مقالات مختارة

حول أولوية الدولة الفلسطينية في التطبيق منير شفيق

 

عندما ارتفع شعار إقامة دولة فلسطينية في حدود الرابع من حزيران 1967، ليتقدّم هدف التحرير الكامل لكل فلسطين، ثم ليتقدّم شعار دحر الاحتلال عن الأراضي المحتلة في حزيران 1967، أدخل القضية الفلسطينية والنضال الفلسطيني في مأزق بل في مآزق.

وقد جرى في حينه، ابتداءً من برنامج النقاط العشر وانتهاءً بإعلان الدولة الفلسطينية عام 1968، نقاش حاد داخل الساحة الفلسطينية والعربية حول مدى صحة طرح هدف إقامة دولة فلسطينية بدلاً من اقتصار الهدف “المرحلي” على إزالة الاحتلال الذي وقع في 1967 عن الضفة الغربية والقدس وما ترتب عليه من استيطان وتهويد وأسرى. أي حصر الأهداف الآنية المطلوب إنجازها في دحر الاحتلال وتفكيك المستوطنات وتحرير القدس وإطلاق كل الأسرى وبلا قيد أو شرط.

إن زجّ شعار، أو هدف إقامة الدولة الفلسطينية، حوّل النضال الفلسطيني (الكفاح المسلح الفلسطيني في حينه) إلى نضال لجلب الاعتراف بدولة فلسطينية مما أدّى، بالضرورة، إلى طرح الاعتراف بدولة الكيان الصهيوني. وهو ما وصل إلى “حل الدولتين”. ثم انتقل الموضوع إلى مناقشة الشروط التي تقوم عليها الدولة من حدود وسيادة وما أصبح يُعرف تحت عنوان “أمن إسرائيل“.

يعني دخلنا في دوامة من التنازلات لها أول، وليس لها آخر. وهذا ما حصل في التطبيق العملي. وذلك ابتداءَ بالمفاوضات المباشرة، وصولاً إلى إسقاط حتى مرجعية قرارات هيئة الأمم المتحدة بالرغم مما حملته من إجحاف بالحقوق والثوابت الفلسطينية. وهذا ما راحت تعبّر عنه السياسات الأميركية والأوروبية فضلاً عن الأمين العام للأمم المتحدة إذ اعتبروا المفاوضات هي المقرّر لشروط الحل.

والآن، وبعد أن دخلت المفاوضات في طريق مسدود، ولو مؤقتاً، وبعد أن تبيّن أن المسار الذي حكمته أولوية إقامة دولة فلسطينية في “حدود 1967″، تحرّك البرلمان البريطاني للاعتراف بالدولة الفلسطينية، وكذلك فعلت السويد حكومةً وبرلماناً، وراح يطرح الموضوع على البرلمانات الأوروبية، بما فيها برلمان الاتحاد الأوروبي.

وقد أخذ البعض يبالغ في أهمية هذا التطوّر ويعتبره انتصاراً للقضية الفلسطينية. وراحوا يراهنون على أن ذلك سيشكل ضغطاً على حكومة نتنياهو ليقبل بمشروع حل الدولتين.

لا شك في أن نتنياهو وحكومته انزعجا من هذه الخطوات التي بدأها البرلمان والحكومة في السويد والبرلمان الريطاني. وتحرّك برلمانات أخرى في الاتجاه نفسه. وذلك بالرغم من أن القرار بالنسبة إلى حكومة بريطانيا ولأغلب الحكومات الأوروبية ليس ملزماً لها. وإن حمل بصورة غير مباشرة رضا من قبلها كرسالة لحكومة نتنياهو. فالبرلمان البريطاني مثلاً لم يكن ليأخذ هذا القرار لولا الضوء الأخضر من حكومته، وهذه تلقت ضوءاً أخضر من أوباما (هذان استنتاجان).

ويجب أن يُلاحظ هنا أن هذه الاعترافات بدولة فلسطينية تتطلب من الشعب الفلسطيني أن يعترف بدولة الكيان الصهيوني. فهي في جوهرها ليست ضغطاً على حكومة نتنياهو فحسب، وإنما أيضاً لغماً تحت الحقوق والثوابت الفلسطينية التي يقف على رأسها عدم الاعتراف بدولة الكيان الصهيوني. ولهذا السبب لم يستطع النائب البريطاني جورج غالواي أن يصوّت في البرلمان لمصلحة قرار الاعتراف بالدولة الفلسطينية؛ لأنه لا يعترف كما أعلن بدولة الكيان الصهيوني.

ولكن في المقابل لننظر إلى الوضع الفلسطيني لو لم تقع على رأسه بلية إقامة دولة فلسطينية وتُرِك موضوعها إلى ما بعد دحر الاحتلال وتفكيك المستوطنات وتحرير القدس وإطلاق كل الأسرى، وبلا قيد أو شرط.

يعني كان يجب أن نحصر أهدافنا الآنية التي نريد تحقيقها، والتي هي ممكنة التحقيق في المرحلة الراهنة، بالأهداف الأربعة آنفة الذكر، ورفضنا المساومة عليها أو حولها أو من أجلها، ورفضنا أي تفاوض عليها. ورحنا تحت استراتيجية المقاومة والانتفاضة نخوض النضال من أجل تحقيقها، ونسعى لنيل الدعم العربي والإسلامي والعالم ثالثي والرأي العام العالمي على أساسها.

ماذا كان سيحدث على مستوى الصراع السياسي وحتى الديبلوماسي الدولي؟ الجواب: لكان الموقف الفلسطيني أقوى عشرات الأضعاف. لأنه ليس بمقدور أحد أن يناقش في عدالة إنهاء الاحتلال وتفكيك المستوطنات من الضفة الغربية والقدس أو عدالة ما ترتب عليها من ضرورة إطلاق كل الأسرى. والأهم ليس من حق أحد أن يطالب تقديم مقابل للكيان الصهيوني لأن الاحتلال والاستيطان لا يجوز أن يُكافآ، بل عليهما أن يُعاقبا وفقاً للقانون الدولي.

ذلكم هو الفارق الكبير بين إعطاء الأولوية لهدَفَيْ دحر الاحتلال وتفكيك الاستيطان؛ فأمريكا نفسها وأوروبا نفسها وهيئة الأمم المتحدة قبلهما كما القانون الدولي وشعوب العالم كلها لا يملكون أن يدافعوا عن الاحتلال أو الاستيطان أو أن يطالبوا بمقابل لهما. ولهذا يجب بعد عبارة دحر الاحتلال وتفكيك المستوطنات أن يشدد على وبلا قيد أو شرط. وهذا أيضاً وضع إطلاق كل الأسرى.

أما إعطاء الأولوية لهدف إقامة الدولة الفلسطينية والبحث عن اعترافات حكومية وبرلمانية بها فسيتضمن (وقد تضمن) فوراً مقابِلاً هو الاعتراف بالكيان الصهيوني، فضلاً عما سيجرّ من شروط عليها حدوداً وتشكيلاً وتسلحاً ودوراً.

وهذا ما يفسّر لماذا استشرى الاستيطان والتهويد في ظل المفاوضات حول الدولة. ويفسّر لماذا لم يعد نتنياهو يكتفي بالاعتراف “بدولة إسرائيل” وإنما بالدولة اليهودية، أو يهودية “دولة إسرائيل” أو “دولة إسرائيل” لليهود وحدهم. وأما ما عداهم فمقيمون وفقاً لقانون الإقامة. فما دام شرط إقامة دولة فلسطينية يتطلب من دولة الكيان الصهيوني الاعتراف بها كما اعترفت هي وأعلنت استعدادها للاعتراف الديبلوماسي الكامل “بدولة إسرائيل” فليمتد إلى الاعتراف بها دولة لليهود. وهذا ما راحت تأخذ به الإدارة الأمريكية في عهد جورج دبليو بوش، وبإعلان متكرر من قبل إدارة أوباما.

لهذا على الشعب الفلسطيني أن يخرج من هذه الدوامة أو هذه المآزق الكارثية ويوجّه مقاومته وانتفاضته وكل أشكال نضاله في الداخل والخارج لتحقيق الأهداف الأربعة؛ المتمثلة بدحر الاحتلال وتفكيك المستوطنات عن الضفة الغربية وبتحرير القدس وإطلاق كل الأسرى، وبلا قيد أو شرط.

وبعد ذلك لكل حادث حديث بإقامة دولة، أو عدم إقامة دولة. لأن الهدف الأسمى يجب أن يظل حاضراً، وأن يحكم ما يجب عمله بعد تحقيق تلك الأهداف، ألا وهو تحرير فلسطين بالكامل من النهر إلى البحر ومن الناقورة إلى رفح.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى