الجيش يدفع «ثمن» رهانات سعوديّة نجحت في مصر والأردن وتعثّرت في لبنان..؟ ابراهيم ناصرالدين
هل يدفع جنود وضباط الجيش اللبناني من دمائهم ضريبة تواطؤ فريق 14آذار، وفي مقدمتهم تيار المستقبل، مع مشروع اقليمي يجري العمل عليه في المنطقة لاعادة بناء استراتيجية موحدة تقودها السعودية لبلورة عقيدة عسكرية جديدة تقوم على اولويات مختلفة عما هو سائد اليوم لدى القيادة العسكرية اللبنانية؟
سؤال فرض نفسه بقوة في ظل عملية الابطاء المقصودة في تسليح الجيش، في وقت تتصاعد العمليات الارهابية من قبل المجموعات التكفيرية. وبحسب اوساط ديبلوماسية في بيروت، فان سياق التطورات المتلاحقة على الساحة اللبنانية وفي المنطقة تقدم اجابات واضحة عن سلسلة من الاسئلة التي بقيت مبهمة خلال الفترة الماضية وتتعلق ابرزها بالسبب غير المفهوم لرفض الهبة الايرانية التي كانت موضبة في المطارات العسكرية الايرانية ولا تحتاج الا لموافقة رسمية لبنانية كي تنقل الى بيروت، وكذلك بات بالامكان اليوم فهم حقيقة خلفيات «المكرمة» السعودية السخية للجيش اللبناني، والتي يتسبب بطء تنفيذها بخسائر كبيرة للجيش المتروك في العراء.
وبحسب تلك الاوساط، فان «الغضب» السعودي من استراتيجية ادارة الرئيس باراك اوباما في سوريا، دفعها الى تغيير نمط عملها الامني والعسكري، واتخذت القيادة السعودية قرارا استراتيجيا لضم ثلاثة جيوش عربية الى «منظومة العمل الخليجي» في محاولة لخلق وقائع تكون بمثابة «اوراق قوة» لفرض معادلات جديدة يصعب تجاوزها، من قبل الخصوم والحلفاء. والحديث هنا عن الجيش المصري والاردني واللبناني، وهي جيوش لها تاثير كبير في مجريات الاحداث في المنطقة.
مصر تعتبر ركيزة اساسية في المشروع المفترض للسعودية تقول الاوساط الديبلوماسية، العلاقة مع القيادة المصرية قطعت شوطا كبيرا «والمكرمات» المالية السعودية اغرقت الدولة المصرية «الوليدة»، وعمليا نجحت الرياض في وضع القيادة المصرية الحاكمة بدفع من المؤسسة العسكرية «تحت جناحها». بالنسبة الى الاردن عادت أجواء العلاقات الأردنية – الخليجية الى مربع الحديث عن ضم الدولة الهاشمية الى مجلس التعاون الخليجي، وقد حضر وزير الخارجية الأردني ناصر جودة مؤخرا الاجتماع التنسيقي لوزراء خارجية التعاون الخليجي، وتلقت عمان وعودا بتجديد التضامن المالي معها في العام 2015 حيث تم تخصيص خمسة مليارات دولار كمنحة خليجية للأردن. وقد بدأت ارهاصات هذا التعاون الامني السعودي – الاردني برعاية سعودية من خلال تقديم الاستخبارات الاردنية معلومات شديدة الاهمية حول الإرهاب في سيناء، وبدأت عملية تنسيق رفيعة المستوى، توجت بلقاء العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني بالرئيس المصري عبدالفتاح السيسي قبل ايام قليلة. وفي السياق نفسه اخذت السعودية على عاتقها وضع الجيش اللبناني تحت «مظلتها»، فكانت «المكرمة» المالية بداية لمسار تعرف القيادة السعودية انه طويل ومعقد، لكنه رهان كان لا بد منه في هذه المرحلة الشديدة الخطورة في المنطقة.
وعلى طريقة سؤال النائب وليد جنبلاط الشهير لحزب الله، حول من سيهدي انتصار العام 2006، تبحث الرياض عن جواب عن هذه السؤال على عتبة دخول «دول التحالف» في مرحلة اكثر جدية في قتال «داعش» في سوريا، فبقاء الوضع الراهن في لبنان على ما هو عليه، يعني وبحسب الاوساط، ان الانتصار هناك سيكون هدية ثمينة لحزب الله والنظام السوري وطبعا ايران. ولا ياتي هذا الاستنتاج من فراغ فالسعودية «الغاضبة « من مسار التفاوض الايراني – الاميركي في الملف النووي، تعززت مخاوفها بشكل جدي بعد «الأزمة السياسية الصامتة» التي أخرجت وزير الدفاع الاميركي تشاك هيغل من الحكم، وهي تدرك أن الاقالة، كانت حصيلة مناقشات حامية بين الرئيس باراك اوباما ووزير دفاعه، خصوصاً عقب الكشف عن الرسالة السرية التي وجهها اوباما الى المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، وهي رسالة بالغة الخطورة بالنسبة الى السعوديين، لانها تحمل بين طياتها أهدافاً مثيرة للقلق، واخطر ما ورد فيها لجهة ضمان استمرار الرئيس بشار الأسد في سوريا، والرياض في اجواء ما قاله اوباما صراحة في رده على اسئلة هايغل في البيت الابيض عندما اوحى له انه لن يتوانى عن تجاوز حلفاء اميركا العرب اذا ما نجح في بناء تعاون استراتيجي مع طهران يؤدي الى وقف برنامجها النووي، بعد الاعتراف بوزنها الاقليمي في المنطقة.
انطلاقا من هذه المخاوف، تسعى السعودية تقول الاوساط، الى ترتيب «اوراقها» قبل اقدام التحالف الدولي على «توسيع» عملياته في سوريا لتشمل الاشتباك البري وليس الجوي فقط، وما تريده الرياض هو جمع «اوراق قوة» تحافظ من خلالها على دور فاعل أمنيا وإقليميا ومن هنا تحديدا تنطلق المملكة في سعيها الى ضم الأردن والمغرب لمجلس التعاون الخليجي، وتبحث عن دور مصري وأردني ولبناني مباشر لملاقاة القوة الخليجية الموحدة التي يفترض ان تناقشها وتقررها قمة الدوحة تحت عنوان تعزيز البرنامج الدفاعي الاستراتيجي الموحد.
اوساط سياسية في الثامن من آذار، توافق على ما تقدم، ولكنها تشير الى ان المشكلة الاساسية في المقاربة السعودية لدورالجيش اللبناني، لا ترتبط فقط بالتعاون القائم بين المؤسسة العسكرية والمقاومة اللبنانية، فالرهان على تغييرات استراتيجية في هذا السياق يحتاج الى الكثير من الوقت، هذا الامر يعرفه السعوديون جيدا، وثمة تفاهم مع حلفائهم اللبنانيين بان هذا الامر استثمار طويل الاجل، لكن المعضلة الاساسية تتمثل في موقف القيادة العسكرية من المجموعات المسلحة على الساحة السورية، وثمة اختلاف كبير هنا في تصنيفها، فبينما تحاول الرياض ايجاد فصل عضوي بين «الجيش الحر» و«جبهة النصرة» وتنظيم «داعش»، لا تميز القيادة العسكرية اللبنانية بين هؤلاء، وقد لاقت الاعتقالات الاخيرة التي نفذتها الاجهزة الامنية اللبنانية بحق قيادات في «الجيش الحر» الكثير من السخط لدى نظيرتها السعودية التي بدات تطرح علامات استفهام على القيادة السياسية في المملكة حول نجاعة الرهان على الاستثمار في الجيش اللبناني.
وتلفت تلك الاوساط الى ان هذا التباين في الروىء برز مؤخرا من خلال عدة مؤشرات سياسية وعسكرية على الساحة اللبنانية، فعلى سبيل المثال لا الحصر، حصل الجيش اللبناني على دعم وتغطية حلفاء المملكة في عملياته العسكرية في الشمال، بينما وضعت خطوط حمراء على تحرك الجيش في عرسال، والواضح من هذا السياق ان المطلوب هو عمل امني «بالقطعة» وفقا للاجندة السعودية، فاذا كان ضرب الارهاب في الداخل يحقق مصلحة الفريق السياسي السعودي، فلا ضير من العمل على ضربه، خصوصا انه بات خاضعا لاجندات اقليمية اخرى، وهنا فان اعادة مسك الساحة السنية من قبل تيار المستقبل تصبح مصلحة استراتيجية، اما استئصال الارهاب على الحدود السورية، فقصة اخرى لا تريد السعودية له ان يتم من قبل الجيش ودون «اثمان»، فهذه الجبهة مطلوب بقائها لاستنزاف حزب الله والقوات السورية. وهنا يمكن فهم حقيقة اصرار «التيار الازرق» على عدم التنسيق مع الجيش السوري لضرب المجموعات المسلحة، ويمكن ايضا فهم خلفيات اصرار النائب وليد جنبلاط على عدم تصنيف «جبهة النصرة» بالمنظمة الارهابية.
وازاء ما تقدم، تقف السعودية في موقف لا تحسد عليه بحسب الاوساط، فهي وقعت مرة جديدة ضحية حساباتها الخاطئة، فالمؤسسة العسكرية اللبنانية لا تشبه نظيرتها الاردنية او المصرية، والاستمرار في الرهان على الوقت لابتزاز الجيش بالمساعدات، يعطي مفاعيل عكسية، التراجع الان مكلف، والاقدام مكلف ايضا، فالاستمرار بالمراوغة سيدفع القيادة العسكرية الى مزيد من التماهي مع المعسكر الاخر، فثمة شراكة دماء وعقيدة بين الطرفين، اما تسريع المساعدات فنتيجته الفعلية، قتال بسلاح تموله الرياض دون ان تتمكن من «قبض الثمن». وفي الانتظار سيبقى ضباط وجنود الجيش ضحية «مصيدة» «دموية» يتحمل مسؤوليتها فريق سياسي منع عن سابق تصور وتصميم عروضات التسليح غير المشروطة.
(الديار)