الدولة الفارغة! ثريا عاصي
لمحت في مقالة سابقة الى ان الإستعمار الفرنسي جعل إدارة لبنان في سنة 1943 تحت هيمنة المارونية السياسية . يحسن التوضيح هنا أني بصدد مداورة الأوضاع السياسية السائدة في بلادنا، بحسب مفهوم علماني بحت، معنى ذلك ان الدين أو بالأحرى التدين هو سيرورة تقرب المخلوق من الخالق، وبالتالي لا يجب توظيفها في العلاقة بين الأشخاص، بوجه خاص وفي الشأن العام على وجه العموم.
كان التعليم الرسمي في زمان الدولة المارونية، التي لم تتخط مرحلة التكون يمثل اللبنة الأولى في تربية الأجيال . لم يكن مثيرا للإستغراب أن يتواجد مدرسٌ في شمال البلاد أصله من الجنوب، أو في البقاع أصله من بيروت. كان لا يُطلب من الدركي المحافظة على الأمن والنظام والقانون في المنطقة التي جاء منها. وقس على ذلك. كانت الدولة تبسط سلطتها على البلاد.
مجمل القول ان الدولة المارونية في لبنان كانت نواة دولة بالفعل. لا شك في أنها طبقت نوعا من السياسة الوطنية، تجسدت في مجالات التعليم الرسمي والعمل وحرية التنقل. ساعد ذلك على أن تتبلور إنطلاقة ثقافية، فكرية وفنية حداثوية. تراءت للبنانيين حلاوة العيش وصاروا أكثر إحساسا بما يـُجحف بهم. كان طبيعيا أن يحاولوا تصور خـُطط سياسية لتحديث الدولة، أملا بأن يكونوا مواطنين عاديين، متساوين، في دولة عصرية.
من البديهي أن الدولة المارونية أخفقت في إدراك جوهر التحول الإجتماعي. وما زاد الطينة بلة أن اللبنانيين، أو قل الذين شعروا بالخطر، إكتشفوا أن هذه الدولة المارونية، مقعدة مشلولة. فدبّ الرعب في قلوب الجميع. لا سيما أن المستعمرين الإسرائيليين كانوا قد أنهوا الإستعداد في سنة 1967 من أجل تحقيق مرحلة جديدة في مشروعهم الإستيطاني التوسعي، فألحقوا بالدول العربية المحيطة بفلسطين هزيمة ماحقة. لقد تبين أن هذه الدول الأخيرة هي أيضا مصابة بالشلل والخَرَفِ. فكأن سقوط الدولة المارونية في لبنان كان نذيراً بعظائم الأمور!
إن تناول هذا الموضوع يتطلب تفاصيل لست بصددها. ما أود قوله هو أن محاولات أحياء الدولة في لبنان منذ مهزلة إتفاق الطائف، تحاكي ألاعيب عرّابي المافيا. تخيّل دولة لا تستطيع إجراء إمتحانات رسمية. خربت الجامعات. إعتقل رجال الأمن منذ أشهر أرهابيا معروفا ولكن اطلق سراحه إستجابة لمطالب المتظاهرين. هم يبحثون عنه الآن من جديد. تقول قوات الأمن أنه موجود في مخيم عين الحلوة. الفلسطينيون ينفون ذلك. تعذر التوافق على رئيس الجمهورية. إنتهت مدة ولاية البرلمان فمددت. تشيرالدلائل إلى أن هناك أكثر من حكومة. بعضها في لبنان وبعضها الآخر خارجه. أغلب الظن أن عرابين يشاركون في آن واحد، في حكومات الداخل وحكومات الخارج. من المرجح أيضا أن اللبنانيين حظيوا بحكومات أخرى ما تزال متخفية !
أن محاولات السنة السياسة الحاق لبنان بمجلس التعاون الخليجي هي ببساطة إلغاء للدولة. لا أعتقد شخصيا بواقعية شيعية سياسية لبنانية. من الشيعة متمذهبون أنتهازيون كمثل غيرهم من المتذهبين، ومنهم عقائديون آمنوا تاريخيا، بالعروبة كسوريين، وتعاطفوا مع الأيرانيين عسكريا، مثلما تعاطف الأخيرون معهم عسكريا في كفاحهم احتلال المستعمرين الإسرائيليين للبنان.
(الديار)