انطلاق الحملات الرئاسية الأميركية وحظوظ وزير الدفاع أمام الكونغرس د.منذر سليمان
انطلقت الاصطفافات السياسية وحملات التبرع المالية مبكرا في المشهد السياسي الاميركي، ويتسابق الراغبون لحجز أمكنة لهم في الانتخابات الرئاسية التي تتطلب تمويلا يصل الى عشرات ملايين الدولارات؛ دشنها السيناتور عن تيار حزب الشاي، تيد كروز، بعقده لقاءات مع ممولين يهود لحملته الانتخابية؛ وكذلك فعل أخرون لضمان التمويل. كما تزاحم البعض الآخر لحشد الدعم الشعبي في ولايات جس نبض الانتخابات للحزبين، وفق التقليد الاميركي: الحزب الديموقراطي في ولاية نيو هامبشير، والجمهوري في ولاية ايوا، استعدادا للمؤتمر السنوي لكليهما العام المقبل .
منذ انفضاض الانتخابات النصفية، تشرين الثاني/نوفمبر، دخل المشهد السياسي الاميركي مرحلة اطلاق العنان للمرشحين والطامعين في منصب الرئيس اطلق عليها “الفصل السفيه،” فضلا عن التقلب السريع في التنبؤ بابرز المرشحين عن الحزبين وحظوظهم. توقيت اعلان المرشحين عن دخولهم الرسمي ينطوي عليه جملة من الاعتبارات والحسابات المتشابكة، ليس اقلها الاستناد الى دعم مالي ثابت؛ والشروع في تشكيل لجان استكشافية لفحص مدى تقبل الجمهور الانتخابي تمتد لبضعة شهور قبل الغربلة الاولى والتدقيق في النتائج يليها اعلان الترشيح.
الحزب الديموقراطي، من جانبه، يضم عددا محدودا من المرشحين والمحتملين: هيلاري كلينتون في المركز الاول، ينافسها كل من: السيناتور عن ولاية فرجينيا جيم ويب الذي عارض قرار غزو العراق ويحملها مسؤولية التصويت على القرار؛ السيناتور اليزابيث وورين المحسوبة على جناح يسار الحزب الديموقراطي؛ وربما الحاكم السابق لولاية ماريلاند مارتن اومالي. تجدر الاشارة الى ان نائب الرئيس جو بايدن “سيتردد قبل دخوله السباق مقابل هيلاري،” كما يسود الاعتقاد بين زعماء الحزب الديموقراطي.
المشهد في جانب الحزب الجمهوري يعج بالطامعين من ذوي خلفيات متباينة وخليط من حكام ولايات حاليين وسابقين، واعضاء في مجلس الشيوخ، اذ بلغ العدد ما يناهز 10 مرشحين. من نافل القول ان البحث التالي سيركز على اهم المرشحين الحائزين على قدر ما من الاجماع وحظوظهم في السباق لحين انعقاد المؤتمر الحزبي واختياره احدهم.
نظرا لكثافة عدد المرشحين داخل اوساط الحزب الجمهوري، وُصِف السباق المقبل بأنه الاغنى في عدد المرشحين الذين يمثلون توجهات متعددة لا سيما تيار حزب الشاي الاشد تطرفا وعنصرية. ابرز المرشحين شقيق الرئيس جورج بوش الابن، جيب بوش، الذي شغل منصب حاكم ولاية فلوريدا بنجاح، ويحسب على التيار المعتدل في الحزب الجمهوري، ويتمتع بالارث السياسي لآل بوش ويحظى بتأييد كبرى شركات الطاقة وصناعة السلاح. في الجانب المقابل، يعرب عدد من المتنفذين في الحزب الجمهوري قلقهم من تجديد “سلالة آل بوش” ووراثة المنصب الرئاسي ولو بالانتخابات.
وكعادة السياسيين والمخضرمين منهم بشكل خاص، يجهد المرشحون لعدم ارتكاب اخطاء بديهية تضر حملاتهم الانتخابية. ولم يشذ جيب بوش عن ذلك، اذ صرح مطلع الاسبوع ان حزبه بامكانه الفوز بمنصب الرئيس “دون الاستناد الى دعم التيار المحافظ داخله،” مما سيشكل شبحا يلاحقه وينذر بعزوف المحافظين عن دعم ترشيحه. على الرغم من تلك المخاطرة، يعد جيب بوش احد اوفر الحظوظ للسباق الانتخابي.
ومن ضمن المرجح دخولهم السباق مرشح الحزب السابق ميت رومني، والذي يُعتقد بان لديه نية جدية لخوض السباق الرئاسي مرة اخرى، خاصة ان اخفق الحزب الجمهوري في فرز مرشح يميل للاعتدال والوسطية.
افرزت التجربة السياسية الاميركية عددا من المرشحين الاكفاء للمنصب الرئاسي من بين حكام الولايات. ومن الشخصيات المرجحة حاكم ولاية تكساس الجمهوري، ريك بيري، المحسوب على تيار يقع بين المعتدلين والمتشددين في الحزب، وشرع في التوجه لشريحة الاثرياء – خاصة في قطاع الطاقة – واستمزاجهم بغية ضمان تدفق الدعم المالي لحملته. جدير بالذكر انه خلف جورج بوش الابن في المنصب، منذ 14 عاما، وباستطاعته استغلال مستوى العيش الرغيد الذي تنعم به ولاية تكساس للدلالة على صوابية برنامجه الاقتصادي. ما يؤرق هذا النجم الصاعد الاتهام القضائي الجاري ضده باستغلال منصبه للتهديد باستخدام حق النقض – الفيتو؛ الذي يعتبرمؤيدوه بان دوافعه السياسية بامتياز ترمي الى وضع حد لطموحاته الرئاسية.
حاكم ولاية ويسكونسن، سكوت ووكر، ايضا لديه طموحات انتخابية سيما لتيقنه من ثقة الناخبين الذين جددوا انتخابه في المنصب مرتين وهو الجمهوري الذي يتربع على اعلى منصب في ولاية اغلبيتها من الديموقراطيين. يصنف ووكر في معسكر المحافظين المتشددين في الحزب عزز سمعته من خلال تصديه الحازم ورفض مطالب النقابات العمالية في الولاية والفوز عليها. من المرجح ان يبقى ووكر ضمن دائرة استهداف النقابات العمالية في طول وعرض الولايات المتحدة في اي جولة انتخابات مقبلة.
الشخصية التي تحظى باهتمام اعلامي معتبر هي حاكم ولاية نيوجيرسي الجمهوري كريس كريستي، الذي يمثل التيار التقليدي الاوسع انتشارا في الحزب الجمهوري، ونال معارضة التيار المحافظ لعدم تأقلمه مع مطالب المتشددين. جدير بالذكر ان ولاية نيو جيرسي تصنف من اشد الولايات معارضة لحرية اقتناء السلاح الفردي، مما سيضع كريستي في عين عاصفة قطاع واسع من جمهور اقتناء السلاح الذي عادة يصوت لمرشح الحزب الجمهوري.
من ضمن حكام الولايات المرجح ترشيحهم، وان بدرجة وصخب اقل، حاكم ولاية لويزيانا بوبي جيندال المتحدر من اصول هندية (اسيوية)، ربما كمرشح لنائب الرئيس كحد اقصى. دخول جيندال حلبة السباق يضعه في موقع استقطاب الناخبين ذوي الاصول الاسيوية، خاصة وان غالبيتهم فقدت الامل بالرئيس اوباما.
كما يرجح انضمام حاكم ولاية نيو مكسيكو الجمهورية، سوزانا مارتينيز، من اصول لاتينية، للسباق الرئاسي استنادا للدعم الواسع الذي تلقته من الغالبية الديموقراطية في الانتخابات الاخيرة لولايتها. مارتينيز ايضا مرشحة محتملة لمنصب نائب الرئيس، اسوة ببوبي جيندال.
لم يتبقى سوى شخصيتين مثيرتين للجدل داخل الحزب الجمهوري: السيناتور راند بول عن ولاية كنتاكي؛ والسيناتور المتشدد عن ولاية تكساس، تيد كروز.
يصنف بول، كما والده السياسي المتقاعد رون بول، بالميل للتيار “الليبرالي” وفق تعريفات الحزب الجمهوري، وهو من انصار الدعم الفاتر “لاسرائيل،” وينادي بتقليص حجم المؤسسات الحكومية المركزية. شعبيته تلقى صدى معتبر داخل اوساط الجيل الشبابي في الحزب الجمهوري. اهم نقاط الضعف لراند بول تتمثل في سطحية تجربته وخبرته السياسية التي ستصبح مادة دسمة للهجوم عليه.
من ميزات راند بول قدرته على توسيع قاعدة الدعم لتضم عددا من التجمعات الديموقراطية والمستقلين، والاوساط الشابة والاقليات. يتعمد بول حضور لقاءات سياسية الطابع تبتعد عن الترحيب بممثل عن الحزب الجمهوري، ويتبنى بعض مطالب القاعدة الديموقراطية، الأمر الذي كلفه استعداء التيار التقليدي المؤسساتي في الحزب.
اما تيد كروز المغرم بالاهتمام الاعلامي وهوس اثارة الفتن والقلاقل داخل مجلس الشيوخ، فنال مقعده بدعم تيار حزب الشاي عام 2012، ويتعين عليه منافسة حاكم ولاية تكساس ريك بيري لكسب الناخبين. واستطاع كروز استعداء التيار التقليدي والمؤسساتي في الحزب باكرا، لا سيما زعيم الاغلبية ميتش ماكونيل، مما قد يشكل ميزة تخدم اهواءه الانتخابية.
السيناتور عن ولاية فلوريدا، مارك روبيو، ذو اصول كوبية، اعرب ايضا عن طموحه دخول السباق الرئاسي وكان على وشك الفوز بدعم تيار مؤثر داخل الحزب لحين اعلان اصطفافه جانب ادخال اصلاحات على قوانين الهجرة، الذي يرفض الحزب الجمهوري اخضاعه للنقاش. من المرجح ان روبيو سيواجه مرحلة قاسية لنيل رضى قيادة الحزب.
الحاكم السابق لولاية اركنساس، مايك هاكابي، من ضمن المرشحين الاقل حظا بالبقاء طويلا في السباق الرئاسي، على الرغم من تأييد قاعدة المحافظين له. يشاطره المرتبة الطبيب بن كارسون الذي تنطح للرئيس اوباما علنا خلال مأدبة افطار جماعية اكسبته شهرة قصيرة الاجل. بيد ان موقفه المؤيد لفرض قيود على اقتناء السلاح الفردي سيضعه في دائرة استهداف التيارات المعارضة الاخرى داخل الحزب. العضو الآخر في تلك القائمة المرشح السابق لمنصب نائب الرئيس، بول رايان.
فوز الحزب الجمهوري باغلبية مناصب حكام الولايات، وتجديد دماء القاعدة الانتخابية وحماس الناشئة سيؤدي الى دخوله السباق الانتخابي بنشاط وحيوية، لاختيار المرشح الافضل لمنافسة هيلاري كلينتون – كما يعتقد.
الحزب الديموقراطي يمر في اوضاع صعبة لا يحسد عليها، ابتداء من خسارته لعدد من مناصب حكام الولايات، وانتهاءاً بالتدهور المستمر لشعبية الرئيس اوباما التي اضحت عبئاً امام اي مرشح يطمح بالفوز باصوات شريحة المستقلين والمترددين من الناخبين. كما لا يجوز اغفال عامل عمر المرشح، اذ يفتقد الحزب الديموقراطي لعنصر فتي يستطيع الهاب حماس القاعدة الانتخابية. السيدة كلينتون، المرشح الاقوى، ستبلغ 69 عاما يوم الانتخابات المقبلة.
عند الاخذ بعين الاعتبار قدرة كلينتون على حشد قطاع المرأة لتأييد ترشيحها، يبرز عدد من نقاط الضعف: قطاع الناخبين المستقلين لا يكن لها الود، دل عليه خسارة بعض المرشحين الذين دعمتهم علنا في الجولة الماضية. كما انها ضحية زلات لسانها المتعددة، خاصة اثناء جولتها لتسويق كتابها الجديد مطلع العام الجاري التي اعتبرت كارثة بطل المقاييس؛ ولم تعد قادرة على استقطاب سوى عدد محدود من الناشطين في حملاتها المتعددة.
من بين ثوابت حملتها الانتخابية المرتقبة حضور مميز لزوجها الرئيس الاسبق بيل كلينتون المشهود له بمهاراته الخطابية وجاذبيته في استقطاب الجمهور، بيد ان اعباء سياساته السابقة، وفضائحه ايضا، ستفرض عليها ابقاءه بعيدا عن الانظار؛ فضلا عن نضج الناخبين السابقين قبل 20 عاما الذين ينظرون للزوجين كلينتون كجزء من الماضي وليس من طموح المستقبل المفروض.
لا زال بعض الشخصيات المؤثرة داخل الحزب الديموقراطي غير راضين عن سجلها وادائها. احدهم حاكم ولاية ماساتشوسيتس الديموقراطي الاسود، ديفال باتريك، الذي وصف تلك الاعباء وحتمية ولوج هيلاري كلينتون حلبة السباق الرئاسي بأنها “تثير اشمئزاز الناخبين.” واوضح في مقابلة متلفزة ان “الجمهور الاميركي يطلب، بل ينبغي ان يطالب، مرشحيه نيل المنصب بعرق جهودهم .. واقناع الناخبين بأهلية ترشيحهم للمنصب في الوقت المناسب.”
اشار عدد من استطلاعات الرأي الحديثة الى افول نجم وحتمية ترشيح الحزب الديموقراطي لكلينتون، بينما تفوقت على خصمها الجمهوري المفترض بنسبة ضئيلة لم تتعدى 4 نقاط مئوية. تستند المرشحة كلينتون في تسويق اهليتها لمنصب الرئاسة الى تجربتها “الغنية” في منصب وزيرة الخارجية لاربع سنوات، بيد انها لن تستطيع المجاهرة بانجازات حقيقية ملموسة.
خصم كلينتون المحتمل، لكنه غير مرجح، هو نائب الرئيس جو بايدن الذي يبرز كخلف طبيعي للرئيس اوباما، سيما وان تاريخه حافل بالخبرة سواء اثناء عضويته الطويلة في مجلس الشيوخ او في منصبه الراهن. بايدن ايضا سيبلغ من العمر 73 عاما عشية الانتخابات الرئاسية المقبلة، ويشتهر بزلات لسانه المتكررة.
لو اطحنا جانبا اهمية كلينتون وبايدن، كل بميزاته وعلاته، تتضح سطحية مشهد الحزب الديموقراطي السياسي . السيناتور المستقل المشاكس عن ولاية فيرمونت، بيرني ساندرز، يراوده حلم دخول السباق الرئاسي كمرشح مستقل غير تابع للحزب الديموقراطي. يعتنق ساندرز الفلسفة الاشتراكية ويحظى باحترام وتأييد واسع بين تيار اليسار في الحزب الديموقراطي، تدعمه قاعدة عريضة من الممولين الصغار، وربما لن يستطيع مجاراة ممولي حملتي جيب بوش وهيلاري كلينتون. التيار التقليدي المسيطر على الحزب الديموقراطي يتوجس من ساندرز وتوجهاته السياسية التي تنذر بخسارة مرشحه امام الحزب الجمهوري.
من ضمن المصنفين على يسار الحزب الديموقراطي ايضا تبرز السيناتور اليزابيث وورين، سيما وانها تتمتع بالحيوية والنشاط وصغر السن مقارنة بكلينتون وبايدن. بحكم كونها امرأة ايضا من شأنها ايقاظ حماس قطاع المرأة العريض، بيد ان توجهاتها السياسية تماثل ساندرز في اعتدالها ومحاباة القطاعات الاجتماعية المسحوقة والمهمشة.
لو جاءت نتائج الانتخابات النصفية مغايرة للنتائج الراهنة وفوز بعض مرشحي الحزب الديموقراطي لاصبح لزاما علينا ايلاء اهتمام كافي للسيناتور عن ولاية كولورادو، مارك يودال، المرشح الاقوى بعد كلينتون، الذي كان يعول عليه لتبوء منصب عالي.
السيناتور عن ولاية فرجينيا، جيم ويب، ربما سيثبت انه المرشح الاقوى في السباق المقبل، سيما وانه يتمتع بسجل الخدمة العسكرية كضابط في سلاح مشاة البحرية، المارينز، ويعتبر من تيار المعتدلين في الحزب الديموقراطي. بيد ان القواعد الحزبية لا تشاطره توجهاته المتباينة مع الطموحات الشعبية.
في خانة حكام الولايات يبرز الحاكم السابق لولاية ماريلاند، مارتن اومالي، الذي يتمتع بسجل ناصع من الانجازات ويحسب كاحد اقطاب التوجهات الليبرالية الصلبة في الحزب. خسارة مرشحه لخلافته في المنصب قد تقوض حظوظه بين اوساط القاعدة الديموقراطية والليبرالية.
الحزب الديموقراطي في وضعه الراهن لا تنقصه المآزق والمتاعب المتراكمة، لعل ابرزها عزوف جمهور الناخبين عن دعم وتأييد الرئيس اوباما وقادة حزبه، فضلا عن ان معظم المرشحين المحتملين لسباق الرئاسة ساندوا الرئيس وبرامجه، لا سيما البرنامج الاشد اثارة للجدل برنامج الرعاية الصحية الشامل، اوباماكير.
تداعيات المشهد السابق ستترك آثارها على الجيل الناشي من الناخبين والمرشحين على السواء، لا سيما اولئك الذين يراودهم احتمال دخول الحملة الانتخابية، بل قد يُدفع البعض الى اخلاء الساحة “لجيل مضاربي السياسة القدامى،” ومواجهة الخسارة امام مرشح الحزب الجمهوري. استنادا لذلك التوجه، يصبح لزاما على قادة الحزب افساح المجال لبروز جيل شاب لانتخابات الرئاسة الابعد عام 2020، والذي سيحظى بالضرورة بحظوظ نجاح اوفر من التركيبة الراهنة.
حظوظ آشتون كارتر لمصادقة الكونغرس على تسلمه وزارة الدفاع
انفرجت اسارير الساسة والمتنفذين في واشنطن لترشيح الرئيس اوباما آشتون كارتر لمنصب وزير الدفاع، وانهالت عليه آيات الثناء والتبجيل لكفاءته العالية لا سيما خلفيته الاكاديمية في حقل الفيزياء النظرية، وكرسيه للتدريس في جامعة هارفاد العريقة، واختصاصه في مجال الاسلحة النووية، على الرغم من خلو سجله من الخدمة العسكرية بخلاف سلفه تشاك هيغل، وشح خبرته في شؤون الشرق الاوسط عوضها اختصاصه في الشؤون “السوفياتية” والاسلحة النووية بمجملها.
شغل كارتر منصب نائب وزير الدفاع في عهد الرئيسين بيل كلينتون وباراك اوباما، ولا يزال مقربا من صناعات الاسلحة. تميز بمواقفه المتشددة ضد “الدول المارقة،” (اي الخارجة عن الطاعة لاميركا) فيما يتعلق بالاسلحة النووية، كوريا الشمالية وايران، وباستطاعته تنفيذ خطاب معسكر الصقور للعدوان على ايران ان تطلب الأمر. ما يعزز هذا الاحتمال دراسة نشرها عام 2008 يحث فيها صناع القرار على “مواصلة البحث في امكانية شن غارات جوية ضد البنية التحتية النووية لايران.” ايضا شارك كارتر وزير الدفاع الاسبق، ويليام بيري، في دراسة عام 2006 طالبا فيها واشنطن بشن غارات جوية تستهدف صواريخ كويا الشمالية العابرة للقارات، من طراز تيبدونغ، باستخدام “صواريخ كروز تطلق من الغواصات” الاميركية.
الدوائر السياسية والعسكرية النافذة في واشنطن لا يساورها شك في حتمية تباين اراء كارتر مع توجهات وسياسات الرئيس اوباما، لاسيما مع طاقم مجلس الأمن القومي، وثيق الصلة والولاء للرئيس اوباما، مما ينذر بتكرار تجربة الوزير المقال تشاك هيغل.
تضخم طاقم مجلس الأمن القومي في عهد الرئيس اوباما، وصل الى الذروة ويضم زهاء 400 مستشار ومختص، الأمر الذي يلقي الضوء على هاجس الرئيس اوباما الاحتفاظ بالقرار النهائي بين يديه في عدد من الملفات والقضايا المتنامية، وتفادي تعدد الاراء والاهواء داخل هذا العدد الكبير من الاختصاصات.
اكثر ما يقلق خصوم الرئيس اوباما في جانب همه “التحكم بمركزية صناعة القرار،” هو ادراك الحكومات الاخرى طبيعة التوازنات الراهنة ونزعها لتفادي العمل مع الاجهزة الاميركية الاخرى، بما فيها وزارة الخارجية، وحصر تحركاتها في الطاقم الاساسي لمجلس الأمن القومي طمعا في طلب ود الرئيس اوباما؛ على الرغم من عدم قدرة المجلس البنيوية التعامل بكفاءة مع ملفات وقضايا خارج اختصاصه.
يشير الخصوم الى تجربة العام الماضي لمجلس الأمن القومي، المخول باجراء دراسات معمقة في البعد الاستراتيجي للمصالح الاميركية وتوفير قراءة مستقبلية للاجهزة الحكومية المعنية، فرض عليه تشتيت جهوده واغراق طاقمه بمهمة اصدار نحو 500 دراسة “عبثية” موجهة للصف الاول من طاقم مجلس الأمن القومي واعوانه اثناء انعقاد جلساته. يشار في هذا الصدد الى الدور المركزي لمستشاري الرئيس محدودي العدد في المجلس والذين عادة يتحملون مسؤولية بلورة المواقف والتأثير على الرئيس اوباما تبني توصياته فيما يخص الأمن القومي برمته.
جدير بالذكر ان المرشح كارتر عارض سياسة اوباما بانسحاب القوات الاميركية من العراق، وطالب بابقاء “قوات عسكرية معتبرة” بعد الانسحاب عام 2010. استمرار التوتر بين البيت الابيض ووزارة الدفاع “أمر حتمي،” كما يرجح العارفون بحقيقة العلاقة؛ لعل ابرز القضايا هدف الحرب الجارية على الاراضي السورية والعراقية، التي ستشغل بال وزير الدفاع للسنتين المتبقيتين من ولاية الرئيس اوباما.
قبل اغلاق ملف النقاش بوزير الدفاع المرشح، تنبغي الاشارة الى الكشف عن توجهاته السابقة قبل هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، التي نسب اليه توقع حدوثها منذ عام 1998، بتفاصيل ومديات تواكب حقيقة ما جرى.
نشرت دورية “فورين افيرز،” عام 1998 دراسة مشتركة لاشتون كارتر ونائب وزير الدفاع الاسبق، جون دويتش، ومستشار وزارة الخارجية الاسبق، فيليب زيليكو، تحذر فيه من “تعرض الولايات المتحدة لحادث ارهابي مفجع .. على غرار شبيه بحادثة الاعتداء على بيرل هاربر والذي من شأنه ان يشكل علامة فاصلة في التاريخ الاميركي لما قبل وبعد الحادث.” بل تنبأت الدراسة “بتدمير كامل وتام لمركز التجارة الدولي،” في نيويورك؛ وتوقعت اقدام الولايات المتحدة على تبني “اجراءات بالغة القسوة تهدد الحقوق المدنية العامة، وتفسح المجال لمراقبة واسعة للمواطنين، وتوقيف المشتبه بهم، واستخدام القوة الفتاكة” بحق المواطنين.
)Keeping the Edge: Managing Defense for the Future . Editor (with John P. White) and author of three chapters. Cambridge, MA: The MIT Press, 2001. (
ايضا ساهم آشتون كارتر في كتاب صدر عن جامعة هارفارد عام 2001، جاء في القسم الخاص به: “.. تداعيات هجوم على ارض الوطن قد يصل الى درجة مخيفة ومفزعة تعادل العمل العدائي، ويتعين على حكومتنا الاعداد الفوري والتحضير لتهديد مستقبلي.”
السؤال البديهي الذي يبرز تلقائيا: كيف كان بوسع كارتر واعوانه “التنبؤ” بدقة الهجمات والتداعيات قبل وقوعها بسنوات عدة؟