النفاق الغربي وخطر الإرهاب
غالب قنديل
ركزت حكومات الولايات المتحدة ومعها شركاؤها الأوروبيون على ما يسمى بخطر ارتداد الإرهاب من سورية والعراق نحو الغرب انطلاقا من وجود آلاف الإرهابيين الذين يحملون جنسيات هذه الدول ويقاتلون في صفوف داعش والنصرة ويرى بعض الخبراء والمحللين الاستراتيجيين ان فلسفة إطالة أمد الحرب على الإرهاب لثلاثين عاما مقبلة تتوخى بين أهدافها الحفاظ على مستوى من التوتر والسخونة في الشرق كمركز جذب متجدد لمعتنقي الإيديولوجيا التكفيرية والمتأثرين بها وبالتالي لمنع ارتداد الإرهابيين أو عودتهم إلى بلدانهم ليشكلوا أجيالا جديدة من منظمات التكفير والإرهاب في أوروبا الغربية والولايات المتحدة وكندا وأستراليا.
أولا الكذبة الكبرى في مزاعم الغرب هي تغييب حقيقة ان تدفق الإرهابيين الأجانب إلى سورية بالذات قد انطلق مع العدوان على سورية ونظمته شبكة من الجمعيات الإسلامية المرخصة التي يديرها عناصر وكوادر من تنظيم الأخوان المسلمين بدعم وتسهيل من أجهزة المخابرات الغربية وبتمويل قطري سعودي تعرف عنه الكثير الجاليات العربية في تلك البلدان كما تعرف مظاهر تقديم تسهيلات إعلامية وحمايات أمنية لتلك الجمعيات بهدف تصعيد العدوان على الدولة الوطنية السورية تحت عنوان “دعم الثورة ” وهي واقعيا تشبه ما حظيت به حملات الحشد إلى أفغانستان في أواخر القرن العشرين.
من معالم تلك الكذبة الغربية أن الدعاية التكفيرية والحض على الإرهاب والقتل هي مضمون ما تبثه شبكة من القنوات الفضائية التكفيرية عبر يوتيلسات وعربسات وغيرها من شركات الأقمار الصناعية الدولية وبعضها مرخص في بريطانيا العظمى ويواصل العمل حتى اليوم ويعاد توزيع جميع تلك القنوات بخدمات الكابل في جميع انحاء دول الغرب وهي مستمرة في عمليات التعبئة والتحريض تحت الحماية الغربية بينما حكومات الغرب تطارد القنوات الفضائية السورية وما تزال تفرض عليها العقوبات وتحاصرها ماليا وقانونيا وتقنيا.
ثانيا مصدر خطر ارتداد الإرهاب إلى دول الغرب هو خروج الإرهاب عن السيطرة الغربية سواء بالنسبة لمنظمتي داعش والنصرة في سورية أم بالنسبة لشبكات الحشد في الولايات المتحدة وأوروبا ومن الواضح أن الخشية المتصاعدة من انفلات داعش ناتجة عن قدراتها المالية المتضخمة وعن اتساع سيطرتها على الأرض في العراق وسورية على السواء كما قال باراك أوباما ومعاونوه.
حتى اليوم لم تتخذ حكومات الغرب خطوات جدية لمحاصرة مصادر الخطر الحقيقية وهي ما تزال تراهن على لعبة احتواء عقيمة والدليل البسيط ان اجهزة الأمن والقضاء الغربية تعالج النتائج فهي تطارد الخلايا الناشطة والعناصر العائدة ولكن الجمعيات المتورطة ومراكز الحشد والتجنيد والقنوات الفضائية والمواقع الإلكترونية المتورطة ما تزل مستمرة في عملها بدون الحد الأدنى من العرقلة أو الاعتراض .
بالقدر ذاته يستمر تدفق الأموال إلى داعش والنصرة عن طريق شبكات الدعم الخليجية ومن مافيا النفط والمال العثمانية الشريكة في نهب النفط السوري والعراقي وعبر شبكات تهريب لم تنل من آلاف الغارات التي يتباهى بها أوباما وحلفاؤه طلقة واحدة .
ثالثا النفاق الغربي يقوم على محورية الاستعمال المستمر للإرهاب وتكبير المخاطر لتعظيم الأثمان وبالنسبة للقوى الاستعمارية الغربية يمثل التصدي لخطر الإرهاب عنوانا لمحاولات تجديد الهيمنة واستنزاف القوى الحية الصاعدة والمستقلة كما هي الدولة الوطنية السورية التي عرقلت الحرب العدوانية عليها طريقا واعدا من الصعود والتقدم في شتى المجالات وهي تمثل نموذجا مهما في الاستقلال الوطني والتنمية والاكتفاء الاقتصادي وبأي حال فإن المكسب الاستعماري المضمون هو استنزاف هذه الدولة وتاخير مسارها الحضاري الاستقلالي والحد من مخاطر طموحاتها ودورها على منظومة الهيمنة الاستعمارية وعلى إسرائيل بصورة خاصة.
سيكون خطر الإرهاب التفكيري الذي احتضنه الغرب وعملاؤه لتخريب سورية تهديدا متواصلا لتقدم سورية في السنوات المقبلة بحيث باتت إعادة البناء الاقتصادي والاجتماعي والإنساني أساس الأولويات الوطنية ويكفي النظر إلى ما حل بالنظامين الصحي والتعليمي المتقدمين جدا من خراب وخسائر وهما من أخطر معايير التقدم الحضاري ومؤشراته في العالم المعاصر.
تحت شعار الحرب على الإرهاب يجني الغرب الاستعماري حصاده من صفقات السلاح وتأجير الخبراء ويزرع المزيد من القواعد العسكرية ليعزز فرصه في السطو على المزيد من الثروات بينما يقوم بتحويل ملايين النازحين إلى مادة استغلال بشعة في الأسواق السوداء للعمالة والدعارة وتجارة البشر ومافيات الإغاثة الدولية وهو يحتوي هزيمته في سورية بواسطة الفصائل القاعدية التي هي ثمرة متحولة لجيوش المرتزقة الذين سماهم ثوارا كما سبق أن سمى أصول طالبان بأبطال الحرية في أفغانستان .