قانون تحصين العقود الإدارية الدكتور عادل عامر
قضت محكمة القضاء الإداري برئاسة المستشار حسونة توفيق، بعدم اختصاص محاكم مجلس الدولة ببطلان قانون تحصين العقود الإدارية .
أكدت حيثيات المحكمة، أن القرار المطعون عليه ليس قرارا إداريا، إنما هو من القوانين الصادرة عن رئيس الجمهورية، وفقا للسلطة التشريعية المخولة له بموجب أحكام الدستور، ويخرج عن اﻻختصاص الوﻻأي لمحاكم مجلس الدولة.
أزال الجدل مشتعلا حول تحصين عقود الحكومة أي عقود البيع التي تكون الحكومة طرفا فيها مع المستثمرين، واعتبر البعض ذلك بمثابة عودة إلى فساد نظام مبارك ، وحرمان المواطن من حقه في الطعن على هذه العقود حماية للمال العام ، وقصر الطعن على طرفي التعاقد فقط ، وقال البعض إن ذلك يفتح الباب على مصراعيه للفساد خاصة في ظل بيع معظم شركات القطاع العام بأسعار لا تتناسب مع قيمتها الحقيقية أن السند التشريعي الذي أدى إلى صدور أحكام البطلان يرجع إلى قانون المناقصات والمزايدات الصادر منذ عام 98 ، والذي نص في مادته الأولى على ضرورة إجراء المزادات عند التعاقد .
وإلغاء النص السابق منذ عام 83 والذي كان يسمح للهيئات الحكومية التي لها قوانينها ولوائحها الخاصة بتطبيقها دون اللجوء إلى قانون المناقصات ، ورغم أن النص الجديد لم ينص على جزاء البطلان الا أن المحاكم قد أرهقت النص وحكمت بالبطلان، وكادت ان تستقر أحكامها على ذلك حتى أصبحت الأحكام بالبطلان كأنها معلومة مقدما ، وقد حاولت الحكومة أيجاد حل لمواجهة تلك الأحكام فكان تعديل قانون المناقصات عام 2006 بالقانون رقم 148، ثم جاء المرسوم بقانون رقم 4لسنة 2012 بتعديل قانون ضمانات وحوافز الاستثمار لنظر المنازعات أمام اللجنة الوزارية لتصدر قرارا ملزما لكافة الجهات ومنها لكافة القضايا والمنازعات. أجلت المحكمة الدستورية العليا اليوم الأحد أولى جلسات الطعن على قانون رقم 32 الخاص بتحصين عقود الدولة إلى 14 ديسمبر المقبل. وحضر بجلسة اليوم عمال شركة النوبارية للبذور والمحاميان خالد على وشعبان أبو زهرة وكيلا العمال ودعا المدعون ببطلان المادتين 1 و2 من قرار الرئيس السابق عدلي منصور رئيس الجمهورية السابق بالقانون رقم 32 لسنة 2014 بشأن قصر النزاع القضائي بالعقود التي تجريها الدولة على طرفي التعاقد فقط وهو ما اعتبرته صحيفة الطعن مخالفا ل9 مواد في الدستور وحماية تشريعية للخصخصة على حد وصف المحاميين أمام المحكمة. جدير بالذكر أن محكمة القضاء الإداري قد قررت وقف طعن عمال شركة النوبارية للبذور على قرار بيع الشركة لحين فصل المحكمة الدستورية في الطعن على قانون تحصين عقود الدولة. أن هناك 3 أسباب تؤكد عدم دستورية القانون، ويتمثل الأول في مخالفة القانون لنصوص المواد (32، 33، 34) من الدستور الحالي، والتي نصت صراحة على “التأكيد على حماية الملكية العامة”، والتي تتحقق في مواجهة تصرفات الدولة بحق الأفراد أصحاب الصفة والمصلحة الأصلية والأصيلة في التجائهم إلى القضاء، فحق التقاضي في تلك الحالة هو وسيلة لغاية أسمى، وهي الحفاظ على الملكية العامة.
بجانب تفعيل دور الرقابة الشعبية ضد مظاهر اعتداء الدولة، إذا ما أساءت التصرف، وهذا الحق إنما هو مشتق من مضمون النصوص الدستورية، وإن كان الدستور في نصوصه 32، 33، 34، لم يشر إلى حق الأفراد صراحة، مثلما فعل في دستور 1971م و2012م، إلا أن هذا الحق هو حق يستفاد ضمنيًا من طبيعة الملكية العامة، لذلك فهو مفهوم مستقر وثابت ولا يتغير بتغير النصوص الدستورية،
أن السبب الثاني هو مخالفة نص المادة 53 من الدستور، مشيرًا إلى أن المادة الأولى من القانون حظرت الطعن على العقود الإدارية التي تبرمها الدولة أو أحد أجهزتها الاعتبارية العامة، بما في ذلك الطعن على القرارات السابقة على إبرام تلك العقود، في مخالفة صريحة لمبدأ المساواة في المراكز القانونية المتساوية، ذلك أن من المفترض تساوي جميع المتناقصين والمتنافسين منذ إعلان الجهة الإدارية رغبتها في التعاقد، بخصوص الحقوق والواجبات، وتلك القاعدة أوجبتها طبيعة العقد الإداري.
لان شبهة عدم الدستورية في تلك المادة إنما ترتكز بصفة أساسية على أن القانون ساوى بين القرارات الإدارية المنفصلة عن العقد والسابقة على عملية إتمام التعاقد وبين العقد ذاته، وقال: “حينما يكون الطعن على العقد بين طرفيه أمرًا مقبولاً إعمالاً لمبدأ نسبية آثار العقد، فإن تلك القاعدة لا تستقيم بالنسبة للقرارات الإدارية السابقة على إتمام التعاقد، ففي تلك الحالة يكون لكل ذي مصلحة شخصية ومباشرة من المتنافسين بشأن الفوز بإبرام العقد أن يطعن على تلك القرارات، إذا ما تراءى له أن تلك الإجراءات قد تمت بالمخالفة لأحكام القانون”، وفقَا للتقرير.
و السبب الثالث يتضمن مخالفة القانون للمادة (97) من الدستور، لإنكاره حق أفراد الشعب في الملكية العامة، وما يرتبط به من وسائل الرقابة والحماية للمال العام، كما صادر حق التقاضي وإن كان في صورة تنظيم له، فأغلق طريق الطعن في العقود الإدارية التي تبرمها الدولة عن صاحب الصفة الأساسية في مراقبة الدولة، وجعل نطاق الطعن مقصورًا على أصحاب الصفة الفرعية، ممن لهم حقوق شخصية أو عينية على المال موضوع التصرف. أن ما تضمنه القانون من فتح باب الطعن على عقود الدولة، إذا ما صدر حكم جنائي في إحدى جرائم المال العام، وتم إبرام العقد استنادًا إلى تلك الجرائم لن ينقذه من عثرته الدستورية، ﻷن المشرع خلط بين إبطال العقود الإدارية لمخالفتها للقواعد والإجراءات التي بينها القانون، وبين حالة إبطالها استنادًا إلى إبرام العقد كنتيجة لإحدى جرائم المال العام، كما أن تعليق دعاوى إبطال عقود الدولة على صدور أحكام جنائية في إحدى جرائم المال العام، يستنزف اختصاص مجلس الدولة، باعتباره صاحب الولاية العامة في نظر المنازعات المتعلقة بهذا الشأن.
.وطبقا لنص المادة 156 من الدستور فإن رئيس الجمهورية لا يملك استعمال سلطته في إصدار التشريع، في غيبة البرلمان إلا إذا توافرت الظروف الاستثنائية التي جعلها الدستور سبباً لإصدار القرار بقانون وإذا لم تتوافر فقد القرار بقانون شرطه المقرر بالدستور ووقع باطلاً والقضاء هو الذي يتحقق من توافر هذا الركن – ركن السبب- وموافقة البرلمان علي القرار بقانون لا تطهره من عيبه اللاحق به وإنما يصبح القرار الجمهوري بقانون بعد موافقة البرلمان عليه فاقداً ركن السبب فالعيب اللاحق به لن تستطيع موافقة البرلمان أن تزيله عنه نظرا لأن كل ما يترتب علي باطل فهو باطل، والقرار الجمهوري صدر مخالفا للدستور فتظل هذه المخالفة لاحقه به والقول بغير ذلك معناه الترخيص للبرلمان بالخروج علي أحكام الدستور.
وقد مدت المحكمة الدستورية العليا رقابتها الجادة إلي وقائع القرارات بقانون التي تصدر في غيبة مجلس الشعب وأعملت في شأنها صحيح حكم الدستور حيث راقبت مدي توافر الوقائع المبررة لصدور القرار بقانون في غيبة مجلس الشعب فهي قد بسطت رقابتها علي وجود الوقائع وعلي تكييفها ولكن تم ذلك في نطاق السلطة المقيدة التي للمشرع بنصوص الدستور، وذهبت المحكمة الدستورية العليا إلي:
“أن المستفاد من نص المادة 147 من الدستور أنه لإعمال الرخصة الاستثنائية التي أولاها الدستور لرئيس الجمهورية في إصدار قرارات لها قوة القانون في غيبة مجلس الشعب أن تتهيأ خلال هذه الغيبة ظروف تتوافر بها حالة تسوغ لرئيس الجمهورية سرعة مواجهتها بتدابير لا تحتمل التأخير إلي حين انعقاد مجلس الشعب باعتبار أن تلك الظروف هي مناط هذه الرخصة وعلة تقريرها وتمتد رقابة المحكمة الدستورية إلي هذا الشرط لتتحقق من قيامه باعتباره من الضوابط المقررة في الدستور لممارسة ما نص عليه من سلطات شأنه في ذلك شأن الشروط الأخرى التي حددتها المادة 147
.(حكم المحكمة الدستورية العليا – في 4/ 5/ 1985 رقم 28 لسنة 2 دستورية)ولما كان الحكمة من صدور القرارات بقوانين مرتبطة، ليس فقط بغياب البرلمان ولكن باستحالة انعقاده ، سواء كان السبب انقضاء الدورة البرلمانية أو حل البرلمان، ولا يترتب علي انقضاء دور الانعقاد إصدار رئيس الجمهورية لقرارات بقوة القانون بل يجب عليه دعوة البرلمان للانعقاد لاتخاذ التدابير المناسبة، وبناء عليه فإن سلطة رئيس الجمهورية بالتشريع سلطة استثنائية، والأصل فيها ألا تستعمل إلا عند غياب البرلمان من ناحية، ووجود ما يوجب الإسراع في إصدار هذا القرار بقانون من ناحية أخري، وبالطبع الشرط الثاني مجال سريانه هو فترة غياب البرلمان فقط.ومن جماع ما سبق فإن إصدار السيد عدلي منصور رئيس الجمهورية المؤقت لأي تشريعات لغير مواجهه حالة تسوغ لرئيس الجمهورية سرعة مواجهتها بتدابير لا تحتمل التأخير، هي تشريعات لا ترتكن لسبب صحيح لإصداراتها ولاسيما أن الدستور قد نظم هذا الحق باعتبار رئيس الجمهورية شخص تم انتخابه من الشعب بشكل مباشر وليس معين للقيام بدور محدد هو إدارة المرحلة الانتقالية بما يسمح بنقل سلس للسلطة بعد الموجة الثورية التي شهدتها البلاد في 30 يونيه .
ولا يقدح في ذلك القول بأن الإعلان الدستوري الذي أصدره رئيس الجمهورية المؤقت في 8 يوليه 2013 ونشر بالجريدة الرسمية بالعدد 27 مكرر (أ) في مادته 25 البند (1) قد منحه سلطة التشريع بعد أخذ رأى مجلس الوزراء، فهو قول مردود عليه بأن رئيس الجمهورية المؤقت هو الذي أصدر الإعلان الدستوري المشار إليه، والذي يستمد منه صلاحياته، وهو الذي منح نفسه سلطة التشريع فكان الأولى به أن يكون شديد الحرص فيما يصدره من تشريعات، وألا يستخدم هذه الصلاحية إلا في أضيق نطاق، ووفقا لحالات الضرورة، وبما يتناسب مع كونه يدير شئون البلاد بشكل مؤقت في مرحلة انتقالية شديدة الحساسية، وألا يجاوز ذلك بإصدار تشريعات تفتقد لركن السبب أو يتجاهل طبيعتها الجدلية التي تحتاج لبرلمان منتخب لحسمها وترجيح الرأي بشأنها، ويتضح ذلك بجلاء من الأثر الرجعى لإعمال هذا القانون والذي أورده رئيس الجمهورية في المادة الثانية من القانون الطعين عندما ألزم كل المحاكم ودون الإخلال بالأحكام القضائية الباتة، أن تقضي من تلقاء نفسها بعدم قبول الدعاوى أو الطعون المتعلقة بالمنازعات المنصوص عليها في المادة الأولى من هذا القانون والمقامة أمامها بغير الطريق الذي حددته هذه المادة بما في ذلك الدعاوى والطعون المقامة قبل تاريخ العمل بهذا القانون.رابعاً: مخالفة المادة الثانية من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 32 لسنه 2014 للمادة 225 من الدستور:
نصت المادة الثانية من القرار بقانون رقم 32 لسنة 2014 علي تطبيق هذا القانون علي كافة الدعاوي والطعون المتعلقة بالمنازعات المنصوص عليها في المادة الأولي من هذا القانون والمقامة أمامها بغير الطريق الذي حددته هذه المادة بما في ذلك الدعاوى والطعون المقامة قبل تاريخ العمل بهذا القانون”. وهو الأمر الذي نري مخالفته لأحكام المادة 225 من الدستور المصري والتي نصت علي أنه لا تسري أحكام القوانين إلا على ما يقع من تاريخ العمل بها ، وأجازت في غير المواد الجنائية والضريبية، النص في القانون على خلاف ذلك، ولكن بشرط موافقة أغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب.
فالأصل في القوانين أنها لا تسري علي الماضي حتي لا تمس الحقوق المكتسبة وقاعدة الحقوق المكتسبة هي قاعدة تمتد في جذورها إلي أعماق القانون الطبيعي والمبادئ الأساسية للعدالة ويلاحظ أن الإسراف في النص علي الأثر الرجعي للقوانين في هذا النص الطعين يعتبر انحرافا في استعمال السلطة التشريعية فالقاعدة أن الإسراف في تقدير الأثر الرجعي يعد انحرافا في استعمال سلطة التشريع، وأحد تطبيقات هذا الفرض هو إصدار البرلمان تفسيراً تشريعياً بأثر رجع يوقد نصت الدساتير المصرية المتعاقبة علي هذا المبدأ الذي تم استحداثه في دستور الجمهورية المصرية الصادر في 1956 حيث نص في المادة (186) علي أن ” لا تسري أحكام القوانين إلا على ما يقع من تاريخ العمل بها، ولا يترتب عليها أثر فيما وقع قبلها. ومع ذلك يجوز في غير المواد الجنائية النص في القانون على خلاف ذلك بموافقة أغلبية أعضاء مجلس الشعب” وبقي هذا النص كما هو في الدساتير المصرية المتعاقبة (1958 ، 1964 ، 1971) إلي أن تم استحداثه في دستور 2012 بأن أضاف المواد الضريبية إلي المواد الجنائية المنصوص وهو ما أقره الدستور القائم حيث نص في المادة (225)علي أن ” تنشر القوانين في الجريدة الرسمية خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ إصدارها، ويُعمل بها بعد ثلاثين يوما
كاتب المقال
دكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام
ومدير مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية
عضو والخبير بالمعهد العربي الاوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية