«كاتنغا» بين الموصل والرقة ثريا عاصي
نتذكرك يا لومومبا في هذا الزمان العربي. نحن لم نتعلم دروس حرب التحرير الجزائرية. لم نقرأ فرانز فانون «من أجل الثورة الأفريقية». لا تؤاخذنا، نسينا أن المستعمرين والأمبرياليين الذين يجرّعوننا منذ أربعة أعوام الثورة، لم يحتملوا حبك للناس في بلادك الكونغو، وفي إفريقيا، اكثر من سنة. إغتالوك، وكنت رئيسا للوزراء، في 17 كانون الثاني 1961. ثم قطعوا جثتك أشلاء ألقوا بها في حامض الكبريت حتى تذوب. فأنت كمثل تشي غيفارا، ليس لك مدفن يكون معـْلما يُسائل الناس ألى أين أنتم سائرون ومنقادون؟
صدقت يا لومومبا عندما قلت أن الكونغو لا يتحرر إلا بالتلازم مع تحرر من روديسيا وجنوب إفريقيا من التمييز العنصري، وأنغولا من الإستعمار البرتغالي. لا تتحقق الإنجازات في ميدان التحرر والتقدم والسلام في منطقة بمعزل عن المحيط. ذلك يتطلب إنطلاقة سيرورة كلية شاملة. المستعمرون متضامنون فيما بينهم دائما. ولكنهم لا يحبذون الدولة المركزية، ويحذرون مخافة من نشوء التكتلات بين الشعوب على مستوى إقليمي ودولي. الإستقلال الحقيقي ضار بمصالح الحكام التابعين.
هذه أمور خبرتها يا لومومبا جيدا من أجل الكونغو وشعبه المسكين. دفعتَ غاليا، أنت وشعبك وبلادك، ثمن الثقة التي اوليتها للأمم المتحدة ولقوات الطوارئ الدولية، ظنا إنها تلتزم الحياد في المنازعات الوطنية الداخلية فلا تؤججها. لقد شاهدنا في أزقة حمص جنرالا مغربيا أرسل إلى سوريا على رأس فريق من المراقبين الدوليين، يمشي يدا بيد مع عسكري سوري إنشق عن جيش بلاده، ليتزعم جماعة مسلحة ! لن أطيل في الحديث عن جولات وصولات الأمير القطري مصحوبا بأمين عام جامعة الدول العربية، في أروقة الأمم المتحدة. لو تعلم ماذا فعلوا في ليبيا؟
في الحقيقة إستحضر ذكراك يا لومومبا لأن المستعمرين يعاودون في بلاد الشام ومصر والعراق أسطورة «عبء الرجل الأبيض». الوزير الفرنسي يدعي الحق بتنظيم غارات «غامضة» على مواقع الجيش العربي السوري في سوريا. إعلان حرب. كان يجب أن نتعمق في إختفائك الغامض يا لومومبا وإختفاء الجزائري العربي بن مهيدي. إختفى وقتـِل كمثلكم كثيرون. أغمضنا أعيننا عن المتعاملين مع المستعمر فتفرعنوا وتمادوا في غيهم وقاحة وعربدة.
يقول صديقك فرانس فانون أن المخابرات الأميركية والمستعمرين البلجيكيين، قتلوك لأنهم فقدوا الأمل بشرائك، فلقد بِعـْتَ نفسك لبلادك وللناس المساكين. في بلادنا يا لومومبا فاق العرضُ والطلبَ. هبط الخونة والمرتزقة إلى أدنى الدرجات. أما تشومبي الذي شجعوه على إقتطاع كاتنغا في الكونغو فاسم نظيره عندنا البغدادي، وكاتنغا هي داعش. تمتد من الموصل غربا إلى الرقة شرقا. من المحتمل أن تولد كاتنغا ثانية في محاذاة الحدود الأردنية مرورا بالقنيطرة، وصولا إلى تلال العرقوب في لبنان. الولايات المتحدة حاضرة وإلى جانبها تقف حكومة هولاند الفرنسية والسلطان أردوغان والمستعمرين الإسرائيليين. منذ تاريخ إغتيالك يا لومومبا ونحن نتدحرج من هزيمة إلى أخرى. قلتَ « إذا مات الكونغو خيمت على أفريقيا ظلمة الهزيمة والمهانة». نحن نقول إذا سقطت سوريا كتب علينا الهوان والتيَهان والهلاك. السلام عليك يا لومومبا.!
(الديار)