جنون: أوباما والعقوبات وكيري والفيتو
ناصر قنديل
– العلاقات الروسية الأميركية جسر لا غنى عنه للتسويات والتفاهمات التي تبدو عنواناً رئيسياً للأحداث المتتابعة، بدءاً من هذا الشهر وحتى الربيع المقبل، فلا شيء يبدو في الأفق قادراً على عرقلة بلوغ نقطة التفاهم الأميركي الإيراني، الذي يحمل كل يوم مؤشراً جديداً على الاقتراب من بلوغ خط النهاية، والتفاهم في أوكرانيا قد قطع النقطة الأصعب وهي تثبيت وقف إطلاق النار، بعد شهور من المتاعب والصعوبات ومحاولات الحسم العسكري من جانب حكومة كييف بدعم أوروبي وأميركي، وفي سورية للمرة الأولى تبدو الحكومة السورية وخصومها الدوليين، على ضفاف متقاربة من خطة متواضعة لكن ثابتة، وقد تشكل نقطة بداية لكرة ثلج في مسيرة صناعة التسوية، في الأزمة التي قسمت العالم إلى خندقين متقابلين كادا يصلان إلى الحرب أكثر من مرة.
– بالمقابل القضية الفلسطينية التي شكلت محور صناعة أحداث الشرق الأوسط، مغيبة من التفاهمات والتسويات، لكن الأحداث التاريخية أثبتت أنه مهما جرت عليها من محاولات للالتفاف والتجميد وربط النزاع، لا تزال تشكل القنبلة الموقوتة الدائمة القادرة على التكفل بنسف كل مشاريع التسويات في منطقة الشرق الأوسط، والشرق الأوسط هو ساحة التسويات المرتقبة وخصوصاً في الملف الإيراني النووي والعلاقات الأميركية الإيرانية، والحرب التي أشعلتها واشنطن وحلفاؤها على سورية، وتكاد تبلغ أيضاً المسار التنازلي مع وضع خطة دي ميستورا قيد التطبيق، لكن الأكيد أن كل شيء يجري بناؤه بينما القضية الفلسطينية معلقة على حبال الانتظار من جهة، وعلى مزاجية جرائم قطعان المستوطنين العنصرية من جهة ثانية، والتجاهل الدولي من جهة ثالثة، وقضم الأراضي وتوسيع رقعة الاستيطان وتهويد القدس من جهة رابعة، ويكفي اشتعال شرارة من شرارات الصراع كالتي بدأت مع أي من الأحداث المشابهة التي جرت في العام الماضي وأدت إلى عشرات مناسبات التأزم وحافة الحرب، وفي مرة منها كانت الحرب على غزة، حتى تصير كل التسويات التي تشهد بداياتها التأسيسية منطقة الشرق الأوسط حتى في مهب الريح، فلا إيران ولا سورية تقدران على مجاراة التسويات ومستلزماتها، من مناخات إيجابية مع الأميركيين وحلفائهم الدوليين والإقليميين، إلى الدخول معهم في تفاهمات وتسويات تطاول ملفات متعددة من البحرين إلى اليمن والعراق وصولاً إلى لبنان، ساحة عمل المقاومة وحضورها الأبرز، وهي القوة الأهم في تقاطع العلاقات الإيرانية السورية، وهي القوة الضاربة في الحلف السوري الإيراني، وفي الحرب على الإرهاب موضوع التعاون المرتقب بنتيجة التسويات، والمقاومة أول المعنيين بما يجري في فلسطين، ليصير أشبه بالاستحالة السعي لتسريع التسويات، من دون بذل الجهود الجدية لتبريد السخونة في القضية الفلسطينية وسحب فتائل التفجير ما لم تكن فرص التسويات ناضجة.
– واشنطن هي الطرف المعني بتحصين العلاقة مع روسيا لضمان سلاسة سير التسويات التي تنضج والتي في طريق النضوج، والتي تمثل الشريك الرئيسي المستفيد من توطيد دعائمها، بعدما استنفدت الفرص لفرض نجاح الخيارات الأسهل عليها، وهي خيارات الربح وتسجيل النصر النسبي أو المطلق، بما يحتمل رعايتها لسياسة الضغط على روسيا من جهة من دون أن تلقي تبعات هذه الرعاية، بثقلها على مشاريع التسويات الهشة فتكسر ظهرها، وواشنطن هي المعنية ببذل جهود لتبريد القضية الفلسطينية ووضع الضوابط لمنع انزلاقها، نحو تفجيرات لا يمكن وضع مساراتها تحت السيطرة، وتعرف سلفاً أنها ستتكفل بإطاحة تسويات بذلت جهوداً للاستدارة نحوها، بعدما بلغت محاولاتها ومحاولات «إسرائيل» لفرض معادلات مريحة لهما الطريق المسدود.
– مشكلة واشنطن أنها تريد سلوك طريق جديدة كلياً بالعربة القديمة نفسها المليئة إطاراتها بالثقوب، والمصابة بأعطال بنيوية وقد تسببت بالكثير من الحوادث القاتلة في مناسبات عدة، وفي ظروف أقل خطراً ودقة وحساسية، فتلجأ واشنطن إلى وضع صورتها في مرآة «إسرائيل» من جهة واليمين المتطرف في أميركا من جهة أخرى، معياراً موجهاً لما يجب فعله في القضية الفلسطينية والعلاقة بروسيا، وهذا ما يوصل واشنطن إلى خيارات جنونية مثل ذهاب البيت الأبيض نحو تصديق قانون العقوبات الذي أصدره خصوم الرئيس باراك أوباما لعرقلة مشاريع التسويات، وفي بال أوباما أنه يقبل التحدي فيوقع القانون وفقاً لحسابات المزايدة الانتخابية، ويرسل وزير خارجيته جون كيري إلى نظيره الروسي سيرغي لافروف يطمئنه أن «الرئيس لن يستخدم القانون ويتمنى أن لا تقدموا على ردود أفعال افتراضية، وتربطوا أي رد بتطبيق عقوبات وليس بإصدار إجازة لن يستخدمها الرئيس»، فيما يذهب كيري للفلسطينيين بدلاً من «الإسرائيليين» ويهددهم ويقول إن حكومته ستستخدم الفيتو إذا قدم مشروع القرار كما هو، ومن تحت الطاولة يمرر لهم أن حكومته تسعى لتعديل المشروع بصيغة تفرض روزنامة تفاوضية على «الإسرائيليين»، والمطلوب منهم تفهم تهديده لأنه لإرضاء الرأي العام الذي يتأثر بالحملات «الإسرائيلية» في زمن الانتخابات.
– السلوك الأميركي الأرعن مبني على عنجهية فات زمانها، وقد يهدد التسويات الرخوة بالتفتت والذوبان قبل أن يتصلب عودها.
(البناء)