الحراك التركي الإقليمي محمد نورالدين
قبل سنة إلا نيف قام رئيس الحكومة التركية حينها رجب طيب أردوغان بزيارة إلى طهران وذلك بعد مرحلة من الجفاء معها . وقبل سنة بالضبط كان وزير الخارجية التركي أيضاً حينها أحمد داوود أوغلو يقوم بزيارة إلى العراق وكانت المناسبة عاشوراء ويلتقي خلالها بالمسؤولين العراقيين كما مع المرجع الأعلى للشيعة السيد علي السيستاني . أيضاً كانت الزيارة بعد فترة طويلة من التوتر بين تركيا والعراق .
وفي كلتا الحالتين وغيرهما من حالات مشابهة على مستوى وزاري كما على مستوى رئيس البرلمان، كانت التساؤلات تطرح عما إذا كانت تلك اللقاءات تعكس تحولاً في سياسة تركيا تجاه إيران أو العراق أو المنطقة عموماً .
غير أن ما كان يحدث من تطورات كان في اتجاه استمرار التوتر أو الجفاء أو على الأقل الجمود في العلاقات التركية مع هذه الدول . وما كان للبوصلة التركية أن تزوغ فقط في اتجاه الدول المذكورة المجاورة لها، بل إنه منذ منتصف العام 2013 تقريباً والبوصلة تزوغ في علاقات تركيا مع دول عربية أخرى . فرغم أن التطورات في مصر بعد ثورة 30 يونيو/ حزيران داخلية خاصة بمصر، فقد تعاطى معها أردوغان كما لو أنها شأن داخلي تركي وكما لو أن مصر ولاية عثمانية، ورفض حتى الآن الاعتراف بشرعية انتخاب عبدالفتاح السيسي رئيساً للجمهورية . ولم يسمح المصريون بغالبيتهم في إهانة بلادهم من جانب شخص أجنبي يسعى للهيمنة من جديد على مصر كما كانت أيام الدولة العثمانية، وهي التي سجلت أول انتفاضة شاملة على الحكم العثماني في عهد محمد علي باشا . وعرفت خلال فترة حكم جمال عبدالناصر تصدياً لمشاريع الهيمنة الغربية على المنطقة وكانت تركيا جزءاً أصيلاً من هذه المشاريع .
واستكملت تركيا دورة العداء للمحيط العربي والإقليمي باتخاذ مواقف سلبية من دول الخليج العربي عبر التعاون مع جماعات إسلامية أرادت زعزعة الاستقرار في تلك البلدان . وخلال المناسبات البروتوكولية أو المناسبات الدولية العامة انقطعت الاتصالات والتواصلات بين أنقرة ومعظم الدول العربية .
اليوم تعود عجلة التواصل التركي مع بعض العواصم الإقليمية . رأينا زيارة لوزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو إلى الرياض . لكن الزيارة الأبرز كانت لرئيس الحكومة أحمد داوود أوغلو إلى بغداد وأربيل .
الزيارة مفاجئة إلى حد كبير خصوصاً بعد غزوة “داعش” للعراق والدور التركي البارز فيها .
والمفاجأة الأكبر زيارة داوود أوغلو إلى أربيل حيث إن إقليم كردستان كان قد طلب من تركيا مساعدة عسكرية لصد هجوم “داعش” على أربيل حينها لكن تركيا رفضت وفقاً لما كشف عنه فؤاد حسين رئيس ديوان الرئاسة في إقليم كردستان .
كما أن تركيا رفضت أن تقدم أي مساعدة لمدينة عين العرب الكردية في سوريا لرد هجوم “داعش” بل إن أردوغان كان قد بشر بقرب سقوط المدينة التي مع ذلك لم تسقط بفضل الضغط الأمريكي على أنقرة .
مع ذلك فإن الانفتاح التركي على العراق ببغداده وأربيله ليس له من مسوّغ يذكر سوى ارتباطه ببعض المتغيرات في علاقات العراق الإقليمية . فتركيا تحاول ألا تكون خارج الحراك الإقليمي ولا سيما الإعلان عن قرب افتتاح سفارة للسعودية في بغداد وهنا تحاول تركيا أن توازن الحضور السعودي الجديد في العراق . ومن جهة ثانية فإن أنقرة تسعى أيضاً لكبح صعود صورة إيران في العراق والتي برزت بعد مساعدة إيران لأكراد العراق في الدفاع عن أربيل كما المساعدة للدفاع عن بغداد، وفي كلتا الحالتين بوجه “داعش” .
كذلك فإن تركيا تواجه بعض المؤشرات الاقتصادية السلبية وتسعى لتعويضها من خلال تحريك عجلة العلاقات الاقتصادية مع بغداد وأربيل .
ومهما يكن فإن الحضور التركي في المنطقة، من جهة لن يعود كما كان، لأن المؤمن لا يلدغ من جحر واحد مرتين، ومن جهة ثانية لا يمكن الوثوق بالتوجهات الجديدة إذا لم تقترن بتغيير جذري في مواقفها من كل دول المنطقة وقضاياها، كما من المنظمات الإرهابية التي يحاربها التحالف الدولي الذي تشكل . وإلى ذلك الحين فإن الشك بالنوايا التركية سيبقى سيد الموقف والحذر أكثر من واجب في التعامل معها .
(الخليج)