آلات تفريخ العملاء والمرتزقة
غالب قنديل
منذ هزيمة حزيران نشطت ممالك الرمال والنفط في تنفيذ خطة شاملة لإتلاف النخب العربية وشراء العقول ولتسميم الوعي العربي وكان الميدان الرحب لذلك هو الإعلام والصحافة وسرعان ما شرعت تظهر ملامح الثراء على كتاب وصحافيين تحولوا إلى مداحي هذا البلاط أوذاك وأقاموا متاريس الحرب ضد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر والحركة القومية العربية ونصبوا أفخاخ الشك والطعن حول سورية وقيادتها وناهضوا كل ما هو تحرري بين المحيط والخليج وزاودوا على جميع المناضلين والمقاومين بينما كانوا يلمعون صورا ووجوها كالحة لعملاء الاستعمار الغربي ولخيارات الاستسلام والردة باسم الواقعية فصار كل تمرد على مشيئة الغرب خطابا خشبيا ومغامرة غير محمودة العواقب.
أولا لم تكن تلك الخطة وليدة مخيلة حكام الخليج بل وصفة بريطانية مدفوعة الثمن ومستقاة من دروس الاستعمار البريطاني في الهند الذي استمر وتوطد بفعل إحكام الإمبراطورية البريطانية قبضتها على جموع واسعة من النخب الهندية المتعلمة والمثقفة ومن الطبقة الوسطى التي ارتبطت مصالحها بدوام الاستعمار البريطاني .
لم يكن من الصدفة ان الإمبراطوريات الصحافية ومن ثم القنوات الفضائية التي أقامتها ومولتها العائلات المالكة في شبه الجزيرة العربية وتبعتها من ثم قطر والإمارات والكويت قد واظبت على التعاقد مع شركات استشارية بريطانية وأميركية عملت في التدريب والإعداد المهني وشراء الكفاءات الصحافية والأكاديمية التي ساهمت في شق الطريق لمدرسة إعلامية تحترف الترويج لثقافة الإذعان والخنوع وطورت حملات هجومية شاملة ضد أي نزعة ثورية في المنطقة فسفهت خيار المقاومة ورفض الاستسلام أمام الكيان الصهيوني وعممت أوهاما قاتلة عن مشاريع السلم الصهيونية وأقامت ستارا من التحريض المذهبي في وجه الثورة الإيرانية ونموذج حزب الله وقد زرعت تلك النخب المشتراة ومن خلال آلة تصنيع العملاء والمرتزقة في الصحف والفضائيات المملوكة او الممولة عقبات كبيرة وصعبة في وجه أي تطور طبيعي لحركة الوعي الشعبي في مجابهة الهيمنة الاستعمارية الصهيونية على المنطقة .
ثانيا شكلت الدعاية التكفيرية ذراعا قوية في منظومة الإعلام النفطي وبعدما كانت السعودية تمول وتستضيف قادة تنظيم الأخوان ومقرات المجلات الإسلامية التي يشرفون عليها باتت تمول وترعى سلسلة من القنوات الفضائية المكرسة لبث التكفير في البلاد العربية والعالم الإسلامي وهو ما ترسخ بقوة منذ أكثر من ربع قرن ولم تكن مراكز التخطيط الأميركية غافلة عن كل ما يدور فما زرعه الدعاة التكفيريون حصدته اجهزة الاستخبارات اجيالا من الإرهابيين التكفيريين تمثل قوة تدمير احتياطية تمسك الدول الاستعمارية بمفاصلها القيادية وتستثمر نتائج مشروعها .
لقد جمعت آلات تفريخ المرتزقة والعملاء بين عتلة تكوين جماعات وقوى تكفيرية بالتوازي مع قيام منصة لاصطياد وتجنيد الجماعات والعناصر المتطلعة إلى تغييرات سياسية تكرس التعدد وتحاكي نمط الأنظمة السياسية القائمة في الغرب ولو في الشكل وقد استطاعت إمبراطوريات الإعلام المنفوطة ان تدمج في بنيانها حشودا من اليساريين والقوميين المرتدين والمهزومين والانتهازيين الذين ائتلفوا مع نمط حياة ومستوى عيش يصعب الارتداد عليهما .
اندمجت تلك الشريحة في نادي العملاء والمرتزقة وخدمت اولياء النعمة في إنتاجها الإعلامي والثقافي وتوج منها الكثير “مفكرين وكتابا وباحثين ” وقد سخرت واستخدمت منتوجات الإمبراطوريات المنفوطة في سنوات ما سمي بالربيع مؤخرا بعدما قدمت منذ التسعينيات خدمات جليلة للكيان الصهيوني من خلال تعميم ما سمي بالتطبيع منذ مؤتمر مدريد بحيث تكرست صورة الإسرائيلي المختلف في كل بيوت العرب بدلا من الصهيوني العدو المغتصب .
ثالثا تتجه ممالك الرمال والنفط صوب مرحلة جديدة من تطوير آلتها لإنتاج المرتزقة والعملاء وهي تحمل معها حصادا جديدا جاءت به من مخاض الأحداث خلال السنوات الأربع الماضية وهذا ما يفسر الحراك القطري والسعودي نحو تأسيس إمبراطوريات إعلامية جديدة صحافية وتلفزيونية بعد انفضاح ادواتها التقليدية وانهيار مصداقيتها باحترافها للكذب والفبركة فلا بأس من إغداق مليارات جديدة لتكوين منابر بأسماء مختلفة ومع رهط جديد من المرتزقة ممن جرى اصطيادهم من بيروت والقاهرة ودمشق وبغداد وصنعاء وغيرها من العواصم.
إن المنابر الإعلامية المنفوطة باتت جزءا من منظومة الهيمنة وهي تؤدي منذ نصف قرن من الزمان دورا خطيرا في خدمة الاستعمار والصهيونية وعملائهما في البلاد العربية والخدم العاملون بخنوع في تلك المنابر هم الكتبة والإعلاميون الذين تم تدجينهم باعتناق الأفكارالمكرسة لسيطرة الاستعمار والانخراط في خططه ومشاريعه وترويجها هجوميا على إيقاع التوجيهات الصادرة والموحى بها من مراكز الدراسات والأبحاث الأميركية او فروعها العربية ومما يميز الحقبة الراهنة خصوصا تصاعد النشاط القطري من خلال فريق يقوده عزمي بشارة ومعاونوه .