بقلم ناصر قنديل

الرد السوري قادم

nasser

ناصر قنديل

– كثيرون سارعوا إلى التعليق على الغارات الإسرائيلية متسائلين بابتسامة صفراء عن طبيعة الرد السوري، للتأكيد ضمناً أن لا رد آت وأن سورية تلقت الضربة وستواصل الصمت، وهؤلاء طبعاً يريدون ترسيخ صورة لـ«إسرائيل» أنها لا تزال القوة التي تضرب متى وأين تشاء من دون أن تلقى رداً، وأن العرب وإن خرج بينهم من يرفع شعارات المقاومة، فالقاسم المشترك بينهم أنهم وفقاً لوصف رئيس وزراء قطر السابق عندما تحضر «إسرائيل»، فهم كلهم مجرد نعاج.

– يسمح حجم ونوع الحرب التي تتعرض لها سورية بأن يكون لها حساب تقدير خاص، وليس خافياً على العدو والصديق حجم المتورطين في هذه الحرب، من دول عظمى في العالم ربطت مصير زعامتها بنتيجة حربها على سورية كحال أميركا، إلى دول قيادية في المنطقة ربطت مصير نظام حكمها بنتائج هذه الحرب كتركيا والسعودية، لذلك تصير لهذه الحرب والمشاركين فيها ودرجة حشدهم للقدرات لكسر إرادتها، أسباب كافية لتمنح سورية حق تحديد أولويات قتالها وتوظيف قدراتها خارج الوقوع في الحرج والابتزاز، الذي غالباً ما يكون مصنعاً غب الطلب كجزء من جوقة تنطلق مع الغارات لتحقيق ذات الأهداف، كمثل جذب القدرات السورية لحرب استنزاف تؤمن للمجموعات المسلحة فرص التنفس وتمد بعمرها، وهذا هدف غير مخفي لكل مرة تتدخل فيها «إسرائيل» بغاراتها على خط الحرب الدائرة منذ أربع سنوات.

– صلة الغارات «الإسرائيلية» كانت دائماً واضحة لجهة علاقة سورية بالمقاومة، خصوصاً بالتسليح والحديث عن استهداف قافلة سلاح نوعي مخصص لقتال «إسرائيل» تصفه دوائر الغرب و«إسرائيل» بسلاح كاسر للتوازن، وليس سلاحاً من مقتضيات الحرب في سورية وشراكة حزب الله فيها، فيجري الحديث عن صواريخ أرض بحر «ياخونت» أو صواريخ أرض جو «أس أس 300»، وتقرر سورية توظيفها لحساب المقاومة في موازين الردع والحرب مع «إسرائيل»، وهذا إن دل على شيء فعلى درجة حضور الصراع مع «إسرائيل» في عقل القيادة السورية وهي في ذروة الانشغال المصيري بحرب تهدد وجودها وكيانها، من جهة، وعلى حق الشراكة مع المقاومة في تحديد إستراتيجية موحدة للتعامل مع العامل «الإسرائيلي» من جهة ثانية، فلا ينتقص من قوة ومكانة سورية أن يتولى المقاومون الرد مرة والردع مرات، أو أن تتبادل معهم مسؤولية جبهة الجولان أو أن ترسم معهم شكلاً جديداً للمواجهة.

– علاقة الغارات بمسار الحرب في سورية أيضاً كانت دائماً واضحة، فعندما بدا أن المجموعات المسلحة المناوئة للدولة السورية تتمدد في الجغرافيا السورية، لزمت «إسرائيل» الصمت كي تجنب هؤلاء تهمة التعامل معها، واكتفت بقيامهم بتفكيك صواريخ الدفاع الجوي لحسابها وقتل العلماء والطيارين المحترفين، وتدمير مراكز الحرب الإلكترونية المخصصة لمواجهتها، ولما بدأ ميزان الحرب يميل لحساب الجيش السوري، منذ بدء التحضير لمعركة القصير، دخلت «إسرائيل» بأولى الغارات لتقول سقوط القصير خط أحمر، وهي تردد بالنار يومها كلاماً قاله علناً رؤساء أميركا وفرنسا وتركيا وملك السعودية وسواهم، وفي المرة الثانية الشبيهة وفي جمرايا قبيل الهجوم الذي انتهى بسقوط يبرود بيد الجيش السوري، والثالثة كانت على إيقاع الحماية المباشرة لتنظيم «جبهة النصرة» في معارك الجولان كدعم ناري مباشر على خط الحدود، وفي كل مرة كان الرد الحقيقي هو الرد الذي يحسن فهم الرسالة «الإسرائيلية» والتعامل معها بما يجب، فعندما تكون الغارات لرسم خط أحمر حول القصير يصير الرد بالتقدم نحو القصير بحسم وإصرار، وعندما يكون الهدف هو القول إياكم ويبرود يصير الرد بالقول عملياً سقطت يبرود، ولمن يعرفون معنى وموقع الرسائل في الحروب، الغارات تقول لا تقتربوا من القصير ويبرود وإلا… إلا ماذا؟ وإلا الحرب، أي أن «إسرائيل» بالغارات تقول مستعدون للحرب إذا تقدمتم نحو القصير وثم نحو يبرود، وسورية تقول ها نحن نتقدم ومستعدون للحرب، والقرار بالتقدم هنا هو قرار بتحمل تبعات الذهاب للحرب.

– تجربة سورية مع الغارات «الإسرائيلية»، على رغم كل الظلم اللاحق بسورية من كل الذين يريدون إجمالها بموقف عرب النعاج، تقول إنها قالت سترد في الزمان والمكان المناسبين، وردت، واحدة بتفجير يصيب دبابة بعد غارات جمرايا الأولى ويقتل ضابطاً، والثانية بالتزامن مع عملية مزارع شبعا بعد غارات جمرايا الثانية وهي العملية المزدوجة التي قال عنها سيد المقاومة إنها رسالة مفتاح الجليل.

– المكان والزمان المناسبان لم تكن جملة تقليدية رددتها سورية عن طبيعة وموضع الرد وتوقيته، وخصوصاً التوقيت، لأن الدفعة الأولى من الرد كانت بالتقدم نحو القصير ومرة ثانية بالتقدم نحو يبرود وبعد الإنجاز التفرغ للدفعة الثانية من الرد.

– هذه المرة تبدو الغارات مرتبطة بحرب استنزاف لحماية ولادة إمارة لـ«النصرة»، بتغطية وقبول أميركيين، استباقاً لسقوط إمارة «داعش»، ومنعا لاكتمال النصر السوري، والإمارة المقصودة تمتد في الخطوط الحدودية بين لبنان وسورية، وبين سورية والأردن وعلى الحدود الفلسطينية اللبنانية السورية، لتكون جغرافيا متصلة كزنار محيط بدمشق، وتقديم الإسناد الناري اللازم لحماية هذه الإمارة التي تحتضر صار ضرورة قبل الموت السريري، ما لم تحضر «إسرائيل»، ويكفي النظر من مشهد ما يجري في غوطتي دمشق ووصولاً إلى القلمون، وبالتالي فالرد الآتي لن ينتظر إنجاز المهمة بالتقدم نحو الأهداف التي يريد التدخل «الإسرائيلي» حمايتها وحسب، بل بالتزاوج بين نصفي الرد، لأن الحسم هنا قد يستدعي ردع «إسرائيل» عن مواصلة التدخل.

– هذه المرة الرد آت وربما الردع قبل الحسم.

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى