السعودية والنفط: الخيار الأخير والأخطر في المواجهة عامر نعيم الياس
لم تستنفد السعودية أسلحتها كافة في المواجهة الكونية التي شكّلت سورية القشة فيها، لكنّها استنفدت صلاحية خيارات يعاد استجرارها حتى اللحظة في مشهد دموي ووحشي لا يساعد في الدفع بأوراق المملكة التفاوضية إقليمياً إلى الأمام، بل يساهم في أفضل الأحوال في تثبيت خطوط التماس في منطقة واستنزافها في منطقة أخرى. وسط تقدّم الخصم الرئيس للملكة إقليمياً، وهو إيران على جزء من مساحة الإقليم كاليمن على سبيل المثال لا الحصر، من دون أن نغفل ملف العلاقات الأميركية ـ الإيرانية في ضوء المفاوضات حول النوويّ.
في ضوء إدراك المملكة إفلاس خياراتها، لجأت إلى السلاح الأقوى والأكثر فعالية في إدارة اللعبة الدولية، النفط. ذلك السلاح الذي استخدمته عام 1973 في الاتجاه المعاكس أي رفع أسعار النفط، وهو ما أدّى إلى شطب الملك فيصل عن المشهد بأيدي عائلة آل سعود. واليوم يتّهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين السعودية والولايات المتّحدة بالوقوف وراء ما يجري من خفضٍ غير متوقع لأسعار النفط وتجاوز سعر البرميل عتبة الستين دولار انخفاضاً، فهل تستطيع السعودية الاستمرار في هذه المواجهة الشرسة؟
مما لا شك فيه أن السعودية دخلت وبقوّة على خط خفض أسعار النفط عبر منع مسؤولي «أوبك» من خفض الإنتاج لتحسين الأسعار في الاجتماع الذي عقدته المنظمة في 27 تشرين الثاني الماضي، وهو أمر أضرّ بشكل مباشر بروسيا، إذ انخفضت قيمة الروبل أمام اليورو والدولار بمقدار 70 في المئة، واندفع البنك المركزي الروسي إلى رفع معدلات الفائدة بنسبة 17 في المئة، فيما انخفضت قيمة العملة الإيرانية بمقدار 7 في المئة.
يلاحَظ هنا أن الحملة الإعلامية المنسّقة حول انخفاض أسعار النفط حاولت توجيه الأمر باعتباره سلبياً فقط على موسكو وإيران وحلفائهما، من دون الإشارة إلى الدول الأخرى النفطية المنضوية في المعسكر الأميركي، وفي مقدّمها دول الخليج العربي. فهل تستطيع السعودية ومن ورائها بعض دول مجلس التعاون الخليجي الصمود في هذه اللعبة الخطرة؟
التقط الرئيس الروسي خلال مؤتمره الصحافي السنوي الأمر ببراعة كالمعتاد، وبالتوازي مع عدم إنكاره الآثار السلبية لخفض سعر برميل النفط بحوالى 45 في المئة عن سعره الرائج خلال السنتين الماضيتين، فإن القيصر اعتمد على توجيه تحذير مبطن للولايات المتحدة والسعودية عبر تأكيده أن الاقتصاد الروسي يمكنه استعادة عافيته كاملة وتعويض الخسائر التي ألمّت به في غضون سنتين. معترفاً بأن العقوبات نتيجة طبيعية لمحاولة روسيا استعادة مكانتها الدولية.
وبهذا المعنى نحن أمام المشهد التالي: فمن جهة، هناك السعودية وواشنطن ـ المستهلك الأكبر للنفط في العالم ـ تحاولان تفعيل سلاح الطاقة في مواجهة روسيا وإيران ونهضتهما المبنية أساساً على النفط والغاز، والفائض في الموازنة الذي يسمح للدولتين بهامش مناورة دولي وإقليمي، وهنا يفترض أن ترضخ هاتان الدولتان للحرب السعودية الأميركية عليهما وتخففان من عنادهما الذي يظهر واضحاً في سورية، لكن الرئيس الروسي أجاب عن الجميع برفعه مستوى الرهان وحديثه عن فترة سنتين لنهوض الاقتصاد الروسي. فهل تستطيع الرياض خوض معركة طويلة المدى تتجاوز السنتين؟
من جهة أخرى، فإن خفض أسعار النفط يصيب الدول النفطية بضغوط لا تستطيع تحمّلها في المدى المنظور لا الطويل. فهل يعقل أن تتأثر إيران وتنهار مع بقاء الكويت وغيرها من إمارات النفط صامدة؟ وماذا عن النفط الصخري في الولايات المتّحدة والشركات المستثمرة فيه، هل ستواكب توجّه البيت الأبيض وآل سعود إلى ما لا نهاية، ذلك التوجّه الذي أعاد نغمة عدم الجدوى الاقتصادية لاستخراج النفط الصخري إلى الواجهة؟
إن خطر الانهيار الشامل في اقتصادات تعتمد كلّياً على النفط ولا تستطيع تصنيع إبرة أكبر منه احتمالاً في الاقتصادات التي تصنع مركبات فضائية. فهل تتراجع المملكة الهرمة عن تفعيل لعنة النفط، أم أنّ الأمر بحاجة إلى تغيير شامل في رأس الهرم؟
(البناء)