت أولى شراراتها في القلمون، ولا أحد يعرف متى ستندلع نارها ومن سيكون أول ضحايا الاحتراق بها.
فقد أفتى المقدسي، رداً على سؤال ورده من بعض «الإخوان في القلمون» ما يشير إلى أن التسجيل الصوتي حديث، بأن «جبهة النصرة كافرة ونقاتلها على ذلك».
ولا يقلل من أهمية هذه الفتوى تمييز المقدسي بين كفر الطائفة وبين كفر الأفراد، بقوله «إننا بتكفيرها لا نكفر كل أفرادها»، لأن المؤدى واحد، وهو التكفير ما لم يعلن الأفراد توبتهم، وبالتالي جواز قتالهم وقتلهم قبل إعلان التوبة.
وانطلق المقدسي في تكفير «جبهة النصرة» من نفس الأسباب التي وردت كثيراً في أدبيات التنظيم، وأهمها التحالف مع المجالس العسكرية «العلمانية» التابعة الى «الجيش الحر»، سواء في دير الزور أو الرقة. ومن شأن ذلك أن يلقي الضوء على حقيقة موقف «الدولة الإسلامية» من تحالف «جبهة النصرة في القلمون» مع فصائل «الجيش الحر»، وتأثير ذلك على مستقبل العلاقة بين الطرفين، خصوصاً في ظل الاشتباكات الدائرة في القلمون الشرقي وريف حمص الجنوبي ضد «داعش» والتي تشترك فيها «جبهة النصرة» مع فصائل من «الحر»، أبرزها «أسود الشرقية» التي تتكون من مسلحين سبق لهم قتال «داعش» في دير الزور واضطروا إلى الانسحاب بعد هزيمتهم.
وما يعزز من ذلك، تأكيد المقدسي، في التسجيل المسرب، أن «جميع البيعات التي حصلت عليها جبهة النصرة باطلة، لأن ما بني على باطل فهو باطل»، وهو انتقاد لاذع لـ»جبهة النصرة» من جهة، لكنه من جهة أخرى يحمل تحذيراً مبطناً إلى باقي الفصائل من مغبة التورط في مبايعتها. كذلك انتقد المقدسي مشروع «النصرة» الذي «يقتصر على النكاية في الأعداء، ولا يتضمن مشروع تمكين، الأمر الذي يتيح للعلمانيين قطف ثمرة الجهاد ودماء المجاهدين»، وهو ما دفعه إلى الانشقاق عنها والانضمام إلى «الدولة الإسلامية مشروع التمكين الحقيقي» بحسب قوله.
في المقابل، وجه القيادي في «جبهة النصرة» أبو ماريا القحطاني رسالة لافتة إلى «مجاهدي القلمون» طالبهم فيها بقتال من أسماهم «مارقة العصر»، قاصداً أتباع «الدولة الإسلامية» غامزاً من قناة أبي مالك التلي عندما قال «ولقد نصحنا وحذرناكم مراراً من مارقة العصر إن تمكنوا سيكشروا عن أنيابهم ويظهروا خبثهم فلا تتعاملوا معهم بعاطفة»، ليخاطبه مباشرة بقوله «كما أنصح الشيخ أبي مالك كما استخدمت سيف علي مع الرافضة فهو نفسه من قاتل الخوارج».
وفي خطوة تضفي المزيد من الغموض على سبب الاشتباكات التي حدثت الأسبوع الماضي بين «الدولة الإسلامية» من جهة وبعض فصائل «الجيش الحر» من جهة ثانية، وتركزت في وادي ميرة في جرد بلدة قارة بريف دمشق، أعلن نشطاء مقربون من «داعش» أن الأخير أخلى سبيل بعض قادة الكتائب المعتقلين لديه، وعلى رأسهم قائد «لواء المغاوير» عرابة إدريس وقائد «كتيبة اسود الحق» أبو الحسن الجولاني، فيما بقي مصير كل من قائد «شهداء القصير» وقائد «كتيبة المقنع» مجهولاً.
وعن سبب الاعتقال اكتفى النشطاء بالقول إنه يعود لاعتبارات أمنية محضة، مشيرين إلى وجود مساعٍ من عدة أطراف لاحتواء الأزمة والتخفيف من تداعياتها قدر الإمكان.
وعلمت «السفير» من مصدر متابع أن «الدولة الإسلامية» لم يقرر إخلاء سبيل القيادييْن في «الجيش الحر» إلا بعد تعهدهما خطياً بعدم الاشتراك في قتاله بأي وقت، كما أنه احتفظ بكل الأسلحة الثقيلة التي صادرها من معاقل الكتائب في وادي ميرة، ولم يسمح للمفرج عنهما إلا بحمل أسلحة فردية خفيفة. وأبدى المصدر استغرابه من اعتقال أبو الحسن الجولاني لأنه معروف بقربه من «داعش»، وسبق له الدفاع عنه في تصريحات كثيرة، مقابل تهجمه على قائد «جيش الإسلام» زهران علوش الذي يقود حالياً المعارك ضد «داعش» في القلمون الشرقي. ولفت إلى أنها قد تكون محاولة من التنظيم لتعويم الجولاني وزرعه في صفوف الفصائل المسلحة، ريثما يحين موعد استثماره.
من جهة أخرى، طرحت «حركة المثنى الإسلامية» في درعا مبادرة لحل الخلاف بين «جبهة النصرة» و»لواء شهداء اليرموك» بعد أسبوع من الاقتتال بينهما، وفشل عدة مبادرات لوقفه. وتضمنت المبادرة تشكيل لجنة من «حركة المثنى» و»لواء الحبيب محمد» و»غرفة الشام» مهمتها استلام الأسرى من الطرفين واستلام المطلوبين إلى «المحكمة»، وتشكيل لجنة شرعية من «دار العدل» للتحقيق بين الطرفين، على أن تضع اللجنة المختصة حواجز فصل بين الطرفين في منطقة العلان التي شهدت أعنف الاشتباكات بينهما.
غير أن هذه المبادرة تعرضت بعد ساعات من طرحها إلى عدة خروقات، حيث تجددت الاشتباكات بين الطرفين في أكثر من مكان من ريف درعا الغربي، ولا سيما في قريتي نافعة وعين ذكر، الأمر الذي قد يجعلها تنضم إلى قائمة المبادرات السابقة التي فشلت في حل الخلاف.
وبرزت في وقت متأخر من مساء أمس عدة مؤشرات على احتمال حدوث تصعيد غير مسبوق بين الطرفين، لا سيما بعد الإعلان عن تشكيل غرفة عمليات مشتركة لمواجهة الخطر الذي يمثله «لواء شهداء اليرموك»، وأبرز الفصائل المشاركة فيها هي «أحرار الشام» و»لواء المهاجرين والأنصار» و»جبهة النصرة» التي استدعت، بحسب مصادر إعلامية، جميع «الاستشهاديين» و»الانغماسيين» تحسباً لحدوث أي طارئ، ما يعني أن المواجهات بين الطرفين مقبلة على فصول أكثر عنفاً ودموية، خاصة بعد إعلان مجموعة جديدة بيعتها إلى زعيم «داعش» أبو بكر البغدادي، أطلقت على نفسها اسم «سرايا الخلافة في حوران».
(السفير)