ليلة العشرين: ناحوم برنياع
في قاعة المؤتمرات الصحافية في بيت سكولوف تم تحضير المكان مسبقا: منصة من القماش والخشب وكلمات بوجد مستقبل موزعة عليها طولا وعرضا وثلاثة حجارة وضعت من اجل عدم وقوع أحد على الجانب، ومكبري صوت يقرأ من خلالهما يئير لبيد النص الذي قام بتحضيره. لا يمكن رؤية مكبرات الصوات في التلفاز لأنها وضعت على طرفي الخطيب من اجل اعطائه فرصة النظر الى ناخبيه والتحدث اليهم من القلب الى القلب. وفي الواقع فانه ينظر الى لوحتين بلاستيكيتين، مرآتين.
«أنت منقطع عن الواقع»، يعود ويقول لنتنياهو. وكلمات أنت منقطع عن الواقع موجودة في بداية كل فقرة، ببطء وبلفظ واضح. كان واضحا أن أحدا ما كان سيقوم بتلحين هذا الخطاب، وهذا ما هدف اليه الخطاب، اذا لم يتم تلحينه فسيتم نشره الكترونيا على اليو تيوب، وكان واضحا أن أحدا ما كان سيُدخله الى القائمة في النوادي. لماذا لا؟ هذه الجملة قابلة للسماع، الاهانة واضحة والمضمون يناسب كل شخص. يمكن الرقص على ذلك ويمكن الضحك. هل هذا هو الخطأ الأكبر لبنيامين نتنياهو؟ لست متأكدا.
«أنت تعيش في حوض سمك»، إتهم لبيد. الحقيقة هي أن كل رئيس حكومة يعيش في حوض سمك. كلما زادت سنواته في المنصب فان الجدران الزجاجية لحوض السمك تصبح مغلقة أكثر. في السابق كان بالامكان رؤية المتظاهرين في الخارج من نافذة غرفة رئيس الحكومة، ولكن بعد قتل رابين تم اغلاق النوافذ وكذلك نوافذ البيت. ورئيس الحكومة يعيش في دائرة مطهرة.
عندما يخرج من البيت فان هذه الدائرة تخرج معه، نوافذ السيارة قاتمة، وهو لا يرى المشهد، يتنفس فقط هواء المكيفات في الصيف والشتاء، يعرق فقط من اضاءة الكاميرات. الدائرة هي الدولة والدولة هي أنا.
نفس الاشخاص يحيطون به أينما ذهب – نفس الحراس ونفس المساعدين ونفس الخادمين الذين يحيطون به ويسجلونه سراً. هو يستدعي الحكومة لجلسة ويعتبرهم أعداءً يسعون الى وراثته ويبتزونه ويريدون سرقة صلاحياته. لا يوجد في الساحة السياسية أحدا يستطيع أن يقاسمه مشكلاته: الجميع ضده.
الانفصال عن الواقع قد يكون أمرا اضطراريا ومن الصعب الامتناع عنه ومن السهل الغرق في داخله. عندما وصلت القطيعة بين الرئيس اوباما وبين الكونغرس الامريكي الى درجة الازمة الوطنية طلبت وسائل الاعلام سماع رأي المختصين بالتاريخ الامريكي. دوريس كارنس غودفين التي كتبت سيرا ذاتية رائعة عن جونسون، روزفلت ولنكولن، اقترحت على اوباما استدعاء زملائه الى جناح العائلة في البيت الابيض والأكل والشرب معهم ومشاهدة الرياضة في التلفاز. هكذا استطاع الرؤساء تمرير اصلاحات مختلفا عليها، هكذا قاموا بتوحيد البنية السياسية من خلفهم. اوباما لم يستمع للنصيحة وكذلك نتنياهو. وقد عوقب اوباما بعد ست سنوات أما نتنياهو فبعد تسع سنوات.
الانفصال يولد الشك مع السنوات ويولد الهوس.
عندما خرج لبيد في هذا الاسبوع من اللقاء الثنائي مع نتنياهو، اللقاء الذي سبق الاقالة، قال لأخته وهي عالمة نفسية في مهنتها إن نتنياهو ينتمي أكثر الى مجالها وليس الى مجاله. وتحدثت تسيبي لفني علنا حول الهوس. وفسر نتنياهو إقالة الاثنان أنها جاءت بسبب المؤامرة التي حاكاها لاقامة حكومة بديلة في الكنيست الحالية من وراء ظهره. اذا كانت هناك مبادرة، صبيانية وبائسة. لفني لم تكن من ضمنها، والوصف الوحشي الذي قدمه نتنياهو في المؤتمر الصحافي في يوم الثلاثاء كان بعيدا عن الواقع. وكل محاولة لتفسيره تقود بالضرورة الى مساقات عيادية.
مع افتتاح الحملة الانتخابية فان مشكلة نتنياهو ليست ما يقوله عنه أعداءه بل ما يفكرون عنه في البيت، حيث يشم الليكوديون الهزيمة.
الحركة والعمل
الرقم الحاسم في هذه الانتخابات هو 20. لبيد وهرتسوغ ونتنياهو مقتنعون أن من يحقق ما يزيد عن العشرين مقعدا سيقوم بتشكيل الحكومة. الحساب بسيط: يوجد قطبان، قطب اليمين مع الحريديين، وقطب فقط ليس بيبي. هذا الانقسام كبير هذه المرة لدرجة أن قائمة واحدة لكل قطب فقط ستحصل على أكثر من عشرين مقعدا. القطب سيضطر الى الاتحاد من خلف من يصل الى الرقم السحري. ليلة الانتخابات ستكون .
المعركة الانتخابية ستُدار على جبهتين: الجبهة السهلة والمفهومة بين قطب وقطب. سيهاجم اليمين الوسط واليسار، والوسط سيهاجم اليمين. والجبهة المركبة الاكثر جذبا هي داخل كل قطب. نتنياهو يهاجم لبيد على أمل اقناع ناخبي اليمين الذين يترددون بينه وبين بينيت أو ليبرمان أو يفضلون البقاء في البيت، الذين رغم كل شيء هم ملزمون بانتخاب الليكود. في هذا السياق لبيد ليس هو عدوه – هو الرافعة ضد عدم ذهاب الناخبين الى بينيت.
خطران يهددان نتنياهو، الاول هو وصول الوسط واليسار معاً الى قطب مانع. والثاني هو أن يتساوى البيت اليهودي مع الليكود في صناديق الاقتراع. في وضع كهذا سيطلب بينيت تقاسم وظيفة رئيس الحكومة.
القطب المقابل مثل المرآة. هرتسوغ ولبيد يتصارعان على الافضلية في الحرب ضد نتنياهو. عندما يهاجمان اليمين ينظران بعين واحدة الى داخل البيت، الى الناخبين المترددين بين العمل ولبيد، وبين ميرتس وكحلون.
تسيبي لفني هي المفتاح في هذا الصراع الهاديء. بعد ست سنوات صعبة، في البداية كرئيسة معارضة وبعد ذلك كرئيسة حزب صغير في ائتلاف نتنياهو، جاءتها الراحة والسكينة. هرتسوغ ولبيد يركضان وراءها، وحسب ثلاثة استطلاعات وضعت هذا الاسبوع على طاولة رئيس العمل فان ضم لفني يزيد العمل باثنين أو ثلاثة مقاعد. هذه الاضافة من شأنها أن تجعل العمل يتجاوز الرقم السحري – 20 مقعدا – واعطاء هرتسوغ زعامة القطب. وأحد الاستطلاعات أظهر الرقم 21.
حسب هذه الاستطلاعات لا تضيف لفني الاصوات للبيد، لكن انضمامها اليه يمنع ازدياد قوة العمل. في الصراع والمنافسة داخل القطب هذا أمر حاسم، لذلك فان لبيد يركض وراءها.
يقترح هرتسوغ على لفني شيئا يشبه الاتفاق الذي كان بين ليبرمان والليكود: ورقة واحدة في صناديق الاقتراع، حركة مشتركة في الكنيست وأطر منفصلة. لفني وعمير بيرتس سيكونان من العشرة الأوائل. وفي السياق يتم وضع آخرين. لم تنته المفاوضات بعد، وستنتهي على ما يبدو الى هنا أو هناك في نهاية الاسبوع عندما يكون الاثنان في منتدى سبان في واشنطن.
أفضلية لبيد هي حريته في اتخاذ القرار: يستطيع الوصول الى اتفاق مع لفني على فنجان قهوة. وهذه ايضا نقيصته: يقف على رأس حزب الزعيم الواحد. في حزب العمل سيكون هناك معارضون ومعارضات، لكن هرتسوغ وايتان كابل قالا للفني إنه لا داعي للخوف: لديهما اغلبية ساحقة في المؤتمر.
وفيما يتعلق بقناعاتها لا توجد للفني اليوم مشكلة في الانضمام الى العمل أو يوجد مستقبل. هناك صعوبة واحدة في حزب العمل – التعليم الذي تربت عليه. فهي تتفهم التنازل عن اراضي من الوطن، ولكن التحالف مع مباي التاريخي؟ ماذا كان سيقول أبي، ماذا كانت ستقول أمي.
العلاقات الآن في مثلث هرتسوغ لبيد لفني جيدة. نتنياهو يوحدهم. ولكن عندما تتبلور القوائم تبدأ المنافسة. لبيد يدخل الى الحملة الانتخابية ومعه 11 ألف ناشط ميداني، انتشار جيد، مهني وبالذات الكثير من الاموال التي قام بجمعها بعد انجازه في الانتخابات. هو مقتنع أن الاستطلاعات التي أعطته القليل من المقاعد عشية الانتخابات السابقة ستخطيء مرة اخرى. هرتسوغ يتفوق عليه في الاستطلاعات وهو أقرب منه الى اتفاق مع حركة لفني (هل سيُسميان الجسم المشترك «حركة العمل»؟ أنا لا أعتقد).
لديه أفضلية اخرى قد تكون مهمة في اليوم التالي: على عكس لبيد فانه مقبول على كافة أطراف الساحة السياسية بما في ذلك الحريديين. اذا كان الحريديون هم كفة الميزان فسيذهبون في نهاية المطاف مع من سيدفع أكثر، ولكن مع هرتسوغ سيكون أسهل من لبيد.
باتجاه الوسط
حسب مصادر في الليكود فان قرار الذهاب الى الانتخابات تم بالتشاور مع اربعة: بنيامين نتنياهو، سارة نتنياهو، آري هارو ونير حيفتس. هارو هو مدير مكتب رئيس الحكومة، حيفتس هو مستشار سياسي خارجي، لا عجب أن وزراء الليكود خائبو الأمل: لم يسألهم أحد.
حتى هذه اللحظة من غير الواضح لليكوديين لماذا قرر نتنياهو حل الحكومة الآن. جميع التفسيرات هي بمثابة حكمة متأخرة: لا يريد التنازل للبيد؛ آمن بأن الانقلاب الذي تم من وراء ظهره حقيقي؛ قال له الحريديون الاشكناز إنه اذا تصالح مع لبيد فلن يؤيدوه بعد الانتخابات القادمة؛ قصة الميزانية. قام أحد بالهمس له أن لبيد ولفني وحزبيهما ينوون التصويت على حجب الثقة. خاف كثيرا، قام بتحديد اللقاء مع لبيد في نفس الموعد وطلب تصويت إسمي. «حتى وإن لم تكن مهووسا»، قال أحدهم، «فهذا لا يعني أنهم لا يطاردونك».
وبالطبع، الهزيمة التي تلقاها نتنياهو في التصويت الأولي على قانون «اسرائيل اليوم». كيف يستطيع تفسير هذه الاهانة؟ من الاسهل حل الحكومة بدلا من التفسير.
سيكون اعضاء الكنيست والوزراء مشغولون في الشهر القادم بالانتخابات التمهيدية. كل واحد منهم يريد الاهتمام بنفسه، البحث عن متبرعين، وتجنيد النشطاء وعمل الصفقات. فايغلين ودنون سيستمران في حربهما. نتنياهو أمل أن يتنازلا بارادتهما عن الترشح ضده، وهذا لم يحدث حتى الآن.
الشخصية الاكثر أهمية في اليمين هي افيغدور ليبرمان. فقد غيّر ليبرمان بشكل دراماتيكي النبرة السياسية، وعلى مدى السنين بنى نفسه على مسألتين: المهاجرين من الاتحاد السوفييتي والاسرائيليين الغاضبين المهملين. هاتان المجموعتان كان من المفترض أن تجتمعا تحت سقف احتجاج واحد، قومي في أساسه. والقصة القانونية ساهمت في هذه الصيغة.
غير أن الاسرائيليين القدامى لم يأتوا بجموعهم، والكثير منهم ذهبوا الى بينيت؛ والقادمين الجدد من الجيل الاول توفوا، والجيل الثاني انقسم كما حدث مع احزاب مهاجرين اخرى. والتبرئة في المحكمة أعطت ليبرمان الفرصة لعمل التغيير.
في رواية اخرى سيطر بينيت على المساحة التي على يمين نتنياهو، وتوجه نتنياهو الى اليمين جعله يأخذ ما تبقى. توجه ليبرمان الى الوسط. هذا التغيير في اسرائيل لن يحظى بتأييد كبير، ولكن في وزارات الخارجية في العالم أثار هذا الاهتمام الكبير حيث اكتشفوا وزير خارجية بدأ بالتحدث مثل وزير الخارجية.
أو بلهجة أكثر تفاؤلا، إنه لا يريد الجلوس على هامش الجدول، وفهم ما فهمه شارون واولمرت قبله: الطريق الى رئاسة الحكومة تمر بالوسط، وفرصة ليبرمان لأن يصل في هذه المرة الى الرقم السحري 20 ضعيفة. لكن يمكن له أن يكون شريكا مهما في الجسم الذي يقف في وجه نتنياهو.
سأُدمركم
رئيسة حركة البيت اليهودي، اييلت شكيد، شاهدت هذا الاسبوع احدى المسؤولات في النيابة العامة وقالت لها «في الانتخابات القادمة سأكون وزيرة العدل، وسآتي اليكم من أجل تدميركم».
لم أستطع فحص الامور مع شكيد، يمكن أنها قالت ذلك مزاحا: لديها هذا النوع من المزاح. ويمكن أن لا. البيت اليهودي هو حزب مع تناقضات كثيرة، وشكيد تمثل بعضها. تشير الاستطلاعات الآن الى تزايد قوة الحزب لدى الشبان والجنود، ومنهم جنود علمانيون. البيت اليهودي هو المستفيد الاساسي من الذهاب يمينا، وهذا ثمرة حرب الصيف وتجدد العمليات.
البيت اليهودي متدين أكثر كثيرا مما يظن الناخبون، بما في ذلك الفرض الديني الذي في هامشه متطرفون أكثر. أوري اريئيل شريك بينيت وعدوه، حاول أن يفرض عليه هذا الاسبوع ضمان مقاعد لاصدقائه، مجموعة حريدية قومية على حدود الكاهانية. بينيت رفض: لا يستطيع أن يسمح لنفسه لأنه حتى الآن هو الدجاجة التي تعطي البيضة الذهبية. لكن الحزب ليس له، والحركة ايضا ليست له. حلم بينيت هو أن يصبح وزيرا للدفاع، وبعد ذلك رئيسا للحكومة. وحلم الكثير من اصدقائه هو اندلاع حرب عالمية حول الحرم وضم المناطق وطرد العرب والقضاء على سلطة القانون في الدولة واستبدالها بقوانين الدين.
لو كنت مكان اييلت شكيد لكنت أكثر حذرا في النكات: لأنها قد تتحقق.
يديعوت