أفاق الحرب السعوأمريكية على إيران وروسيا .. والتداعيات . حسن شقير
مجدداً ، جرّدت السعودية سيفها النفطي من غمده ، وذلك بإشهاره بوجه خصميها اللدودين ( إيران وروسيا)، وتحديداً في هذه المرحلة من مراحل صراع النفوذ الذي تخوضه في المنطقة ، وذلك منذ أن بدأ التضاد الفعلي فيما بينها وبينهما ، وذلك فيما خص الحرب على سوريا ، منذ ما يقرب الأربع من السنوات ….
لم يكن هذ الإشهار للسيف السعودي النفطي يتيماً ، فلقد سبق للسعودية أن فعلتها في أواخر ثمانينيات القرن الماضي ، وذلك في تلك المرحلة التي كان فيها الإتحاد السوفياتي في عهد ميخائيل غورباتشوف ، يلفظ أنفاسه الأخيرة ، وكذا الأمر في أوائل تسعينيات القرن الماضي أيضاً ، وذلك بوجه العراق أبان حكم صدام حسين وذلك قبيل غزوه المشؤوم لدولة الكويت في تلك المرحلة ، والتي أسست لمرحلة حصار العراق وعزله ، إلى حين غزوه في العام ٢٠٠٣ ، واسقاط النظام البعثي فيه ، حيث سقط في الفخ الأمريكي بخف رجليه …
حديثاً ،فعلتها السعودية مجدداً ، بعيد احتدام الأزمة في سوريا ، وذلك بوجه الجمهورية الإسلامية الداعمة للنظام السوري ، وذلك بعد أن أعلنت أنها على ” استعداد لتعويض أي نقصٍ في أسواق النفط العالمية ” ، وذلك في مقابل التعويض عن عدم ضخ النفط الإيراني الخام في الأسواق العالمية ، وذلك بعد تشديد العقوبات الدولية والأمريكية تحديداً على قطاع النفط الإيراني … وقد وصّفتُ واقع المملكة في حينه ، من خلال مقالة عنونتها ب ” الإشباع الذاتي لعرب الإعتدال … ومخاض السقوط العسير ” والتي نشرتها بتاريخ 07-09-2012 ، بأن هذه الدولة ومعها معظم الدول النفطية الخليجية ، توهمت بأنها قد وصلت إلى مرحلةٍ من ” الإشباع الذاتي ” النفطي والسياسي والعسكري ، وعلى صُعدٍ متعددة … وذلك بشكل مماثل لما أصاب السياسة الخارجية الأمريكية ، على حد وصف بريجنسكي في كتابه ” نظرة استراتيجية : أمريكا وأزمة القيادة في العالم ” ، وذلك عندما عبّر عن حال هذه السياسة المنتفخة ، والتي أصابها الإشباع الذاتي السياسي أيضاً .
كانت السعودية ، ومعها تلك الدول الخليجية ، تقوم بعملية جلدٍ للذات في سبيل تحقيق مصالح أمريكا ، وعلى الصعد كافة ، ظانة معها – قصداً أو بغير قصد – بأن ذلك يصب أيضاً في خدمة المصالح السعودية والخليجية بشكل عام ، وبالتالي يعزز نفوذ المملكة المرغوب في المنطقة على حساب خصومها ، وعلى رأسهم الجمهورية الإسلامية الإيرانية …
لعل توصيف جلد الذات الذي استعملته في الماضي ، كرره بلغة مختلفة ، من هم داخل البيت السعودي الملكي ، وإن بلغة مختلفة ، وذلك كان في الإنتقاد الشديد الذي وجهه الأمير الوليد بن طلال للتصريحات الأخيرة لوزير النفط السعودي ، والذي عبر عن عدم تأثير تراجع الأسعار في أسواق النفط العالمية ، على اقتصاد ومالية المملكة !
لم يكتف الوزير السعودي بهذه النظرية الإقتصادية الغريبة ، إنما أردف مؤخراً في أعقاب الإجتماع الدوري لمنظمة أوبك ، وقرارها بعدم خفض سقف الإنتاج من النفط الخام ، بغية وقف تدهور الأسعار وتراجعها ، بأن عبّر عن الرضا لإتخاذ أوبك هكذا قرار!!!!
لم يعد خافياً على أحد بأن التبريرات التي يسوقها البعض ، حول اتخاذ المملكة موقفها هذا ، بأنه يصب في خانة قطع الطريق على البلدان التي تحاول الاستعاضة عن النفط التقليدي لصالح استخراج النفط الصخري ، وذلك بجعل هذا الأخير ذا كلفة عالية في استخراجه ، مقارنة مع النفط التقليدي ، الذي تنتجه السعودية .. وذلك لترغيب هذه الدول بالعودة عن هذا التوجه النفطي الجديد ، لصالح التوجه التقليدي … وهنا تقف الولايات المتحدة الأمريكية في مقدمة هذه الدول …
تسقط هذه النظرية ، ضمن منطق اقتصادي بسيط ، يرى أن هذه السياسة لا تدفع بالضرورة إلى ذاك التوجه ، وأن التاريخ الحديث لم يؤيد هذه النظرية … وتسقط هذه الأخيرة أيضاً ، ضمن المنطق السياسي العقلاني ، بأن السعودية بفعلتها تلك ، لا يمكن لها أن تكون في وارد إيذاء الإقتصاد الأمريكي تحديداً … فهذا محال أيضاً … لأجل ذلك ، اتفقت الأراء الإقتصادية والسياسية ، بأن المطلوب في هذا التوجه النفطي السعودي ، هما رأسين ، لا ثالث لهم من بين الدول ،ضمن الحسابات السعودية ، وهما إيران وروسيا …. وأكثر من رأس دولي – إضافة إليهما – ضمن الحسابات الأمريكية ، كالجزائر وفنزويلا ، وغيرهما من الدول التي ليست على خط تنفيذ الأجندة الأمريكية في العالم …
ما ينبغي أن تتنبه له السعودية ، بأن مقولة صدام حسين الشهيرة ” قطع الأرزاق من قطع الاعناق ” ، قد تطفو على السطح مجدداً ، ولكن ليست بنفس النتائج التي ترتبت على النظام العراقي السابق ، والتي أدت به إلى الوقوع في فخ احتلال الكويت ، والذي مهد إلى نهايته ، كما هو معلوم …
صحيح أن عراق ما بعد صدام لم يكن ، ومازال غير مستقر وتعصف به الأزمات الكبرى ، من إرهاب وطائفية بغيضة ، إلا ٌ أن كل ذلك ، لم يمنع إيران من أن تتحول إلى قوة فاعلة في نظامه السياسي ، وإن كان ثمن ذلك الكثير الكثير من الإستنزاف للشعب الإيراني تحديداً …
لا يختلف الأمر عن روسيا ، فلئن كانت تلك السياسة السعودية في عهدي غورباتشوف ( إبان الإتحاد السوفياتي ) ،ويلتسين في بدايات تشكل الإتحاد الروسي ، قد كان لها – أي لهذه السياسة النفطية السعودية – دورٌ في تعجيل تفكك الأول ( الإتحاد السوفياتي ) وإطالة عجز الثاني ( الإتحاد الروسي ) ، فإن الأمر اليوم مختلف تماماً مع روسيا – بوتين ، والذي يبدو أنه عازمٌ ، وبقوة الفعل لا القول ، على تحطيم نظام القطبية الأمريكية الأحادية ، وتصميمه المتواصل على قيام نظام دولي متوازن ، تكون فيه روسيا أحد أركانه الأساسية …
إذاً إيران الثورة الإسلامية بقيادة الإمام الخامنئي ، ليست عراق – صدام حسين ، وروسيا – بوتين ، ليست الإتحاد السوفياتي وروسيا في عهدي غورباتشوف ويلتسين … لا بل إن إمكانية وقوع الجمهورية الإسلامية في شرك استراتيجي ، قد تكون أمريكا ، من خلال المملكة قد نصبته لها ، هي إمكانية شبه معدومة ، وليست المسألة فيها مبالغة ، فإن تاريخ الثورة الإسلامية منذ أكثر من ثلاث عقود خلت ، يُدلل على الكثير من الحكمة السياسية في التعامل مع القضايا المصيرية التي تواجه الجمهورية الإسلامية …. وهذه الحرب الجديدة عليها ، ليست استثناء عن ذلك … فهي تسير منذ زمن بعيد ضمن سياسة الإقتصاد المقاوم ، والإكتفاء الذاتي الممكن في مختلف المجالات …
نعتقد ، أن ما ينبغي للسعودية أن تتنبه إليه ، من أن حربها الجديدة – القديمة هذه ، والتي تعتقد أنه من خلالها ستُصيب بها ، كلا ً من إيران وروسيا في مقتلهما ، وذلك قبيل المأمول الإيراني في انهيار جبل العقوبات عنها ، في المرحلة القادمة ، وقبيل قطف روسيا لثمار التوجهات الروسية الجديدة لموسكو بعيداً عن الإبتزاز الغربي ، نحو الصين وباقي المنظومات الأخرى من البريكس وشنغهاي وغيرها .. فإنها – أي هذه الحرب – قد تؤتي ثماراً عكسية هذه المرة ..فالتوجهات الروسية الجديدة ، والتهديد الروسي الأخير بفك العقوبات عن إيران من جانب واحد … قد يجعل من تلك الحرب السعودية بغير ذي جدوى ، لا بل أن هذه الأخيرة ، لربما تكون بفعلتها تلك ، ربما تكون قد تخطت مرحلة جلد الذات ، إلى مرحلة جديدة ، ربما تكون سمتها ، تعليق المشنقة الإقتصادية ومعها السياسية لنظامها بكلتا يديها، وخصوصاً إذا ما قررت هاتان الدولتان الرد عليها ، وذلك من خلال جعل المملكة أولا ، بتركها تهز اقتصادها بيدها ، دون أن يتحقق ما تصبو إليه ، في القضاء على اقتصاد خصومها … وربما أيضاً ، يرافق ذلك ، لعب هذين الخصمين ، ومعهم من يدور في فلكهما ، ببعض أوراق القوة التي يملكانها في المنطقة ، والتي قد تُدخل السعودية في مرحلة من الإهتزازات والترددات ، تُقرّبها من مكانٍ خطرٍ عليها … وذلك دون أن يضطر هذان الخصمان ، في الوقوع بأي شركٍ استراتيجي كبير قد يكون منصوباً لهما ..
خلاصة القول ، المرحلة المقبلة خطرة ، سيرتفع فيها الكباش السياسي إلى درجة عالية ، والمملكة العربية السعودية قد تتخطى سمة الإشباع الذاتي ، إلى سمة أعلى ، قد يكون عنوانها الإنفجار الذاتي ، وذلك ما لم يستدرك القيّمون على الشأن فيها ، للتراجع عن سياسة الضرب تحت الحزام ، مع كبارٍ في هذا العالم ، قد لا يتورّعوا عن القيام بأي شيء في سبيل رفع السيوف عن رقابهم ورقاب شعوبهم ، لا بل وردها إلى أغمادها لمرة واحدة وأخيرة .