«ميسترال»: الاقتصاد الفرنسي في مواجهة سياسات هولاند عامر نعيم الياس
«تعليق حتى إشعار آخر»، عبارة اختصرت الالتفاف الفرنسي الرسمي على موعد تسليم «فلاديفوستوك»، حاملة الطائرات الأولى من نوع «ميسترال» إلى روسيا. فتح الإليزيه مرّةً جديدة فصلاً آخر من فصول مسلسل ابتزاز دوليّ لا نهاية له. فهو الآن، وبعد مؤشّرات على المضيّ قُدماً في صفقة تسليم حاملتَيْ الطائرات إلى موسكو، تراجع مع تعنّت الإدارة الأميركية في سورية وعدم مسايرة الرئيس الاشتراكي الذي يصرّ وتركيا على فرض منطقة حظر جوّي، كما اتضح أوّل من أمس، من تصريحات وزير الخارجية فابيوس، التي جاءت بالتوازي مع زيارة وزير الخارجية السوري وليد المعلّم إلى روسيا. لكن الأطلسي قال كلمته، فيما هولاند يستخدم أوراقه للضغط على موسكو وتسليف واشنطن موقفاً يضرب عرض الحائط حال الاقتصاد الفرنسي المتدنية، والتراجع غير المسبوق في فرص التوظيف داخل فرنسا.
وبحسب صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية، «فإن البطالة مستمرّة وبمعدّلات مرتفعة منذ وصول فرانسوا هولاند إلى الرئاسة». ووفقاً لبيانات العمل في فرنسا الصادرة في تشرين الأول الماضي، فإنه «ومنذ انتخاب هولاند ازداد معدّل العاطلين عن العمل بنسبة 30 في المئة، إذ سجّل حوالى 2.2 مليون فرنسيّ أسماءهم في مكاتب التوظيف. كما ارتفع عدد العاطلين عن العمل في صفوف الشباب الفرنسي تحت سنّ الـ25، بنسبة 9.5 في المئة بين أيلول 2012 وأيلول 2014». فما الذي يريده هولاند؟ وهل في إمكانه إلغاء الصفقة مع روسيا؟
الانتهازية السياسية الفرنسية ومنذ أيام شيراك، لم تخفَ على أحد، فالساسة الفرنسيون ملكيون أكثر من الملك، وهنا يبرز مثال التعامل الأميركي ـ الفرنسي مع الأزمة السورية كدليل على النهج الفرنسي. لكنّ هولاند خطَّ ما هو مختلف عن ساركوزي الذي اعتبر أنّ توقيع صفقة «الميسترال» مع الروس عام 2011، بمثابة إنجاز مهمّ له كرئيس فرنسيّ. ويكفي أن نعرف أن بناء حاملتَيْ الطائرات قد وفّر أكثر من ألفَيْ وظيفة مستدامة و4 ملايين ساعة عمل للعمّال الفرنسيين في شركتَيْ «STX»، و«DCNS». هذه الأخيرة التي تملك الدولة الفرنسية ثلثيها، وعليه فإن الرئيس الأقل شعبية في التاريخ الفرنسي يضرب عرض الحائط المصالح الاقتصادية الفرنسية. وهذا أمر لا يمكن احتماله في المدى المنظور في ضوء العواقب الاقتصادية والمعنوية التي ستنجم عن إلغاء الاتفاق بين روسيا وفرنسا. فبالسنبة إلى الجانب الاقتصادي، يُتوقّع أن تبلغ تعويضات إلغاء الصفقة مبالغ كبرى لا يتحمّلها الاقتصاد الفرنسي، فشركة «STX» المسؤولة عن تصنيع أجزاء من «ميسترال» تبلغ قيمة عقودها مع الروس حوالى 660 مليون يورو. ويُتوقّع في حال فسخ العقد أن تدفع حوالى 30 مليون دولار. أما شركة «DCNS»، فتبلغ قيمة عقدها حوالى 1.2 مليار يورو، ويُتوقَّع أن تدفع عشرين في المئة منه كشرط جزائي في حال فسخ العقد، أي حوالى 240 مليون يورو، وهو مبلغ يتجاوز الأرباح التشغيلية للمجموعة التي بلغت حوالى 166 مليون يورو عام 2013. والأسوأ من ذلك، بحسب صحيفة «لوموند»، «اللجوء إلى التحكيم الدولي إذ يمكن أن تتجاوز قيمة التعويضات مليار دولار».
أما بالنسبة إلى الجانب المعنوي، فإن القرار الفرنسي من شأنه أن يضرّ بثقة مستوردي السلاح الفرنسي بالحكومة الفرنسية، كالهند على سبيل المثال، والتي ترتبط بعقود تسليح مع باريس. كما أنه يمنع بعض العملاء المحتملين من اللجوء إلى السوق العسكرية الفرنسية.
يحاول هولاند التقرّب من واشنطن على حساب اقتصاد بلاده، لكنّ العواقب التي من الممكن أن تترتب على مستوى الاقتصاد الفرنسي أوّلاً، والعلاقة مع روسيا ثانياً، لا يمكن غضّ النظر عنها، وربّما تحاول موسكو التعامل بصبر مع الملفّ لإدراكها العوامل السابقة وفهمها الانتهازية الفرنسية. ففي الوقت الذي لم يؤثّر فيه القرار الفرنسي على أعمال بناء حاملة الطائرات الثانية المسماة «سيفاستوبول» بحسب صحيفة «لوفيغارو»، ردَّ يوري بوريسوف، نائب وزير الدفاع الروسيّ، على القرار الفرنسي قائلاً: «سننتظر بصبر».
(البناء)