مقالات مختارة

ليس لدى الولايات المتحدة خيارات جيدة في سوريا دينيس روس

 

 

لا ينبغي أن يكون مفاجئاً استمرار إدارة أوباما في الصراع مع نهجها الحالي في سوريا. فليست هناك خيارات جيدة في الحرب التي أودت بحياة 200,000 شخص وشردت حوالي 10 ملايين آخرين. والرئيس أوباما على حق بقوله إنّه ليس هناك حلولاً سحرية لهذه المشكلة، ومع ذلك من الواضح أنّه يدرك أن تجنب التدخل ليس خياراً إذا أرادت الولايات المتحدة تحقيق هدفه المعلن بتفكيك تنظيم «الدولة الإسلامية» («داعش») ومن ثم تدميره في النهاية. إن ترك هذه الجماعة الإرهابية تتمتع بملاذ آمن في سوريا يضمن لها القدرة على العيث فساداً في العراق فضلاً عن خلق المجال العملياتي الذي تمارس من خلاله التخطيط والتجنيد، وفي الوقت المناسب، شن الهجمات في جميع أنحاء العالم .

غير أنّ كل خيار من الخيارات المتاحة يمثل معضلة أيضاً. فقد أعطى القصف الأمريكي لأهداف تابعة لـ تنظيم «الدولة الإسلامية» في سوريا حريةً لنظام الأسد لتكثيف قصفه على مواقع المعارضة غير التابعة لـ «داعش». وبما أنّ هذه القوى ترى أنها هي التي تدفع ثمن الهجمات الأمريكية على تنظيم «الدولة الإسلامية»، تقوم الإدارة الأمريكية بالتالي باستبعاد الجماعات نفسها التي تأمل الولايات المتحدة بأنها هي التي ستحل محل تنظيم «الدولة الإسلامية». بيد، تتجنّب الإدارة الأمريكية شنّ هجمات ضد أهدف تابعة للنظام السوري، على الأقل جزئياً بسبب المخاوف من الرد الإيراني – ليس بصورة كبيرة في سوريا بل في العراق. وكما أخبرني أحد كبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية، إذا هاجمنا مواقع بشار الأسد، فسوف يطلق الإيرانيون العنان للميليشيات الشيعية ضدّ تواجدنا في العراق.

وبالتأكيد يجب على الولايات المتحدة التفكير في إمكانية أن تؤدي مصالح إيران في نظام الأسد إلى قيام رد إيراني أيضاً. ولكن، هل تبطل هذه المصالح الخطر الأكثر إلحاحاً الذي يفرضه تنظيم «الدولة الإسلامية» على إيران ووكلائها في العراق؟ هل يحارب الإيرانيون «داعش» كخدمةٍ للولايات المتحدة؟ من الصعب التصديق أن إيران قد تسعى إلى إضعاف القتال ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» في العراق من أجل حماية الأسد.

ومع ذلك، فإن تجنب الإدارة الأمريكية ضرب أهداف تابعة للنظام السوري لا زال أمراً صائباً. وعندما كتب هشام ملحم مدير مكتب “قناة العربية” في واشنطن هذا الشهر أن السبب الحقيقي وراء عدم ضرب الإدارة الأمريكية لمواقع الأسد هو أنّ ذلك قد “يؤثر سلباً على الموقف الإيراني في المفاوضات” بشأن الملف النووي، فقد كان يعبّر في ذلك عن وجهة نظر الكثيرين في المنطقة.

وهنا أيضاً، تقف واشنطن أمام مشكلة: إن التردد في ضرب الأسد، وخاصة إذا كان بدافع من حساسية المخاوف الإيرانية، فإن ذلك يغذي قلق شركاء الولايات المتحدة من الدول السنية. فالسعوديون والإماراتيون وآخرون يخشون فعلاً من أن أي اتفاق نووي سوف يأتي على حسابهم، ومن الواضح أنهم غير مرتاحون تماماً من الحديث عن انفراج محتمل بين الولايات المتحدة وإيران.

ويقيناً، قد يكون الانفراج مفيداً إذا كان يمكن أن يغيّر الموقف الإيراني في المنطقة. ولكن ليس هناك إشارة كافية بأن الجمهورية الإسلامية لديها أي نية من هذا القبيل؛ بل على العكس من ذلك، يبدو أن الإيرانيين عازمون على تغيير ميزان القوى الإقليمي لصالحهم، حتى أنّ بعضهم يتحدث صراحةً عن نفوذهم البارز في أربع عواصم عربية هي: بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء. غير أنّ هذا الشعور بالنصر يعمّق شكوك السنّة تجاه الولايات المتحدة – وبالطبع أن السنّة هم في النهاية أهمّ من في المعادلة إذا كان يجب إلحاق الهزيمة بـ تنظيم «الدولة الإسلامية».

وبكل بساطة، بإمكان أهل السنّة – القادة والعشائر والجمهور – فقط أن يشوّهوا سمعة «داعش». أما الولايات المتحدة فليس بوسعها عمل ذلك. كما أن الإيرانيين والميليشيات الشيعية لا يستيطعون القيام بذلك. وإذا سُمح لنظام الأسد بزيادة هجماته على المعارضة غير التابعة لتنظيم «الدولة الإسلامية» دون أن يكون هناك أي عقاب، ودون دعم حقيقي للمعارضة، لن يبقى السنّة إلى جانب الولايات المتحدة. بل الأسوأ من ذلك، فإن واشنطن تخاطر بأن يتم النظر إلى «داعش» على أنها حامية السنّة.

وهكذا، تقف الولايات المتحدة أمام خيارات بائسة. فما زال إعلان الإدارة الأمريكية عن جهود لتدريب 5000 مقاتل من قوات المعارضة وتسليحهم، ينتظر تمويل الكونغرس – حتى أنّ عملية التدقيق لم تبدأ بعد. كما أنّ ثمة حدود لما يمكن أن تحققه الزيادة الكبيرة لبرنامج التسليح السري لـ “وكالة المخابرات المركزية” – حيث أنّ هذه القوات نفسها التي يسلّحها البرنامج تعرضت للهزيمة مؤخراً على يد «جبهة النصرة»، فإما خسرت أسلحتها أو تم تسليمها لمقاتلي الجماعة التي هي ذراع تنظيم «القاعدة». ويبدو مسار الولايات المتحدة الراهن في سوريا مثيراً جداً للتهكم ومن الواضح أنّه يواجه خطر خسارة السنّة.

وربّما حان الوقت لأن تعيد الإدارة الأمريكية النظر في موقفها حيال إنشاء منطقة عازلة تأوي المعارضة السورية على طول الحدود التركية السورية. ويمكن أن يتم إقامة المنطقة عبر الإعلان أنّ أي طائرة سورية مقاتلة تحلّق ضمن مسافة 75 ميلاً (120 كيلومتراً) من الحدود سيتم إسقاطها باستخدام بطاريات صواريخ باتريوت التي نشرتها منظمة حلف شمال الأطلسي على طول الحدود. ويُفترض بالمنطقة العازلة أن تلبّي مجموعةً متنوعةً من الاحتياجات: فمن الناحية السياسية، ستتيح للمعارضة قيام منطقةً داخل سوريا تستطيع من خلالها تنظيم صفوفها وتوحيدها، وتجاوز خلافاتها؛ ومن الناحية العسكرية، فستوفر قاعدةً للتدريب داخل سوريا، وتضفي لقوات المعارضة شرعية أكبر بكثير؛ أما من الناحية الإنسانية، فسوف توفر ملاذاً آمناً في الوقت الذي يُمنع فيه اللاجئون السوريون من دخول تركيا والأردن ولبنان.

وفي مقابل إنشاء مثل هذه المنطقة العازلة، يمكن للولايات المتحدة أن تصرّ على أن تبدأ تركيا بالعمل كشريك فاعل معها ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» والسماح باستخدام قواعدها في القتال. وعلى نحو مماثل، على واشنطن أن تخبر السعوديين والإماراتيين والقطريين بأن عليهم أن يلبّوا الاحتياجات المادية للاجئين وينسقوا التدريب العسكري مع الولايات المتحدة عن قرب، داخل المنطقة العازلة.

ولن يحبّذ الإيرانيون والروس والأسد مثل هذا الخيار – وقد يحاولون رفع تكاليف العمل به. غير أنّ الخيارات المتاحة أمامهم هي أيضاً ليست كبيرة. فهل يريد الأسد حقاً خسارة طائراته الحربية؟ أما بالنسبة إلى الإيرانيين والروس، فإنّ إمكانية زيادة التكاليف قد تحثهم أخيراً على البحث عن مخرج سياسي للصراع السوري.

ليس هناك أي خيار خال من التكاليف. غير أنّ المسار الأمريكي الحالي لا يقدم الكثير في ما يخصّ سوريا وحتى إنه يمكن أن يقوّض أهداف الولايات المتحدة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية».

دينيس روس مستشار في معهد واشنطن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى