مقالات مختارة

كلام في السياسة.. الإرهابيّون يثبّـتون الإرهاب ! ثريا عاصي

 

إعتمادا على قاعدة تقول بأن الحرب قرار سياسي زائد قدرة عسكرية يتم توظيفها من أجل بلوغ هدف معين، لا بد من التسليم بوجود خطة للحرب التي تتعرض لها سوريا منذ أربع سنوات، وميزانية لتلبية إحتياجات العسكرالذين توكلوا بها، من مؤن وعتاد بالإضافة إلى إعالة أسرهم. وإذا أخذنا بعين الإعتبار بأن رحى الحرب لا تدور في سوريا فقط ولكن في العراق ومصر وليبيا واليمن أيضا، يحق لنا أن نفترض بأن خطة هذه الحرب تشمل هذه الأقطار مجتمعة. ينبني عليه أن واضعيها يعملون على الأرجح لحساب الولايات المتحدة الأميركية.

مجمل القول أن «داعش» ليست جرم نيازك سقط من الفضاء. بمعنى آخر يوجد بالتأكيد جهات تمدها باستمرار بما يلزمها لتأمين قوام جيش جرار إستطاع السيطرة في وقت قياسي على مناطق تسكنها أكثرية سنية في العراق وسوريا، حيث سارع إلى تطبيق سياسة التطهير العرقي والمذهبي والديني. إستنادا إليه لم يأت هجوم «داعش» من عدم. بل أكاد أن أجزم بأنه أتى إستجابة لإشارات خضراء أرسلتها أكثر من جهة. الغاية ليست الدين، وإنما الدولة الدينية والدولة الإثنية، قياسا على الدولة اليهودية! لا شك في أن أصل الإنتصارات والإنجازات التي حققتها داعش على الأرض هو في ما حصلت عليه من تسليح وتموين ومساندة تفوق الأموال التي تـُركت في ظروف يعتريها الغموض، في مصارف الموصل وكمية العتاد الذي استولت عليه «داعش» في المواقع التي أخلاها جنود الجيش العراقي الجديد. في كل يوم تحمل إلينا وسائل الإعلام خبرا مختلفا عن نشوء «داعش»، عن معسكرات التدريب في الأردن، عن دور كل من مجلس التعاون الخليجي والحكومة التركية في رعايتها.

لا يسعنا حيال هذه المسألة إلا أن نأخذ بواحدة من الفرضيتين : اما أن الحرب ضد «داعش» متوقفة أو «مجمدة»، وبالتالي فإن «داعش» مكتفية ذاتيا، عسكريا ومعيشيا، على حساب السكان المساكين. واما أن الحرب ضد «داعش» مستعرة وبالتالي فإن الأخيرة تتلقى بشكل متواصل، الإمدادات عن طريق تركيا من مجلس التعاون الخليجي وتركيا والولايات المتحدة الأميركية. علما أني أميل إلى القول بأن المواجهة «مجمدة»، إذا استثنينا، المناوشات التي نسمع عنها هنا وهناك. أغلب الظن أن القصد من ورائها هو تثبيت خطوط الهدنة. إذا صحت هذه الفرضية، يكون التقسيم قد صار معطى قابلا للتنفيذ على المدى المنظور. ليس بالضرورة برضى الشعوب أو القبائل والطوائف المعنية، ولكنه مفروض فرضا من القوى الإقليمية والدولية التي أطلقت «داعش». وإذا أخذنا بالحسبان أن الطيران الحربي التابع لهذه القوى الأخيرة، بالإضافة إلى طيران دولة المستعمرين الإسرائيليين، يستبيح في الراهن أجواء العراق وسوريا بحجة مطاردة «الإرهاب».

مَن هي القوى التي لم تمارس الإرهاب؟ نحن في عالم يهيمن عليه الإرهابيون. هل نحن مجبرون أن نطرب ونرقص كلما غنت الولايات المتحدة الأميركية. الا يعني هذا كله ، أن ميزان القوى يميل لغير صالح الشعوب، بفضل أمراء الخليج وحكام تركيا الذين يستخدمون الدين وأموال النفط في خدمة المستعمرين ؟ ألا يتطلب ذلك مواصلة الصمود والمقاومة والعمل على توعية الناس وإقناعهم بأن الوطن هو ضرورة دائمة، حاضرا ومستقبلا. فهو لا يُشترى ولا يُباع. من يضيع وطنه يغرق في مياه البحر!

(الديار)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى