لا «مظلّة سياسيّة زرقاء» لمواجهة الخطر الأمني الآتي من جرود القلمون؟ ابراهيم ناصرالدين
فرضت التطورات العسكرية المتسارعة على جبهة القلمون السورية «اجندة» تفكير مختلفة على الساحة اللبنانية، وثمة ترقب مشوب بالقلق ازاء الانعكاسات المحتملة لحرب «الاخوة» على الجانب الآخر من الحدود، خصوصا ان المعلومات الامنية المستقاة من مصادر موثوق بها في المنطقة، تؤكد ان انهيار «الجيش الحر» ليس الا مسألة وقت، بعد ان تلقت مجموعاته ضربات قاسية على يد مسلحي «داعش» في المنطقة، والاخطر من ذلك المعلومات التي افادت ببدء تلك المجموعات بمبايعة «تنظيم الدولة»، وقد بلغ عدد هؤلاء حتى الان نحو 500 مقاتل رفضوا الالتحاق «بجبهة النصرة» رغم النداءات والتسهيلات التي قدمتها لهم قيادات «الجبهة» التي وعدت بحمايتهم والحاقهم بمجموعاتها فورا، لكن تفضيل هؤلاء «لداعش»، مؤشر يحمل في طياته نذر خروج الاوضاع بين «التنظيميين التكفيريين» عن السيطرة، مع تعاظم قوة «الدولة الاسلامية» في المنطقة، وقد لا تجد جهود «امير النصرة» «التسووية» في القلمون، ابو مالك التلي، اي صدى في المرحلة المقبلة لمنع الانفجار الكبير مع تلك المجموعات.
هذا الاستنتاج لم يأت من فراغ، فبحسب خبراء عسكريين مطلعين على خارطة التطورات العسكرية في سوريا، فان المواجهات على الجبهة الجنوبية بدأت تترك انعكاساتها السلبية في منطقة القلمون، فاتساع المعارك في محافظة درعا بين «جبهة النصرة» من جهة، و«لواء شهداء اليرموك» الذي أعلن بيعته لتنظيم «داعش»، من جهة ثانية، يشير الى ان الحرب المفتوحة بين الجانبين قد وصلت الى «نقطة اللاعودة» في ظل توجه لدى «داعش» لمنع النصرة من اعلان امارة اسلامية في المناطق التي تسيطر عليها. وجاء هذا القتال بعد إعلان عناصر في «لواء اليرموك» مبايعتهم تنظيم «داعش»، ليكون أول خرق يتحقق في الجبهة الجنوبية التي تعد معقلا لـ «جبهة النصرة»، ولطالما كان «داعش» بعيدا عنها. وهذا السيناريو يتكرر اليوم في القلمون وهو ما ترى فيه قيادة «النصرة» خطة مبرمجة لضرب نقاط قوة التنظيم في انحاء سوريا.
وتفيد المعلومات بان أبو ماريا القحطاني أمير «النصرة» في المنطقة الجنوبية، وهو من اكثر قيادات التنظيم «كراهية» لـ «داعش» حيث كان أميرا في المنطقة الشرقية حين أقدم التنظيم على اجتياح دير الزور، وأبو جليبيب أمير حوران، وسامي العريدي الملقب بـ «أبو معاذ الأردني» وهو الوالي الشرعي العام لـ ««جبهة النصرة» في درعا، تواصلوا في الساعات القليلة الماضية مع ابو مالك التلي، وطلبوا منه الاستعداد لما هو اسوأ في الايام والاسابيع المقبلة، وطالبوه بعدم التهاون مع تحركات «داعش» في القلمون لانها مقدمة لطرده من المنطقة في اطار توجه عام لدى تنظيم «الدول الاسلامية» للسيطرة على المعابر الحدودية مع الاردن في الجنوب ومع لبنان في الغرب. ماذا يعني هذا الكلام لبنانيا؟
يعني ان ملف العسكريين المختطفين، ومسألة الجبهة المفتوحة في القلمون، يحتاجان الى مقاربة جديدة، ورؤية مغايرة للتعامل مع التطورات والاحداث المتسارعة، خصوصا اذا ما توسعت رقعة القتال، وسقط التفاهم القائم بين «النصرة» «وداعش» في هذه المنطقة، فمصير العسكريين اللبنانيين، في رأي اوساط في 8 آذار، سيكون على المحك والامر يحتاج الى تسريع عملية التفاوض عبر احداث اختراقات جدية تقنع الطرف الآخر بأن ثمة شيئاً جديداً قد تغير في الموقف اللبناني، وهذا لن يحصل الا اذا اتخذت الحكومة قرارا باعادة هذا الملف الى قيادة الجيش، وحل «خلية الازمة» واخراجها من «المعادلة»، وتكليف اللواء عباس ابراهيم قيادة مجموعة الاتصال الجديدة التي يجب تشكيلها بالتنسيق مع قائد الجيش جان قهوجي على ان لا تضم اياً من الجهات السياسية التي شكل حضورها عبئا ثقيلا على عملية التقاوض، فعدم المهنية، والحسابات الضيقة للبعض كبلت يد المفاوضين وسمحت للخاطفين بالتحكم «بقواعد اللعبة». لكن حتى الان لم تتبلور هذه الصيغة الجديدة، فهذه المقترحات التي تم التداول بها بين مرجعيات سياسية وعسكرية في الساعات القليلة الماضية، لا تزال تصطدم بممانعة سياسية تحول دون هذه النقلة النوعية، وهذا يفسر قول قائد الجيش عندما سئل عن ملف العسكريين ان في «فمه ماء».
من ناحية اخرى ستكون تأثيرات التطورات العسكرية بجبهة القلمون خطرة جداً على المناطق اللبنانية المحاذية بحسب الاوساط، فاذا اتجه تنظيم «داعش» الى خوض معركة حاسمة في المنطقة، فان التداعيات ستكون كبيرة خصوصا اذا ما اتجه احد التنظيمين تحت ضغط المواجهات الى محاولة خرق الحدود اللبنانية خصوصا في عرسال. وهنا تؤدي الجهات المعنية في حساباتها اكثر من سيناريو عسكري قد تلجأ اليه تلك المجموعات، فمن جهة ثمة مخاوف جدية من قيام «جبهة النصرة» بخطوة استباقية لحماية «ظهرها» عبر اختراق الحدود مع عرسال في محاولة منها لتأمين خط دفاع خلفي يساعدها في المواجهة الصعبة في الجرود، وهنا تلعب «البيئة الحاضنة» «للنصرة» في البلدة، وفي مخيمات اللاجئين السوريين، الدور الحاسم في تمكينها من وضع يدها على البلدة. لكن ماذا لو انقلب مؤيدو «الجيش الحر» وبايعوا «داعش»؟ هذا سيعني ان المواجهة ستنتقل حكما الى عرسال وستشهد البلدة عمليات تصفية بين المجموعات المسلحة. وثمة سيناريو آخر يفترض قيام مجموعات «الدولة الاسلامية» بمحاولة اختراق الحدود اللبنانية وقطع «الشريان الحيوي» عن «النصرة» تمهيدا الى اضعافها في الجرود والقضاء عليها لاحقا. اذا كيف يجب التعامل مع هذه الاحتمالات؟
لا اجوبة واضحة حتى الان، تقول تلك الاوساط، طبعا وحدات الجيش اللبناني تعمل على تعزيز مواقعها في المنطقة، وثمة رفع في مستوى الجهوزية لدى حزب الله في الجرود البقاعية، والكل يستعد لمواجهة السيناريوهات الاكثر سوءا، لكن ثمة «مظلة سياسية» تبقى غير متوافرة من جانب «تيار المستقبل» الذي لم يعط اجوبة واضحة حتى الان عن كيفية التعامل مع تلك الظروف المستجدة، في حال دخلت عرسال مجددا معمعة المواجهات العسكرية، فاذا كانت اجراءات الجيش لعزل الجرود مؤخرا بعد استشهاد الجندي علي البزال، قد لاقت اعتراضا علنيا من قبل رئيس الحكومة الاسبق سعد الحريري، فما سيكون عليه الموقف اذا ما وضع الجيش امام مسؤولية مواجهة تمدد التكفيريين الى داخل البلدة؟ وكيف سيتعامل مع اي خرق محتمل من قبل اللاجئين السوريين وغيرهم من ابناء عرسال المتورطين مع المجموعات المسلحة؟ هل سيمنح كامل الصلاحيات هذه المرة ام ان ما حصل في الثاني من آب سيتكرر مرة اخرى؟ وامام هذه المخاطر المتعاظمة هل من المجدي بقاء فريق 14 آذار على عناده في رفض فتح آفاق التعاون الجدي والرسمي مع الجيش السوري لتنسيق العمليات العسكرية على طرفي الجبهة؟
اسئلة يجري البحث عن اجوبة سريعة حولها لان الجميع في سباق مع الوقت، فهذه المعطيات تقول الاوساط، لا تحتمل ترف انتظار حوار «المستقبل»- حزب الله، ولا تحتمل ايضا انتظار ان يقتنع النائب وليد جنبلاط بأن «النصرة» و«داعش» «وجهان لعملة واحدة»، وفي الانتظار ثمة ثابتة وحيدة لا تقبل اي تأويل، وهي ان «اصدقاء» قوى 14 آذار، ومعهم «البيك»، في «الجيش الحر»، «تبخروا»، ولا فائدة من استمرار الرهان على دورهم في تلك الجبهة، ويبقى ان تحسم تلك القوى موقفها سريعا، ربما هي تنتظر الان موقف الرعاة الاقليميين الذي يدركون ان كل ما يحصل يصب في مصلحة النظام السوري وحزب الله، واذا لم تنجح الوساطات في «رأب الصدع» بين «رفاق السلاح»، تتجه الامور نحو مواجهة شاملة، ستكون قاسية، وحينها لن تكون «المظلة السياسية» ضرورية لان لا صوت سيرتفع عندئذ فوق «قرقعة السلاح».
(الديار)