مقالات مختارة

لهذه الأسباب «يخشى» الحريري اللقاء مع نصرالله : «ظلّ» الوالد والأسئلة الصعبة ابراهيم ناصرالدين

 

عندما يتجند اعلاميو وسياسيو تيار المستقبل لشرح «شجاعة» رئيس الحكومة الاسبق سعد الحريري بقبول الحوار مع حزب الله، وعندما يغرق هؤلاء في كيل المديح والبحث عن مفردات لتفسير موقفه ، يشير كل ذلك الى وجود مشكلة حقيقية ومعضلة صعبة الحل عنوانها فشل الابن في ملء الفراغ الكبير الذي خلفه «الوالد» عند استشهاده. وأمام «اللاشيء» الذي خرج به الحريري في مقابلته الاخيرة، وأمام عدم اقتناع احد بالمبررات التي ساقها لفتح حوار مع حزب الله في هذا التوقيت، يبقى السؤال الاهم الذي لم يقدم الحريري اجابة واضحة عليه، كما كل «اللاسئلة» المعدة مسبقا، هو لماذا استبعد عقد لقاء قريب مع الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله؟

طبعا، تقول اوساط سياسية في 8آذار، ان من وضع السؤال،«وطبخ» الجواب، من فريق عمل سياسي واعلامي لدى الرئيس الحريري، اراد ان يخرج زعيم «التيار الازرق» من هذه الاجابة بانتصار معنوي «صبياني» على طريقة «ولو هيدا سؤال»، «بكير كثير انا اجلس مع السيد» «حكيني بغير هالموضوع»، هنا يفترض بجمهور المستقبل ان يشعر بان الحريري الابن ربح جولة تفاوضية ووجه «صفعة» مدوية لحزب الله، خصوصا انه يفترض بان السيد نصرالله قد الغى يومها كافة مواعيده، وجلس قبالة التلفاز في انتظار الرد الموعود.

طبعا، ما تقدم هو نوع من سيناريوهات افلام الخيال تضيف الاوساط، واذا كان الحريري يرفض دعوة غير موجودة اصلا، فلانه يعلم ان طريقه الى «حارة حريك» غير معبدة بعد، ليس بسبب وجود الملفات الخلافية بين تيار المستقبل وحزب الله، فوجودها قد يكون مبررا لعقد مثل هكذا جلسات حوارية مع السيد نصرالله، وانما لانه لا يملك اي مشروع حقيقي وجاد يمكن ان يكون «خارطة طريق» طويلة الامد لتطبيق شعاراته حول تنفيس الاحتقان المذهبي، وحماية السلم الاهلي، فهو غير قادر على الدخول في «مغامرة» مماثلة وهو لا يملك «ضوءا اخضر» اقليميا للذهاب بعيدا في حوار استراتيجي مع حزب الله، والواضح ان كل ما يسعى اليه في هذه المرحلة مجرد وضع «الساحة اللبنانية» في «الثلاجة» وتجميد الخسائر السياسية عند الحد الراهن، بعد ان سقطت كافة العناوين والشعارات التي «ركب» تيار المستقبل موجتها مع انطلاق «الربيع العربي»، وهو يدرك انه خسر مرة جديدة نتيجة قراءة خاطئة للاحداث، ولكنه لا يجد نفسه مضطرا لاعلان الهزيمة، ويراهن على الوقت لتقليل «الخسائر»، مع علمه المسبق ان لا مفر من الاقرار بها يوما، لكن البحث مستمر عن مخرج لائق. وفي الانتظار يمكن لجلسات حوارية بين قيادات «الصف الثاني» ان تفي بالغرض.

طبعا نضوج التسويات الكبرى ضروري قبل ان تفتح حارة حريك «ابوابها» للرئيس الحريري، لكن الاهم برأي تلك الاوساط، وجود الارادة السياسية الصادقة لبناء علاقة متينة تقوم على النية الصادقة لدى الحريري بفتح صفحة جديدة مبنية على الاعتراف باخطاء الماضي والاستعداد للاتفاق على استراتيجية واقعية تلحظ موازين القوى وكيفية الاستفادة منها في مشروع وطني لا يستثني احدا من المكونات الاخرى، فعندما اختار والده الشهيد «طرق» الابواب هناك، فتحت على مصراعيها، لانه جاء يومها ومعه ملف متكامل لتنظيم العلاقات السنية -الشيعية على قواعد التكامل مع الطوائف الاخرى لبناء الوطن وحمايته من «العواصف» الداخلية والخارجية، وكان الحريري الاب مقتنعا يومها بضرورة الاستفادة من سلاح المقاومة وتوظيفه كورقة قوة متلازمة مع ذراعه الدبلوماسية القوية، وكان مدركا ان التعاون الصادق مع السيد نصرالله كفيل بوضع البلاد على السكة الصحيحة لمنع تسلل الفكر التكفيري المتطرف الى الساحة الاسلامية. فأين الحريري الابن من هذا كله؟

وبرأي تلك الاوساط، فان اكثر ما يخشاه الحريري الابن هو «ظل» والده الذي سيلاحقه في تلك الجلسات اذا ما قدر لها ان تنعقد، واكثر ما يخشاه هو سؤاله عن «ارث» والده السياسي في الشارع السني الذي اضاعه بفعل التخبط المستمر في السياسات العشوائية والرهانات الخاسرة، وفي هذا السياق يدرك جيدا انه في مواجهة «الهالة» والقدرات الهائلة التي يمثلها السيد نصرالله وسط طائفته، وفي فريقه السياسي، وعلى المستوى الاقليمي والدولي، ستكون الجلسات غير متوازنة وسيحضرها بصفته الحزبية كرئيس لحزب سياسي اسمه تيار المستقبل فقد الكثير من قدراته التمثيلية والتأثيرية في شارعه ولدى الحلفاء، واذا لم يكن بين يديه «ورقة» تفاوضية اقليمية يحملها الى اللقاء بصفته حاملا لجواز سفر سعودي، فهو يعرف مسبقا انه لن يكون ندا «لخصم» سياسي يحمل بين يديه معظم «الاوراق» الداخلية والاقليمية.

وبرأي تلك الاوساط، فان مشكلة الرئيس الحريري تكمن في عدم قدرته على تقديم اجابات على الكثير من الاسئلة التي ستطرح عليه في لقاء مماثل، فماذا لديه من افكار لحماية مشروع الدولة، اذا كان قد انطلق في حواره المتلفز من فكرة اقصاء الرئيس المسيحي القوي بحجة عدم اغضاب حلفائه؟ فهل هكذا يمكن طمأنة المسيحيين الى مستقبلهم، وهل من خلال التعامل معهم مواطني درجة ثانية يمكن حماية البلد؟ طبعا لا. ولدى السيد نصر الله رؤية متكاملة في هذا السياق لشرح اسباب دعمه للجنرال ميشال عون، ليس انطلاقا من وفاء شخصي او رد للجميل، وانما انطلاقا من رؤية استراتيجية لطمانة المسيحيين. وفي المقابل لا توجد اجوبة عند الحريري الا التمسك بمعادلة شديدة الغرابة ساهم بابتكارها شخصيا، عنوانها « لا جعجع اذا لا عون».!

واشارت الاوساط الى ان السؤال الاهم يتعلق بكيفية حماية مشروع السلم الاهلي وسط الحرائق المذهبية في العالميّن العربي والاسلامي. فهل يملك الحريري مشروعا لمواجهته؟ لا يبدو كذلك، فجل ما يقوم به شعارات مرحلية باسم «الاعتدال» تكون رد فعل على احداث تسببت بخسائر لتياره في الشارع السني، فرئيس تيار المستقبل لم يضيع وقته منذ كانون الثاني 2011 عندما خرج من السلطة لحظة دخوله الى مكتب الرئيس الاميركي باراك اوباما، وبدل اجراء دراسة معمقة لاسباب هذا الخروج «المذل»، واجراء قراءة نقدية لاسباب عدم فهم «الرسالة» الحقيقية لاحداث السابع من ايار 2008، دخل بدل ذلك في مغامرة جديدة من خلال تشجيع ودعم التيارات المتطرفة في الشارع السني على قاعدة انه يريد ان «يربي» حزب الله ويريد ان «يدفعه» ثمن عملية خروجه من السلطة، لكن ماذا كانت النتيجة؟ تيار المستقبل خسر قواعده وكبر «الوحش» في «بيئته الحاضنة»، واصبح خطر هؤلاء يهدد بسقوط الدولة على «راس الجميع»، في المقابل تعزز موقع حزب الله في المعركة ضد الارهاب بعد ان أخذ على عاتقه دعم المؤسسة العسكرية لمواجهة ما انتجته سياسة الحريري الخاطئة. طبعا لم يكن لدى الحريري الا ان «يركب الموجة» من جديد «فنفض يديه» من هؤلاء وتخلى عنهم وعاد للتسويق لتياره المعتدل، وهو يشعر بالزهو اليوم بالقابه الجديدة، «كاسحة الالغام» او «الاطفائي»، هذه الالقاب يمكن تسويقها اعلاميا، لكنه يعلم انه عندما ينظر الى عيني السيد لن يستطيع الانكار بانه يتحمل مسؤولية كبيرة عن اندلاع الحريق.

طبعا، هذا غيض من فيض اسئلة كبيرة لا يملك الحريري اجابات عنها تؤكد الاوساط، وهو يدرك ان اتهاماته لحزب الله ستتلاشى مع بدء اللقاء المفترض مع السيد نصرالله، فثمة فارق كبير بين من يملك استراتيجيات للتنفيذ وبين من لا يحمل معه سوى شعارات للاستهلاك وتبرير العجز، لكن الحريري يدرك جيدا ان «ابواب» حارة حريك لن تقفل يوما في وجهه، فالقليل من «التواضع» «والواقعية» والعودة الى «مظلة» الوالد لا الخوف من «ظله»، كفيلة بـ «كسر الحواجز».

(الديار)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى