سورية والتحرك الروسي الإيراني
غالب قنديل
على امتداد السنوات الأربع للعدوان الاستعماري على سورية قوبل الموقفان الروسي والإيراني من الوضع السوري بالتشكيك الهادف إلى هز المعنويات وإذا كان التلاحم الإيراني مع سورية قد اتخذ تعبيرات قوية وحاسمة مع تقدم المقاومة السورية للعدوان إلا أنه كلما تحركت الدبلوماسية الروسية حول الملف السوري خرجت تكهنات وتحليلات عن فحواها وعن مضمون ما يحمله المسؤولون الروس إلى دمشق وما يمكن ان يطلبونه من تنازلات وفي ظنون البعض دوما ان موسكو تضغط او تبدل من ثوابتها ومواقفها المبدئية ويمكن القول اننا اليوم امام ذروة الاختبار الذي يقود إلى الاستنتاج أن روسيا تتصرف كحليف استراتيجي للدولة الوطنية السورية وهي تستثمر نتائج معادلات القوة التي صنعها صمود الشعب والجيش والقيادة في وجه الحملة الاستعمارية بجميع اطرافها ومستوياتها .
أولا المواقف والمبادرات الروسية الأخيرة حول سورية تتحرك في ذروة الضغوط الأميركية والغربية التي تستهدف روسيا والرئيس فلاديمير بوتين بالذات والأمر تعدى مجرد الاشتباك الحاصل بشان أوكرانيا منذ الانقلاب الذي دبرته المخابرات الغربية ودوائر التخطيط في الناتو وما أعقبه فاليوم يمكن القول إن الولايات المتحدة ودول الغرب قد استعملت أمضى الأسلحة والضغوط المتاحة في جعبتها من خلال سيل العقوبات والتدابير العدائية المتخذة ضد روسيا وهي تشن أعتى الحملات السياسية والإعلامية الشعواء على الرئيس بوتين الذي تجري محاولة حثيثة ومتمادية لشيطنته في الإعلام الغربي إلى حد تشبيهه بهتلر .
وفي يقين العديد من المحللين والمتابعين ان تعديل الموقف والسلوك الروسيين من الموضوع السوري هو اولوية المساومات المتوخاة من الغرب تحت هذه الضغوط ولكن النتائج تبدو عكسية انطلاقا من تقدير مصيرية الصراع على مستقبل العالم لعقود مقبلة ومحورية دور سورية والرئيس بشار الأسد بالذات في هذا الصراع .
ثانيا المضمون السياسي للمبادرة الروسية الأخيرة حول سورية يلقى دعما إيرانيا وهو يقدم صورة دقيقة عن موقف موسكو الذي يتحدد في ثلاثة مباديء عليا باتت في حكم المؤكدة كإطار للتحركات والاتصالات التي تقودها روسيا منذ أشهر بالتنسيق والتشاور مع القيادة السورية وقد توجت باستقبال الرئيس بوتين للوفد السوري برئاسة الوزير وليد المعلم وترسخ محتواها في رسالة بوتين إلى الرئيس بشار الأسد التي نقلها نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف :
1- العمل على حوار سوري سوري بين الدولة الوطنية والمعارضة ينطلق من اولوية مواجهة الإرهاب وتوحيد الجهود الوطنية السورية على هذا الأساس .
2- مفهوم المعارضة السورية ونطاق تمثيلها كما تتعامل معه القيادة الروسية أسقط حصرية الائتلاف العميل للولايات المتحدة وانطلقت روسيا بتصورها حول صيغة سياسية تتسع لمعارضة الداخل الوطنية على حساب طغيان أشتات الخارج من أيتام المخابرات الغربية والتركية والخليجية في صيغة جنيف السابقة التي فرضتها الولايات المتحدة وسايرتها القيادة السورية ثم فضحتها من الداخل حرصا على مصداقية الشريك الروسي ليس إلا.
3- الشرعية الدستورية والشعبية للرئيس الدكتور بشار الأسد ثابتة وحاسمة وهي سقف خارج النقاش وفق الفهم الروسي الذي قدمه الرئيس بوتين علنا خلال زيارته لتركيا وفي وجه رجب طيب أردوغان.
ثالثا في صلب المبادرة الروسية تصعيد الدعم الاقتصادي والعسكري للدولة الوطنية السورية في التصدي للعدوان الاستعماري والمجابهة المفتوحة ضد جيوش التكفيريين والمرتزقة وقد اتخذت القيادة الروسية باوامر من الرئيس بوتين شخصيا خطوات يمكن وصفها بالأكبر من حيث الكمية والنوعية لدعم القدرات السورية على الصمود وهي تكتسب قيمة مضاعفة بالنظر للصعوبات الروسية الناشئة عن الضغوط والعقوبات الغربية وخصوصا تقلص العائدات النقدية من مبيعات النفط والغاز بعد الحركة السعودية الأميركية الموجهة ضد روسيا وإيران بصورة خاصة في فصل صعب وشاق من عض الأصابع.
بالتزامن مع الحركة الروسية ظهرت خطوات إيرانية مقابلة لمضاعفة الجهود في دعم سورية على جميع الصعد مما يفيد ان حلف مناهضي الهيمنة الأميركية الأحادية يتحرك متناغما وموحدا على الجبهات السورية وهو ما تعززه معلومات موثوقة عن التنسيق الروسي الإيراني في العمل لاحتواء الموقف التركي والحد من عدائيته اتجاه الدولة السورية ورئيسها .
رابعا التفاعل السوري الروسي الإيراني الجاري على نطاق واسع من خلال الوفود والرسائل المتبادلة عبر العواصم الثلاث دمشق وموسكو وطهران يقوم على قاعدة العمل لتحقيق الأهداف المشتركة وينطلق من إطار وحدة المعركة الهادفة لتغيير المعادلات الدولية ويظهر الحليفان الروسي والإيراني حرصا متزايدا على احترام مكانة ودور الرئيس بشار الأسد وهما ينظران بتقدير كبير لكل ما اتاحه لهما من خلال قيادته لصمود سورية من فرص التأثير والفاعلية في المعادلات الدولية والإقليمية ويرى الحليفان ان المناخ الجديد الذي فرضه هذا الصمود بات يفسح المجال امام تحريك عملية سياسية سورية تحصن ثبات الدولة الوطنية والجيش والشعب بقيادة الرئيس الأسد وتفرض نتائجها العربية والدولية ويعتبر بعض الخبراء ان الولايات المتحدة ستكون مضطرة اكثر فأكثر للتسليم بالحقائق الجديدة والرضوخ لها مع حلفائها ومن المؤشرات المنتظرة مطلع العام الجديد حملة لإعادة فتح سفارات أجنبية وعربية في دمشق وتحرك مصري مساند للمبادرة الروسية المنسقة بكل تفاصيلها مع القيادة السورية بما يسهل التراجع على الحكومات المتورطة بالعدوان .
وراء كل ما تقدم وقبله ستبقى كلمة الفصل للميدان وسيبقى الجيش العربي السوري هو الصانع الرئيسي للبيئة التي يمكن فيها دحر العدوان وتفكيك منظوماته داخل سورية بالمصالحات او بالحسم العسكري ولكليهما تعد القيادة السورية أفضل ما لديها .