بعد الإعتراف بـــ ” يهودية ” الكيان..تأتي “عبريته “! د. فايز رشيد
من قبل تناولت في مقالة : خطأ استعمال لفظ ” العبرية” للدلالة على إسرائيل . في هذه المقالة سأتناول ملاح هذا المفهوم ووجود بعض الإرتباط بينه وبين مفهوم ” يهودية إسرائيل” . ليس لأكثر من دولة الكيان قدرة على ممارسة الضغوط من خلال الحركتين : الصهيونية و الصهيو-مسيحية! على الأفراد والدول والسياسين , ثم تبدأ مرحلة الإبتزاز !. آخر ما كشفته الأنباء: مصادر إسرائيلية وأمريكية رفيعة المستوى كشفت عن :مفاوضات سرية جرت بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل ,إلى جانب المفاوضات غير المباشرة بين الطرفين , والتي يقودها كيري .تمت المحادثات بين ممثل نتنياهو وأحد المقربين من الرئيس الفلسطيني ,وأسفرت عن اتفاق يقضي : بموافقة إسرائيل على إقامة دولة فلسطينية ( مع تعديل لحدود عام 1967 وبعض الشروط الأخرى) مقابل قبول السلطة بالاعتراف بـ “يهودية إسرائيل” , وكما تقول نفس المصادر : كاد أن يتم توقيع الإتفاق, الذي تعرقل في مراحله الأخيرة .
يحاول الإسرائيليون إلصاق انفسهم بالتاريخ القديم , ومن أساطيرهم : أن هيكل سليمان كان مبنياً في محل المسجد الأقصى. لذلك:هم يسرقون آثاراً من القدس ,ويدّعون أنها آثارهم ! ثم يقومون باستخدامها في أبنية يدّعون (تاريخيتها)بهدف : إعطاء الإنطباع بأن تاريخ دولتهم يمتد إلى آلاف السنين.لقد فشل علماء الآثار(رغم كل التنقيب)بمن فيهم علماء إسرائيليون في إيجاد أية آثار يهودية مرتبطة بالرواية الإسرائيلية للتاريخ.إن علماء كثيرين عالميين من بينهم الباحث ماك اليستر أشاروا: إلى أن قرناً كاملاً من التنقيب في فلسطين لم يفض إلا إلى آثار فلسطينية ويجهد اليهود في تزييفها.من بين هؤلاء أيضاً الكاتبة كاتلين كينون في كتابها”علم الآثار في الأرض المقدسة” ,وأبحاث المؤرخ بيتر جيمس الذي نشرها في كتاب”قرون الظلام” ,كذلك توماس تومسون في كتابه”التاريخ المبكر للشعب الإسرائيلي” ,والكاتب غوستاف لوبون في كتابه”تاريخ الحضارات الأولي” ,وأخيراً وليس آخراً شلومو ساند(وهو مؤرخ إسرائيلي)في كتابيه”اختراع الشعب الإسرائيلي”و”اختراع أرض إسرائيل”. هذه هي الخلفية الحقيقية لكل عمليات حفر الأنفاق تحت المسجد الأقصى , ولاقتحامات غلاة المستوطين إليه , المتواصلة يوميا تحت سمع ومرأى من قوات الاحتلال وبالتنسيق معها . يطمحون إلى هدم المسجد وبناء “الهيكل الثالث” المزعوم في محله !.
من بين الأضاليل الصهيونية: فإنه وعند تأسيس دولة إسرائيل حاولت الحركة الصهيونية ,تعميم تعبير(الدولة العبرية) كإسم يطلق على الدولة المقامة في فلسطين. هذا لم يكن صدفةً, فله دوافعه التاريخية الممكن إسقاطها على الحاضر في محاولة لتزييف التاريخ, وإجبار كل الآخرين على الاعتراف بوقائع و(حقائق)جديدة ,بعيدة كل البعد عن المصداقية التاريخية. إن الاعتراف بــ(عبرية)إسرائيل يعني إعطاء هذه الدولة صفة مزورّة،فالاعتراف بــ ذلك يضفي “حقيقة”على الأضاليل والأساطير الإسرائيلية في الرواية الصهيونية, لتاريخ فلسطين.نعم يخطئ كتابنا ومثقفونا وصحفيونا من خلال الوقوع بشكل غير مقصود في المطب الصهيوني: بـ وصف الكيان أحيانا كـ”دولة عبرية”!..
إن كلمات(عبرانيون)و(عبرية)وفقاً للعديد من الباحثين القديمين والجديدين منهم: درايفر(أستاذ اللغة العبرية في جامعة أوكسفورد سابقاً) كلوفاني بيتيناتو(منقب وخبير لغات قديم)وغيرهم ,إضافة إلى الاكتشافات الأثرية في مغايرْ ممكنة (إبلا) السامية … كل ذلك يؤكد بأن “العبرية” كلمة كنعانية قديمة, كانت تطلق على قبائل وأقوام كثيرة, ولا علاقة لليهود بها, لا من قريب أو بعيد ,وأن كلمات “عبري”, “عبريت” ,”عبراي” هي كلمات آرامية حاخامو اليهود في وقت لاحق ,كأفضل طريقة يمكن اتباعها لربط تاريخهم بأقدم العصور, ولجعل عصر اليهود متصلاً بأقدم الأزمنة , وبذلك يكون تاريخ فلسطين تاريخاً “يهودياً”!ولهذا فإن الباحثين اليهود يتمسكون بكلمة(العبرية)ومصطلح(العبرانية التوراتية) كقرائن تربط بين اليهود وبعدهم التاريخي في فلسطين(الموسوعة الفلسطينية, الجزء الثالث ,الطبعة الأولى, دمشق ,ص 186),وكاحتمال وحيد لإيجاد الروابط المفقودة بين اليهود في جميع المجالات , ولهذا فإن الحركة الصهيونية عمّقت شعار أحد الرواد الأوائل في الحركة الصهيونية ,وهو آحاد هاعام(آخر يهودي وأول عبري)وجعلته شعاراً أحد شعاراتها الرئيسية .
في هذه المرحلة لم تكتف إسرائيل بــ(عبرية)دولتها وقد كانت محطة عبورلــ(يهودية)إسرائيل , وجعلت من الاعتراف بهذه (اليهودية) شرطاً أساسياً على الفلسطينيين والعرب ,لإنجاز أية تسويات مع الطرفين.بالطبع من حق كل دولة أن تسمي بناءها السياسي كيفما تشاء, ولكن في الحالة الإسرائيلية(وهي حالة استنثائية في التاريخ)حيث جاء مستوطنون مهاجرون من كل بقاع العالم ليحتلوا فلسطين ,ويقتعلون أهلها ,ويرفضون الاعتراف بالحقوق الوطنية لشعبها , ويمعنون في الابتزاز بالاشتراط على عليهم وعلى أمتهم :الاعتراف بهذه(اليهودية), بكل ما يعنيه ذلك من تداعيات حقوقية قانونية , مشرّعة لشعبنا الفلسطيني من الأمم المتحدة , ومخاطر تهجير أهلنا في منطقة 48 , ونسف حق العودة … وغيرها من تلك التي أوضحناها في مقالة سابقة عمّا تعنيه “يهودية إسرائيل”.
بعد الأعتراف بـ “يهودية إسرائيل” سيأتي الطلب الصهيوني للاعتراف بـ “عبريتها”!! الواقع باختصار شديد: أن ثمة فارق بسيط يوجد بين “العبرية ” و “اليهودية” فمثلما تقول المصادر السابقة : فإنه لا دخل لليهود بـ”العبرية” لا من قريب أو بعيد . اليهودية ديانة مثل كل الديانات السماوية الأخرى , اتكأت الصهيونية عليها لاختراع مفاهيم “الشعب ” , “الأمة” و “القومية ” لليهود في محاولة تزوير واضحة للتاريخ , ولتثبيت الأضاليل في المقولات الصهيونية عن ” الحق اليهودي ” في أرضها , ومن أبرز من تناول الموضوع :روجيه غارودي , إسرائيل شاحاك , شلومو ساند , نورمان فلكنشتاين , سامي ميخائيل . تهدف إسرائيل من تعميم مصطلح “العبرية” … إلى بعدين, الأول : ديني من خلال التحريفات التي أجراها اليهود على التوراة ,من أجل ملائمة الرواية الدينية الجديدة للهدف السياسي ,لإقامة الدولة في فلسطين . الثاني : سياسي بهدف ربط الأساطير التضليلية الصهيونية, بأقدم العصور .
نود التساؤل : ما الذي يربط بين اليهودي الأمريكي والآخر الإثيوبي؟ وما هي القواسم المشتركة بين فسيفساء المستوطنين المهاجرين إلى إسرائيل …غير الديانة ؟ تماما مثل الديانة الإسلامية ,التي تربط بين العربي والإندونيسي والإثنان لا يشكلان لا شعبا واحدا ,ولا قومية واحدة, ولا أمة واحدة . في إسرائيل : يهود غربيون، ويهود شرقيون، الروس يعيشون مع بعضهم, وهكذا العراقيون, واليمينون وغيرهم وغيرهم! ثم ما هذه الدولة التي تميز عنصرياً بين الإثنيات والأعراق المختلفة لليهود فيها ؟ فالتمييز العنصري في الكيان الصهيوني قائم ليس فقط ضد الفلسطينيين العرب (رغم أن ذلك يحتل الدرجة الأعلى في سلّم التمييز) , لكن هناك تمييزاً ضد اليهود الشرقيين, واليهود السود(الفالاشا)وغيرهم.
إسرائيل أنشأت ولم تشكل مثل الدول الأخرى في عملية تطور تاريخية طبيعية ,بل جرى إنشاؤها قسراً, دولة احتلالية عنصرية ,فحتى الثقافة الواحدة, مفقودة فيها! فلا صحة إطلاقاً لمقولة(الثقافة)الإسرائيلية الواحدة , وإن جاز إطلاق كلمة(ثقافة)إسرائيلية تجاوزاً بالطبع ,فهي ثقافة العدوان والتدمير وإرهاب الدولة . في الحقيقة تنطبق عليها وصف: أن إسرائيل عبارة عن ثكنة عسكرية, أو عصابة إرهابية, أو جيش له/لها دولة.