التعديل الوزاري في السعودية: عين على الداخل المضطرب وأخرى على صراع النفوذ عامر نعيم الياس
أصدر الملك عبد الله بن عبد العزيز في الثامن من الشهر الجاري، «أوامر ملكية» بتعديل وزاري كبير، شمل عدداً من الوزارات منها: الصحة، والشؤون الإسلامية، والتعليم العالي، والزراعة، والاتصالات، والشؤون الاجتماعية، والنقل.
وبموجب الأوامر الملكية، عُيّن سليمان أبا الخيل وزيراً للشؤون الإسلامية، مكان صالح آل الشيخ، كما عُيّن عبد العزيز الخضيري وزيراً للثقافة والإعلام، ليحل محل عبد العزيز الخوجة الذي أعفي من منصبه قبل شهرين لإغلاقه قناة «وصال الفضائية» بسبب مساهمتها غير المباشرة في أحداث الأحساء الطائفية في المملكة وفقاً للوزير المقال، والتي عادت واستأنفت بثّها بعد يومٍ واحدٍ على قرار إغلاقها، وهو ما يشير إلى النفوذ الكبير الذي تتمتع به المؤسسة الدينية في المملكة والتي تعمل على الدفع بالتحريض المذهبي إلى مستويات عليا بهدف داخلي بالدرجة الأولى، يهدف إلى احتواء الجناح المتشدد من الوهابيين داخل المملكة، سواء على مستوى القاعدة الشعبية أو على مستوى النخب المنضوية تحت جناح المؤسسة الدينية، الشريك الأساس لآل سعود في الحكم.
وفي موازاة الرضوخ لنفوذ هذه المؤسسة وإقالة الخوجة، عمد العاهل السعودي إلى اتخاذ خطوة معاكسة، مرسلاً رسائل ضمنية إلى المؤسسة الدينية بقدرته على الحفاظ على التوازن بالاتجاه المعاكس عبر وزارة الشؤون الإسلامية التي شمل التعديل وزيرها من عائلة آل الشيخ الشريك الأساس لآل سعود في حكم المملكة.
وهنا يقول سايمون هندرسون مدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن، إن «وزير الشؤون الإسلامية المنتهية ولايته والذي ينتمي إلى عائلة آل الشيخ ذات الروابط الأسرية الكبيرة والمحافظة جدّاً والتي تتمتع بتأثير واسع النطاق، لم يستبدل بوزير آخر من عائلة الشيخ، وهذا يعني أن أيّ عضو من هذه العائلة لا يشغل مناصب وزارية للمرة الأولى منذ عقود».
أما في ما يتعلّق بالوزارات الأخرى، فإن تغيير وزراء مختصين بالشؤون الخدمية مردّه إلى امتعاض الرأي العام السعودي من أداء هذه الوزارات الخدمي. فوزير الصحة المقال تلقى عدداً من الانتقادات حول فشله في السيطرة على انتشار فيروس كورونا الذي يعد الأكثر انتشاراً في المملكة قياساً بالدول الأخرى في النطقة، وهو أمر يرى فيه هندرسون دليلاً على استجابة العاهل السعودي لمطالب الرأي العام «ويسلط الضوء على الدور المحتمل الكبير الذي يمكن أن يلعبه الرأي العام السعودي في التحدّيات التي تواجه الملك عبد الله البالغ من العمر 91 سنة». فهل تكفي هذه الخطوات؟
الواضح أن الباحث الأميركي يحاول الترويج لمرونة الحكم في السعودية، ووجود توجّه جديد في مؤسسة الحكم، لكن واقع الأمور يشي بعكس ذلك. فعلى رغم أن التغييرات تبرز بالشكل تجاوباً مع الرأي العام، إلا أن المناصب الوزارية الحساسة والسيادية في المملكة والتي تخصّ العائلة المالكة لم ينلها أيّ تغيير، والتي تشمل رئيس الوزراء ونائبه والنائب الثاني لرئيس الوزراء ووزارات الدفاع والخارجية والداخلية والحرس الوطني والتعليم والشؤون البلدية، فضلاً عن أن المؤسسة الدينية لم تستهدف في العمق أو حتى على مستوى الصلاحيات، بل ما جرى في وزارة الشؤون الإسلامية استبعاد آل الشيخ من منصب سياسيّ رمزيّ لا يُحدث تغييراً جوهرياً في نفوذ هذه العائلة المتأصل في المؤسسة الدينية المكوّن الأساس الناظم لسياسات المملكة إلى جانب عائلة آل سعود، وبالتالي نحن أمام محاولات احتواء وضرب من تحت الحزام لا تعكس تغييراً بقدر ما تعكس تذكيراً بالخطوط الحمر الناظمة لشكل الحكم وحجم الصلاحيات داخل المملكة الهرمة.
(البناء)