السعوديّة تخسر رهاناتها السوريّة فهل تخطىء في حساباتها اللبنانيّة؟ ابراهيم ناصرالدين
لو أن المملكة العربية السعودية لم تشعر بحجم الخطر الكبير الذي يهدد استراتيجيتها في المنطقة انطلاقا من التطورات على الساحة السورية، لما كانت قد اقدمت على خطوة «انتحارية» باستخدام «سلاح النفط» ضد خصميها اللدودين روسيا وايران، هذه الخلاصة لاوساط ديبلوماسية في بيروت، اشارت الى ان ما تقوم به الرياض راهنا هو بمثابة «الخرطوشة الاخيرة» في الحرب المفتوحة الدائرة في المنطقة، بعد ان خسرت عمقها الاستراتيجي في اليمن، ولم تنجح في وقف التفاهمات النووية الغربية مع ايران، واليوم باتت ترى امام عينيها تحولا هائلا في التطورات الميدانية والسياسية الدولية والاقليمية من الحرب في سوريا، وهي تحاول «لعب كامل» اوراقها قبل ان تتلاشى اخر الآمال في اسقاط النظام السوري.
طبعا هذا القلق يفسر في جانب منه تحرك المملكة تجاه حلفائها في لبنان بحسب اوساط في 8 آذار، وفي هذا السياق يمكن وضع زيارة رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع الى المملكة، وبعض القيادات الاذارية التي ستلحق به، فالرياض تعمل على اعادة ترتيب اوضاع الحلفاء في بيروت وفق جدول اعمال يحميهم من «السقوط»، وسط مخاوف لدى المملكة من عدم القدرة على السيطرة على الاوضاع في الاسابيع المقبلة على الساحة اللبنانية، بعد ان تجاوزت هي بعضا من «الخطوط الحمراء» في الصراع الدائر مع خصومها الاقليميين والدوليين، وثمة شعور لدى القيادة السعودية ان «خاصرتها» الرخوة في لبنان يمكن ان تتعرض لضرر كبير اذا ما سقطت التفاهمات السابقة التي أمنت تحييدها عن الصراعات المباشرة في المنطقة.
وتلفت تلك الاوساط، الى ان دخول رئيس الاستخبارات السعودية الامير خالد بن بندر على خط اللقاءات العلنية مع جعجع كان بمثابة «رسالة» واضحة من المملكة الى كافة الاطراف المعنية بالملف اللبناني، بانها لن تتنازل بسهولة عن ما تعتبره «اوراق» قوة لها على الساحة اللبنانية، وستدافع عن مصالحها مهما بلغت التحديات. لكن السؤال الذي يحتاج الى الكثير من الايضاحات هو كيف؟ وما هي الوسائل التي ستعتمدها من اجل ذلك ؟
حتى الان لا تزال الاجوبة ضبابية، وثمة اعادة تقويم جدية في السعودية لموازين القوى على حدّ قول الاوساط، ليس فقط مع الخصوم الطبيعيين في المحور الآخر، ولكن على الساحة الواحدة ايضا، وتتحدث المعلومات عن محاولات لتعزيز اواصر التعاون مع الدوحة لبلورة صيغة موحدة لادارة ملف التنظيمات السلفية، وطي صفحة الانقسامات التي اضعفت موقفها، وسببت الضرر ايضا لتيار المستقبل، اما النقاشات مع قوى 14 آذار فتتمحور حول دراسة الخيارات المتاحة لمواجهة التحديات، وبناء على المعطيات سيتخذ قرار المضي بالمزيد من التهدئة، وتجنب الصدام، والرهان على الوقت، او الاتجاه الى مزيد من التصلب والتصعيد. لكن ما الذي يقلق السعوديين ويدفعهم الى هذه المراجعة؟
تجيب الاوساط لم تكن وحدها الغارات الأميركية ضد مواقع «داعش» والنصرة التي ادرك السعوديون متاخرين انها تصب في صالح النظام السوري وخسارة «المعارضة المعتدلة» للمزيد من المواقع الاستراتيجية، وراء هذا التوتر، فوفقا لتلك الاوساط، ثمة شيء يتغير بسرعة في واشنطن ازعج الرياض، فقبل ايام سمع المسؤولين اللبنانيين ومن بينهم وزير الداخلية نهاد المشنوق كلاما من مساعد وزير الدفاع الأميركي لشؤون سياسة الشرق الأوسط، أكد فيه «ان ما يحدث في سوريا لا يهدّد الأمن القومي للولايات المتحدة، اما معارضة واشنطن للرئيس السوري بشار الاسد فلا تعني السعي لإسقاطه». طبعا فهم المشنوق «الرسالة» جيدا ونقلها بحرفيتها الى المسؤولين السعوديين. وعلى الهامش سمع عتبا من الرئيس سعد الحريري الذي انزعج من قيامه بالاتصال المباشر بوزير الداخلية السعودي محمد بن نايف، قبل اطلاعه على فحوى هذا اللقاء.
هذه المعلومات القادمة من بيروت سبقتها اخبار مشابهة نقلها الملك الاردني عبدالله الثاني الى المسؤولين السعوديين عقب زيارته الى واشنطن، ومفادها ان الرئيس الاميركي باراك اوباما بات اكثر اقتناعا بحل او تسوية في سوريا دون التمسك بشرط تنحي الرئيس الاسد، وفيما تساند دولة الإمارات هذا الاتجاه، حظيت هذه الفكرة ايضا بدعم من القيادة المصرية، وابلغ الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي القيادة السعودية ان هذه الطروحات هي الاقرب الى الواقع من اي شيء اخر، ولا بد من مرحلة انتقالية بوجود الرئيس بشار الأسد.
ولم يتوقف الامر عند هذا الحد، فالإتحاد الأوروبي ايضا يتجه الى اتخاذ موقف جديد من الازمة السورية تقول الاوساط الديبلوماسية، وبالتزامن مع دعمه المبدئي لخطة المبعوث الاممي ستيفان دي ميستورا في حلب، ثمة مساع اوروبية جادة لانشاء مجموعة تعاون مع كل وإيران وروسيا تحت عنوان وقف الحرب في سوريا. وهذا التعاون ينطلق ايضا من الفكرة السابقة التي بدأ الاميركيين بالترويج لها، وهي تقوم في اساسها على الافكار الروسية القاضية بتشكيل حكومة انتقالية موسعة في دمشق وتجاوز الخلاف حول بقاء الأسد في السلطة. وما ازعج السعوديين ايضا هو وجود اجماع اوروبي على عدم ترك «الساحة» للاميركيين للتفرد في تمتين العلاقة مع ايران، والجديد في هذا السياق وجود اقرار اوروبي بدور إيران «كلاعب إقليمي مهم» في المنطقة، وهذا يعني حكما التعاون معها في قضايا غير المفاوضات حول الملف النووي.
هذا الطوق الديبلوماسي، يتزامن بحسب تلك الاوساط، مع خسارة السعودية «لاستثماراتها» في المعارضة السورية، ففي تقويم رفعته مؤخرا الخارجية الأميركية الى البيت الابيض، بالتوازي مع تقرير للبنتاغون، خلصا الى إن المعارضة السورية «المعتدلة» لن تكون قادرة على هزيمة الجيش السوري عسكريا، الآن أو في المستقبل القريب، وذلك على الرغم من الخطط التي أعلنت عنها وزارة الدفاع الاميركية لتدريب وتسليح حوالى 5.000 مقاتل سوري، وقد اتضح ان هذه الخطة تواجه مشاكل كبيرة اهمها العثور على مقاتلين لا يحملون مواقف معادية من الولايات المتحدة، ويمكن ضمان عدم انقلابهم عليها عندما يدخلون ميدان القتال، او عدم تكرار ما حصل مع «حركة حزم» وقوات جمال معروف في ريف ادلب حيث خسروا كامل عتادهم الاميركي واصبح بعهدة «جبهة النصرة». وهذا ما يبرر البطء في الإعداد اللوجستي حيث لن تتخذ خطوات عملية لبدء التدريب إلا في ربيع عام 2015.
وفي هذا الوقت، التطورات الميدانية لن تنتظر جهوزية هؤلاء للقتال، فالانتكاسات كبيرة في الميدان، فـ«المعارضة السورية المعتدلة» تعرضت لهزائم متكررة على يد «جبهة النصرة» في الأشهرالقليلة الماضية، وأصبح 60% من ريف إدلب تحت سيطرة «جبهة النصرة»، ولا تزال المدينة في يد النظام السوري رغم المحاولات الفاشلة لاقتحامها. اما الكارثة الكبرى فقد حلت على «الجيش الحر» في حلب حيث لم يتبق للقوات السورية سوى أمتار عدة لإكمال محاصرة معاقل المعارضة الأخيرة في المدينة، وهم لا يسيطرون الا على ممر يبلغ عرضه كيلومترا واحدا فقط، ويدرك السعوديون تقول الاوساط، ان نجاح الجيش السوري بفرض حصار على معاقل المعارضة يعني تجويعها كما فعل في حمص ومناطق اخرى في دمشق، وهذا يعني عاجلا او آجلا سقوط أحياء المعارضة في يد النظام. وعليه فانتصار النظام في حلب يعني هزيمة مدوية للجماعات المسلحة الممولة من السعودية التي ستخسر آخر معاقلها الاستراتيجية بعد خسارتها معظم المناطق لصالح «جبهة النصرة» و«تنظيم داعش» وهذا يعني خروج المملكة من «المعادلة».
طبعا تدرك السعودية مخاطر «اللعب» «بالنار النفطية»، ولكنها لم تعد تملك الكثير من «اوراق القوة»، تبحث الان عن مكان لها على «الطاولة»، تسعى الى تقليل الخسائر والاستفادة من بعض الحلفاء هنا وهناك، ويبقى الامل ان لا تخطىء المملكة في حساباتها اللبنانية، وتنصح حلفائها بالمزيد من التواضع والكثير من الهدوء.
(الديار)