الحرب الأميركية على «داعش»: تكريس الاستقلال الكردي عامر نعيم الياس
مهّد تمدّد «داعش» في العراق واستهداف الأيزيديين والكرد لتدخّل عسكري أميركي في العراق بحجة الدفاع عن الأقليات فيه، تحت صبغة تحالف دولي لمحاربة الإرهاب ما لبث أن توسّع في شهر أيلول الماضي ليصبح تحالفاً عربياً أميركياً لمحاربة تمدّد «داعش» في سورية، بحجة ترابط الوضعين السوري والعراقي في ما يخصّ الجانب اللوجستي الخاص بمقومات صمود «داعش» على طرفَيْ الحدود. وفي ضوء الأشهر الثلاثة الأخيرة وسير العمليات العسكرية على الأرض، لوحظ أمران مهمان: أولهما أن التدخل العسكري الأميركي بدأ من العراق بعد كسر الخطوط الحمراء الأميركية في ما يخصّ الأكراد واقتراب «داعش» من أربيل، وثانيهما في سورية مع احتلال قضية عين العرب واجهة الحرب الأميركية على سورية.
وفي سياق الحديث عن إنجازاتٍ للتحالف الأميركي في سورية والعراق لوحظ استمرار تمدّد «داعش» على الأراضي السورية والعراقية عدا تلك التي تصنّف على أنها أراضٍ كردية، فعاصمة ما يسمى إقليم كردستان أصبحت في وضعٍ آمن وخرجت عن نطاق تهديد التنظيم الوهابي المتطرّف، أما في سورية فقد لوحظ تحرك أميركي إقليمي على مسار تأهيل الوضع الكردي لأخذ صفة خاصة تشابه ما كان سائداً في تسعينيات القرن الماضي في العراق، وبما يساعد في إكساب القضية الكردية بعداً عابراً للحدود في دولتين كسر فيهما «داعش» حدود سايكس ـ بيكو. فأكراد كردستان ممثلين بالبيشمركة دخلوا عين العرب، وتحالف اوباما كثّف من ضرباته على «داعش» في محيط المدينة السورية التي أريد لها أن تتحول إلى رمزٍ للمقاومة الكردية من ناحية، ومن ناحية أخرى مقياساً لنجاحات التحالف سواء على صعيد إعادة صوغ التوازنات بين أقطاب الأزمة الكردية السورية. وهنا يحضر مثال المفاوضات التي جرت بين الحزب الديمقراطي الكردي ممثلاً بصالح مسلم وبعض المسؤولين الأميركيين والتي أفرزت الوضع الحالي في عين العرب، وسواء لجهة ما أسماه الصحافي الفرنسي جورج مالبرونو «القطف الخجول لثمار عمليات التحالف العسكرية في كوباني بعدما أجبر الأكراد تنظيم داعش على التراجع عن حوالي سبعين قرية في محيط المدينة السورية»، وهو ما يطرح بدوره إشارات استفهام حول وضعية الحرب الأميركية الحالية على «داعش»، وما إذا كانت في هذه الفترة مقتصرة على تأهيل نقاط صلبة للنفوذ الأميركي في سورية، وتكريس هذا النفوذ في العراق؟
إن المحاولات الأميركية لتظهير القضية الكردية قوبلت بتحركٍ كرديًّ موازٍ كشف عنه مايكل نايتس زميل ليفر في معهد واشنطن للسياسات إذ قال في مقال نشر على موقع المعهد: «شهد الأسبوع الثالث من شهر تشرين الثاني الحالي جولةً قام بها وفد كردي عراقي رفيع المستوى في العاصمة واشنطن، إذ مارس ضغطاً على قادة الكونغرس ومراكز الأبحاث ملتمّساً دعمهم لتوطيد أواصر العلاقات العسكرية بين الولايات المتحدة وإقليم كردستان بشكل جذري». وعلى رغم أن البيت الأبيض يحافظ على صيغة تراعي الحكومة المركزية في بغداد في ما يخص التعامل مع إقليم كردستان، إلا أن هذا التحرك شكّل بدايةً لتحرك قادة في الكونغرس لتبني فصل العلاقة مع كردستان العراق بشكل نهائي عن العلاقة مع بغداد بما يساعد في تطبيق كامل لخطة نائب الرئيس جو بايدن القاضية بتقسيم العراق. ففي العاشر من الشهر الجاري قام إد رويس رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي وأحد كبار قادة الكونغرس بطرح قرار «دعا فيه الرئيس أوباما إلى تزويد حكومة إقليم كردستان بشكل مباشر بالأسلحة التقليدية المتقدمة وبالتدريب والخدمات الدفاعية بصورة عاجلة»، وقبيل ذلك وفي أيلول الماضي طرح النائب الجمهوري في الكونغرس دانا روراباكر مشروع قرارٍ مماثل لتزويد كردستان العراق مباشرة بالسلاح من دون العودة إلى الحكومة العراقية. وعلى رغم عدم إقرار أي تشريع في هذا الخصوص.
إلا أن الأميركيين يعكفون حالياً على ترسيخ وجودهم في شمال العراق حيث تُنشأ الآن قاعدة جوية وقاعدة تدريب في مطار باشور قرب منطقة حرير في إقليم كردستان العراق، الأمر الذي يعكس اتخاذ الإدارة الأميركية خطوات ضمنية من شأنها ترسيخ تفكك العراق باعتباره أمراً واقعاً، واستغلال ستارة الحرب على «داعش» للمضيّ قدماً في هذا المخطط الذي أربك بدوره الحكومة المركزية في بغداد ودفعها إلى تقديم تنازلات تحت ضغط متطلبات المشاركة العسكرية الأميركية الأكثر فاعلية في الحرب على «داعش» في العراق، وخير مثالٍ على ذلك تسليم حكومة العبادي بتشكيل «حرس وطني سنّي» في مناطق الأنبار سبق أن وصفناها في مقال بالبناء بأنها «بيشمركة الأنبار»، فضلاً عن توقيع وزير النفط العراقي عادل عبد المهدي لاتفاقية تقاسم إيرادات النفط مع حكومة إقليم كردستان في الرابع عشر من تشرين الثاني الجاري، والتي تساهم في تكريس واقع استقلال الإقليم عن بغداد وأحقيته في أراضي يدّعي أنها كردية لا عراقية.
وفي هذا السياق يختم نايتس مقاله بالقول: «ما يجري في كردستان العراق أقرب ما يكون إلى كيان دولة مستقلة، لكن التسمية تختلف فحسب. وهذا أمر قد يكتفي به أكراد العراق في الوقت الراهن».
(البناء)