بوغدانوف يحصل على موافقة سورية لاجتماع موسكو محمد بلوط
بدمشق والرئيس السوري بشار الأسد، يختم نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف جولة استطلاع ومشاورات، عكست الإيقاع السريع للديبلوماسية الروسية لإحياء المسار السياسي في سوريا.
بوغدانوف يحصل على موافقة سورية لاجتماع موسكو
محمد بلوط
وكان بوغدانوف قد عاد من موسكو إلى بيروت، بصورة مفاجئة، بعد أن غادرها قبل ساعات للتوجّه إلى دمشق، حاملاً رسالة شفهية من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الأسد.
وتعكس رحلة الذهاب والإياب السريع بين بيروت وموسكو ودمشق، والاستعجال الروسي لتحديد موعد لانطلاق مؤتمر حوار سوري – سوري على قاعدة «جنيف واحد»، توجساً من أن يؤدي تعدد مشاريع المناطق العازلة، إسرائيلياً في الجنوب، وتركياً في الشمال، وانفراد الولايات المتحدة بإدارة التحالف ضد الإرهاب في سوريا، من خارج الشرعية الدولية، إلى التمهيد لعمل عسكري ضد الجيش السوري، أو تقسيم سوريا.
وبحسب مصادر سورية مطلعة، حمل مبعوث بوتين إلى الشرق الأوسط، موعداً أولياً في كانون الثاني المقبل في موسكو، وافقت عليه دمشق، لكي يلتئم اجتماع ممثلين عن المعارضة السورية، يحدد العناوين المشتركة لما ينبغي بحثه في اجتماع ثانٍ مع ممثلين عن الحكومة السورية.
وكان الروس يطمحون إلى تحديد موعد للمؤتمر قبل نهاية العام الحالي، لوضع خطوة عملية في الطريق نحو إحياء عملية جنيف. وجرى طرح السابع عشر من كانون الأول الحالي موعداً لجمع المعارضين في موسكو، يليه اجتماع معارض وحكومي في التاسع عشر، إلا أن المشاورات مع الحكومة السورية ومع بعض أقطاب المعارضة، لا سيما «الائتلاف الوطني»، والحاجة إلى استكمال المشاورات بلقاءات إضافية، لتحديد أسماء المشاركين، وعناوين البحث، دفعت إلى تفضيل كانون الثاني موعداً جديداً للقاءات موسكو.
وقالت مصادر سورية إن الموفد الروسي تحدث عن الأوضاع الإقليمية، وعن المشاورات التمهيدية التي أجراها مع الأطراف كافة، وأوضح أن الأمور لم تنضج بعد للذهاب بسرعة إلى لقاء في موسكو. ولم يقدم بوغدانوف تصوراً كاملاً للقاءات موسكو، حيث لم يتحدث عن أسماء المشاركين ولا الوفود، لكنه أكد على الطابع السوري للحوار في موسكو، واقتصار الدعوات على السوريين وحدهم وتجنب دعوة الدول والقوى الإقليمية على هامش المؤتمر، كما حدث في جنيف، وأن لا حاجة لحضور إيران وقطر وتركيا والسعودية أو فرنسا وبريطانيا. وقالت مصادر غربية إن الأميركيين والروس قد وصلوا الى مرحلة متقدمة في التشاور على اسماء المعارضين الذين سيشاركون في اجتماع موسكو. واضافت ان الاميركيين سلموا الروس لائحة ببعض الاسماء التي يرغبون بان تشارك في الاجتماع وان الديبلوماسيين الروس قاموا بنقلها الى السوريين الذين وافقوا على بعضها واعترضوا على اسماء اخرى، مما أدى الى تحديد موعد الاجتماع في موسكو.
والأرجح أن الروس قد وضعوا لغماً مسبقاً في مؤتمر موسكو، بدعوتهم «الائتلاف» خلال لقاء بوغدانوف بـ15 شخصاً منهم في اسطنبول، تقدمهم رئيس «الائتلافيين» هادي البحرة. وبحسب مصادر عربية في موسكو فقد عاد بوغدانوف من اسطنبول بانطباع سيئ، بعد أن رد «الائتلافيون» على دعوتهم إلى موسكو باشتراط المشاركة ككيان مستقل ومحدد وليس كشخصيات، وإشراكهم في تنظيم المؤتمر. وبعبارة أوضح لا يزال «الائتلاف السوري»، الذي اضمحل دوره بسبب خلافاته المالية والسياسية، وتراجع دوره، يعتقد أنه القوة الأساسية في المعارضة السورية، ويسعى إلى فرض شروطه على الآخرين، وإدارة العملية بحجة حيازته اعترافاً دولياً بتمثيله المعارضة والشعب السوري، كما انه لم يستخلص دروس فشله في توحيد المعارضة.
وأحدث المؤشرات على تهاوي مكانة «الائتلاف» إلغاء رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الأوروبي المر بروك موعداً مع البحرة في 17 كانون الأول، كما ألغي لقاء مقرر له مع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في الفترة ذاتها.
ويتساءل ديبلوماسيون أميركيون في باريس عن معنى لقاء بوغدانوف نفسه بـ»الائتلافيين»، ومحضهم فرصة إعادة تأهيلهم، وبعض الأوكسجين الديبلوماسي. وتبدو الشروط «الائتلافية» غير قابلة للتصريف روسياً، إذ أنها تأتي في غير وقتها، ولأن «الائتلاف» سبق الجهد الروسي بالتصعيد ديبلوماسياً، والمطالبة، ليس بمنطقة حظر جوي واحدة في سوريا، وإنما بثلاث في الشمال والقلمون والجنوب.
وتقول مصادر عربية إن بوغدانوف أبلغ «الائتلافيين» أن حضورهم الوحيد المقبول سيكون كشخصيات، وليس كممثلين لأي كيان سياسي ليس مقبولاً، وابلغ دمشق أن الاجتماع في اسطنبول لم يكن بناء، وان «الائتلاف» لا يزال يدرس الموقف، لكنه لا يعتقد أن البحرة سيأتي إلى اجتماع موسكو.
ويسعى الاستعجال الروسي لإحياء المسار السياسي إلى تقديم صيغة «جنيف واحد» قاعدة للنقاش، مع تعديلات واضحة، لا سيما في ما يتعلق بالتزامات مكافحة الإرهاب، التي لم يلحظها جنيف بشكل تفصيلي، لتأخرها عندما وضع البيان في حزيران العام 2012، على اتساع ظاهرة تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» – «داعش» وصعود «جبهة النصرة»، كقوة قتال رئيسة ضد الجيش السوري، ودخوله الحرب على العراق، وتهديده لبنان، وتغير الأولويات الأميركية من إسقاط النظام إلى مكافحة الإرهاب.
ويتجه الروس إلى طلب التوسع في هذه النقطة، للنص على عدم الحق بالانفراد في مكافحة الإرهاب، لسحب ورقة التدخل الأميركي في سوريا من التداول، وضمان عدم تدخلهم في سوريا عسكرياً، وإعطاء الدور الأساسي للجيش السوري، وتحديد أدوار الآخرين.
وقالت مصادر سورية إن بوغدانوف لم يقدم أي تصور لأي حكومة انتقالية أو إنقاذية، كما لم يجر النقاش بأي أسماء مرشحة لإدارة الحكومة السورية المقبلة. ويحاول الروس استعادة العملية السياسية برمتها إلى سوريا، وتقوية عناصر الحل الداخلي على حساب القوى الإقليمية، عبر الاستناد أكثر فأكثر إلى المعارضة الداخلية من «هيئة التنسيق» و»تيار بناء الدولة»، وبعض العناصر المعتدلة في المعارضة الخارجية لعزل المتطرفين.
خطة دي ميستورا
وعلى سكة الحلول المقترحة سوريا، ينتظر السوريون اليوم الحصول رسمياً، على خطة المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، لتنفيذ اقتراحه القاضي بتجميد القتال في حلب. ومن المنتظر أن يبدأ نائبه رمزي عز الدين اجتماعاته الدمشقية مع المسؤولين السوريين، لعرض آليات الخطة.
والأرجح أن تصطدم مهمة عز الدين في دمشق بالانطباعات غير المشجّعة التي تركتها لقاءات دي ميستورا في غازي عينتاب، خلال اليومين الماضيين، مع قادة المعارضة، رغم ما قالته المتحدثة باسمه جولييت متى، عن إيجابية تلك اللقاءات.
ورفعت المعارضة في اللقاء مع دي ميستورا، الباحث عن اختراق ديبلوماسي، سقف مطالبها للقبول بتجميد القتال. ورفض ممثلو الفصائل لقاءات منفصلة مع الوسيط الدولي، وأوعزوا إلى رئيس «مجلس قيادة الثورة» قيس الشيخ التعبير عن موقفهم.
وقال مسؤول سوري معارض، شارك في لقاء غازي عينتاب، إن الفصائل وافقت مبدئياً على تجميد القتال، لكنها اشترطت توسيع تجميد القتال، من حدود مدينة حلب ليشمل الأرياف الحلبية، وصولاً إلى معبر باب الهوى مع تركيا. وجلي أن الفصائل المعارضة تفضل توسيع العملية، لكسب الوقت والتقاط الأنفاس، وتأمين خطوط إمدادها مع تركيا، ووضعها تحت حماية خطة دي ميستورا، والحصول على منطقة عازلة في نهاية المطاف، دونما حاجة إلى قرار دولي، وإدارة المناطق التي سيجمّد فيها القتال، على ما يقوله الاقتراح نفسه، عن إدارة المناطق المجمدة، من قبل القوى المشرفة عليها.
وجلي أيضاً أن رد المقاتلين على الوسيط الدولي سيضعه في مأزق كبير مع دمشق. وبحسب أحد المشاركين في الاجتماع فقد رد دي ميستورا على طلب التوسيع بأنه لم يبحث مع الأسد سوى فكرة تجميد القتال في حلب نفسها، وأنه سيرسل عز الدين إلى دمشق لعرض اقتراحهم، وإذا ما وافقت دمشق عليه فإنه سيعود لعرض الآليات التنفيذية للاقتراح والتقدم بخطة أوضح.
ومن المستبعَد أن تقبل دمشق بتوسيع منطقة تجميد القتال لتشمل كامل الريف الحلبي، إذ يتعارض ذلك بقوة مع تحقيق تقدم ميداني، وقرب إغلاق الجيش السوري فكي الكماشة على حلب الشرقية المعارضة، حيث تقترب وحداته من محاصرة المدينة، وإقفال خط الإمداد الأخير المتبقي للمعارضة في الكاستيلو. كما أن تجميد القتال ومدّه حتى الحدود، من دون تنفيذ القرارين 2170 و2178 بوقف تدفق السلاح والمسلحين، من تركيا نحو سوريا، يعني منح المعارضة المسلحة السورية منطقة لهم، أو إمارة إسلامية عمقها تركي، في الشمال الذي تسيطر عليه جماعات أكثرها «قاعدي»، مثل «أحرار الشام»، و»النصرة»، و»جيش المجاهدين والأنصار»، أو «لواء التوحيد» ذي المنبت «الإخواني».
(السفير)