السعودية وسياسة الحَرَد المستجدة…. د. ليلى نقولا الرحباني
لأول مرة في تاريخها تنتخب المملكة العربية السعودية لشغل مقعد غير دائم في مجلس الأمن، إلا أن المملكة اعتذرت عن قبول العضوية وبررت اعتذارها بما أسمته “فشل” المجلس في التعامل مع قضايا المنطقة الراهنة، بالاضافة الى ” أن أسلوب وآليات العمل وازدواجية المعايير الحالية في مجلس الأمن تحول دون قيام المجلس بأداء واجباته وتحمل مسؤولياته تجاه حفظ الأمن والسلم العالميين على النحو المطلوب، الأمر الذي أدى إلى استمرار اضطراب الأمن والسلم واتساع رقعة مظالم الشعوب واغتصاب الحقوق وانتشار النزاعات والحروب في أنحاء العالم .”
ولعل البلدين الوحيدين اللذين أبديا تفهمًا للموقف السعودي كانا تركيا وفرنسا. وإن كان الموقف التركي لا يعدو كونه نوعًا من تبييض الوجه والكلام الذي لا يقدم ولا يؤخّر، فإن الموقف الفرنسي يشير الى حدّ كبير الى “ازدواجية معايير” فرنسية أيضًا، فإن كانت فرنسا تتفهم وتؤيد الأسباب وراء الاعتذار السعودي، فمن الأجدى لها أن تعتكف هي أيضًا عن المشاركة في جلسات مجلس الأمن الى أن يتم اصلاحه.
والحقيقة، إن الأسباب الواردة في بيان الخارجية السعودية، لا تبدو مقنعة خاصة أن ما اعتبرته السعودية “إخفاقات مجلس الأمن” هي ليست بجديدة بل هي مستمرة منذ تأسيس الأمم المتحدة، ولم تعترض السعودية عليها من قبل. بينما يمكن تحليل الأسباب التي تدفع السعودية الى القيام بذلك ما يلي:
قرار سعودي بممارسة سياسة “الحَرَد” تضاف الى قرار سابق بإفشال أي تسوية للحل في منطقة الشرق الأوسط لا تأخذ بعين الاعتبار مصالحها ونفوذها الاقليمي. ويمكن تشبيه السياسة السعودية الحالية بسياسة “الطفل الذي يريد أن يقتص من والديه بالامتناع عن الأكل، وإحراق المنزل“.
لعل سياسة الحرد السعودية كانت قد تجلت سابقًا، في امتناع وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل عن عدم إلقاء المملكة كلمتها أمام اجتماع الأمم المتحدة الشهر الماضي، ولم يقبل بتوزيع الكلمة حتى، مما أثار استياء مساعد الأمين العام للأمم المتحدة جيفري فيلتمان، وتوجيهه كلامًا قاسيًا بحق السعوديين.
ويحرد السعوديون اليوم، لأنهم ببساطة يعتبرون أنفسهم قد تعرضوا لخديعة كبرى من قبل الأميركيين، فهم قد أدخلوا الى الميدان السوري من الباب العريض، بعد فشل الوكيل الاخواني في القيام بالمهمة الموكلة اليه باسقاط النظام السوري، فاعتقد السعوديون أنهم باتوا قوة اقليمية لا يمكن للأميركيين الاستغناء عنها أو باختصار انهم باتوا الممر الرئيسي لاي اتفاق أو تسوية يمكن أن تحصل في منطقة الشرق الأوسط، وإن الأميركي قد يمهلهم لتحقيق الانجازات الميدانية مدة زمنية كافية كما أمهل المحور السابق.
وقد يكون هذا الوهم هو الذي قاد الامير بندر بن سلطان الى الذهاب الى حد تهديد الرئيس الرئيسي فلاديمير بوتين، معتقدًا أنه يستطيع أن يستعمل مع بوتين سياسة “العصا والجزرة” بأن يغريه بستة عشر مليار دولار وبضمانات نفطية، مقابل تخليه عن بشار الأسد وإلا…. تقويض الأمن القومي الروسي بواسطة المنظمات الارهابية المنتشرة في روسيا والتي تسيطر عليها السعودية، بحسب ما ذكرت التقارير نقلاً عن بندر.
هو الوهم نفسه، الذي أوصل الى محاولة زجّ الأميركيين في مغامرة عسكرية غير محسوبة النتائج في سوريا، كادت تؤدي الى حرب اقليمية ومنها الى حرب عالمية ثالثة، ترقبها العالم بقلق وخوف كبيرين. وهي سياسة الانتقام المميت التي تطرح علامات استفهام كبيرة جدًا حول تزامن حصول سلسلة تفجيرات ارهابية في العراق لم يسبق لها مثيل حصدت خلال عيد الأضحى ما يقارب 250 قتيلاً، وانفجار المعارضة السورية وتناثرها أشلاءً، وتعرّية الجيش الحر وسقوط الائتلاف السوري بالضربة القاضية، وظهور داعش لتقيم دويلة القاعدة على الحدود السورية العراقية وعلى الحدود السورية التركية، وانتشار سيارات القتل المفخخة في لبنان الخ….
إن سقوط الاوهام، وظهور الحقيقة العارية بأن للدول الكبرى مصالحها، وإن الولايات المتحدة الأميركية باتت تجد مصلحتها اليوم في التسوية والحل السلمي وفي التفاهم مع المحور الآخر وعبر وكيله الاقليمي: ايران، وتجاهل الادارة الأميركية لوكلائها السابقين ومصالحهم الخاصة، قد يدفع مجموعة المتضررين الى سياسات عشوائية منها “الحرد” ومنها محاولة تدمير الهيكل على من فيه، أو إحراق المنزل انتقامًا من الوالدين، وهو ما ينبئ بأيام سوداء ستعيشها شعوب المنطقة الى أن تنضج التسوية بشكل نهائي.