سوريا تتحفّظ على المراقبين الدوليين في حلب محمد بلوط
جواب سوري أولي على خطة المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا لتجميد القتال في حلب، ومحاولة أميركية من جنيف لاختراق الجهود الروسية من أجل عقد لقاء تشاوري للمعارضة والحكومة السورية في موسكو.
فخلال ساعات يتسلم نائب المبعوث الأممي رمزي عز الدين من نائب وزير الخارجية السورية فيصل المقداد، رداً سورياً أولياً على الخطة التي تقدم بها دي ميستورا لتجميد القتال في حلب.
وأبدت مصادر سورية جملة من الملاحظات ستكون في صلب الرد الذي سيتبلغه الديبلوماسي المصري من المقداد، تشير بشكل خاص إلى الفرق بين ما تسلمته دمشق من خطة مكتوبة، والأفكار التي قدّمها دي ميستورا إلى الرئيس بشار الأسد خلال لقائه به قبل شهر في دمشق. ويعتقد السوريون أن عدم انخراط الديبلوماسي المصري في صياغة الخطة لا يساعد في تقدم النقاش حولها.
وكانت دمشق قد أبدت موافقة أولية على تلك الأفكار، ووعدت بدراستها، شريطة أن تتبلور في خطة واضحة. وتقول مصادر سورية إن دمشق لا تزال تنظر إليها بصفتها مجرد اقتراحات وليست خطة ناجزة، وهذا ما سيبحثه عز الدين مع المقداد، فضلاً عن الحاجة إلى المزيد من التعديلات وموافقة الطرفين.
ويأخذ السوريون على مهمة رمزي عز الدين عدم حملها جواباً بالموافقة أو الرفض من قبل المعارضة المسلحة، التي التقى دي ميستورا بعض من وافق من قادة الفصائل المعارضة على لقائه، مثل «مجلس قيادة الثورة» الذي يترأسه قيس الشيخ، الذي لا يشمل تمثيله إلا فصائل متواضعة، وتغيب عنه القوى الأساسية في الشمال مثل «الجبهة الإسلامية»، و»جيش المجاهدين»، وما تبقى من ألوية «الجيش الحر» في المدينة التي ترفض تجميد القتال. وكانت المجالس العسكرية للمعارضة المسلحة و»الجيش الحر»، لا سيما في الجنوب، تطالب مجالس الشمال الحلبي برفض الخطة من أساسها.
وتنظر دمشق بتحفظ شديد إلى اقتراح إيكال مسؤولية المعابر بين الحلبين، الشرقية والغربية، إلى المراقبين الدوليين، لأنه يفتح الباب لوضع تسوية محلية، تحت قرار دولي، سيكون عرضة لمناورات أميركية وفرنسية في مجلس الأمن، والى تدخل تحت مظلة القرار الدولي في المسار السياسي في الشمال.
ولا تميل دمشق إلى فكرة إحياء بعثة الجنرال روبرت مود، التي حلها قرار أممي بضغط أميركي وسعودي بشكل خاص، للتخلص من مجموعة المراقبين آنذاك، والتي بدأت تعمل بنجاح جزئي على تثبيت وقف موضعي لإطلاق النار. ويفضل السوريون أن تتولى المعابر، ومراقبة خطوط وقف القتال المجمّد، بعثة الأمم المتحدة في دمشق بعد توسيع عديدها في المرحلة الأولى، ويرفضون أي وجود عسكري أجنبي في المدينة تحت أي مسمّى من المسمّيات.
لكن التحفظات السورية تذهب بشدة نحو ما ورد في الخطة المقدمة إليهم، بإمكانية توسيع دائرة تجميد القتال من حلب المدينة، إلى خارجها، من دون الإشارة بوضوح، ما إذا كان ذلك يعني توسيع العملية لتشمل الريف الحلبي. ويرفض الجانب الحكومي السوري أي اقتراح بالتوسيع يتجاوز حلب المدينة، فيما يتحدث الجانب الآخر، عن حلب الإدارية، الأوسع مساحة، والتي قد تشمل الريف وصولاً إلى المعابر مع تركيا، في باب الهوى. كما ينظر بحذر إلى اقتراح بتسليم إدارة المدينة إلى «مجلس أعيان» محلي، بدلاً من إعادتها إلى الإدارة السورية، لتفعيل الخدمات فيها، في المرحلة الثانية من الخطة، بعد تجميد القتال.
ويرى السوريون في اقتراح توسيع التجميد في ما يتعدى حلب، الذي تبدو غاياته عملية في الظاهر لغماً كبيراً يؤدي إلى إقامة منطقة عازلة في نهاية المطاف، كما تطمح تركيا عبر ربط الخطة بأي قرار دولي يستقدم مراقبين دوليين، تنشأ عنه خطوط تجميد للقتال، تتحول فعلاً إلى منطقة عازلة.
وتأتي اقتراحات بتمويل خارجي للمنطقة المجمدة، التي ابلغها عز الدين، وتحدّث عنها بيان الاتحاد الأوروبي أمس الأول في إطار استراتيجيته السورية، لتزيد من خشية دمشق، أن تتحول تلك المناطق إلى إدارة ذاتية، تتبع مباشرة إلى الممولين الخارجيين، وتبعد الإدارة الحكومية في دمشق عنها، وتفضي في النهاية إلى تقسيم غير معلن، خصوصاً أن تركيا ستعمد إلى دفع النازحين إليها، وتثبيت قواعد للجماعات المسلحة فيها وتوفير خطوط إمداد «شرعية» تحت رقابة دولية.
وكان عز الدين، بحسب مصادر سورية، قد نصح مَن التقاهم في دمشق بانتهاز فرصة وجود تمويل خارجي للموافقة على الخطة، وتبنيها لدعم عملية إعادة إعمار في المنطقة المجمّد القتال فيها.
ورغم أن دي ميستورا لا يزال يعمل في المنطقة الرمادية، بتجنب حمل خطة ناجزة، والتحدث عن أفكار، واستراتيجية البناء من تحت إلى فوق، وعدم الالتزام بخطة مكتوبة، إلا أن استراتيجيته بدأت تصطدم بعقبات من فوق، باتضاح الحاجة إلى مظلة مجلس الأمن واستصدار قرارات تتيح التدخل في الشمال السوري، قد تواجه «فيتو» روسياً. كما تفتقد الخطة إلى دعم المموّلين الرئيسيين للمعارضة، من الدول الخليجية وتركيا. وقد يكون دي ميستورا قد خطا إلى الأمام في إقناع السعوديين بأفكاره، بعد اجتماع بالأمس في الرياض، دام أكثر من ثلاث ساعات مع وزير الخارجية سعود الفيصل. ويعكس مجرد قبول السعوديين باستقباله، بعد امتناع مديد، وطول الاجتماع، اهتماماً من مموّل المعارضة المسلحة السورية الأول، واحتمال أن يكون طرح أسئلة كثيرة عن تفاصيل تطبيقها.
وعلى صعيد آخر، يعود المشرف الأميركي على ملف المعارضة السورية السفير دانيال روبنشتاين إلى التدخل في العملية الديبلوماسية، التي أطلقها الروس لتنظيم لقاء تشاوري للمعارضة السورية في موسكو، في 15 كانون الثاني المقبل، على ما تقوله مصادر مطلعة في المعارضة السورية.
وأعلن لافروف أن موسكو متفائلة حيال احتمالات تجدد المحادثات بين المعارضة والحكومة السورية في وقت مبكر من العام المقبل. وقال، لشبكة «فرانس 24» الفرنسية، «حتى الآن، ومما نسمعه من غالبية محاورينا من المعارضة ومن الحكومة السورية يمكننا أن نتفاءل بمحاولة تجربة عملية (إجراء المحادثات) في وقت مبكر من العام المقبل على الأقل».
ويحاول روبنشتاين الدخول على خط الجهود الروسية، التي يبذلها نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف لجمع أكبر عدد ممكن من المعارضين حول طاولة واحدة. ويبدو أن الأميركيين قد بدأوا يشعرون بالعزلة في العملية الجارية، وأنهم لم يتوقعوا أن ينجح الروس حيث أخفقوا، وبدأوا بالتراجع تدريجياً عن التفويض الذي منحوه للروس لتنظيم مفاوضات سورية جديدة، على قاعدة «جنيف واحد»، وتعديلات جوهرية في قراءته.
وتقول مصادر ديبلوماسية في باريس إن المعارض قدري جميل، أمين «حزب الإرادة الشعبية» القيادي في «جبهة التحرير والتغيير» المقيم في موسكو، سيجتمع غداً مع روبنشتاين في جنيف، وقد يلتقي بالمعارضَين بسمة قضماني وميشال كيلو.
ويحاول الأميركيون الدفع بالمعارضَين قضماني وكيلو مجدداً إلى الواجهة، وتقريبهما من قدري جميل، الذي يلعب دوراً محورياً في الاتصالات الجارية لعقد المؤتمر التشاوري للمعارضة في موسكو. وكان روبنشتاين قد تدخل شخصياً، قبل أسبوع، لكي يستقبل دي ميستورا المعارضَين قضماني وكيلو، ويعرض عليهما أفكاره عن تجميد القتال في حلب. والراجح أن الأميركيين سيحاولون ضم المعارضين المقربين منهما ومن السعودية إلى العملية الجارية، لضمان حضورهما فيها.
من جهة أخرى، سلم رئيس الحكومة السورية وائل الحلقي الرئيس الإيراني حسن روحاني، خلال لقائه في طهران، رسالة من الرئيس بشار الأسد «تتعلق بتطوير وتنمية آفاق العلاقات الثنائية».
وشدد روحاني، خلال اللقاء، على «وقوف إيران إلى جانب الشعب السوري في محاربته للإرهاب وتعزيز صموده الذي كان ثمرة لتلاحمه مع جيشه وقيادته وعلى رأسها الأسد». وأكد أن «المؤامرات العالمية التي تحاك ضد إيران لن تحول دون استمرار دعمها لسوريا، حكومة وشعباً، ومن الأهمية الإشارة إلى أن من قام بدعم التنظيمات الإرهابية بدأ يدرك أن الدعم العسكري والمالي لهذه التنظيمات لا يمكنه إسقاط القيادة الشرعية في سوريا».
وقال الحلقي، الذي التقى نائب الرئيس الإيراني اسحق جهانغيري وأمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني إن «سوريا تسعى، بالتوازي مع محاربة الإرهاب، إلى تحقيق المصالحات الوطنية وتعزيز قدرات الشعب السوري الاقتصادية».
(السفير)