المحكمة الخاصة بلبنان: دواء لكل داء؟ د. ليلى نقولا الرحباني
لم تضف شهادة الوزير مروان حمادة في المحكمة الخاصة بلبنان شيئاً إلى ما يعرفه اللبنانيون عن الاتهام الذي وجّهته قوى 14 آذار إلى سوريا ثم حزب الله باغتيال الرئيس رفيق الحريري، ولا إلى ما تمّ تداوله لسنوات في حمأة الحديث عن ضرورة تأسيس المحكمة والوجهة التي ستركّز عليها اتهاماتها، خصوصاً حينما كانت الاتهامات موجَّهة إلى النظام السوري آنذاك، أي في الفترة الممتدة من 2005 ولغاية أيار 2009، قبل أن ينتقل الاتهام إلى الداخل اللبناني باتهام عناصر من حزب الله بذلك الاغتيال، عبر تسريب “دير شبيغل”، ثم في القرارات الاتهامية التي صدرت عن الإدعاء العام في المحكمة .
يخشى البعض من أن تعيد شهادات المحكمة عقارب الساعة إلى الوراء في لبنان؛ وعودة التوتر المذهبي، لكن من الواضح من خلال شهادة مروان حمادة وما يقال عن شهادات أخرى ستليها، فإن كل ما يقال كان قد تمّ نشره سابقاً في الصحف وقيل عبر وسائل الإعلام المختلفة، ولم تضف أي جديد أو تقدِّم أي دليل حسّي وملموس يُثبت الاتهام ويضيف إلى الأدلة الظرفية التي يستند إليها مدعي عام المحكمة. وعليه، فإن بناء القضية على أساس التوتر الذي كان سائداً في علاقة الرئيس الحريري بالنظام السوري لا يعني إثبات أنها انسحبت على علاقته بحزب الله، الذي شهد لقاءات عدّة بين السيد حسن نصرالله والرئيس الحريري امتد بعضها ساعات عدّة، كما أن التوتر السياسي لا يعني بالضرورة الوصول إلى درجة الاغتيال.
ويبقى ما يُمكن أن يشار إليه في موضوع المحكمة الخاصة بلبنان، هو التقرير السنوي الخامس للمحكمة لسنة 2013 – 2014 الذي رفعه رئيس المحكمة دايفيد باراغوانث، معتبراً أن “المحكمة ستُسهم في تعزيز سيادة القانون في لبنان.. ولديها مهمة مساعدة حكومة لبنان وشعبه في جهودهما الحثيثة لإرساء سيادة القانون.. ومساعدة شعب لبنان ومؤسساته في جهودهم الرامية إلى إعادة إرساء السلام وبسط الأمن“.
بداية، من المهم لفت نظر المحكمة ورئيسها إلى أن توسيع مهام العدالة الجنائية، لتضمّ بالإضافة إلى تحقيق العدالة وإنصاف الضحايا مهاماً أخرى، كإرساء السلام وبسط الأمن، ومساعدة الحكومة على بسط سيادة القانون، يعطي انطباعاً وكأن “العدالة الجنائية الدولية” هي الوصفة السحرية التي تُعطى كدواء لكل داء في المجتمعات الخارجة من الصراع، أو أنها ترياق شافٍ يمنع العودة إلى النزاعات، ويبسط السلام والأمن ويؤدي إلى المصالحة، وهذا غير صحيح وغير صحي على الإطلاق.
أما بالنسبة إلى سيادة القانون، فبالرغم من مساهمة المحاكم الجنائية الدولية في احترام حكم القانون، باعتبار أن “لا أحد فوق القانون مهما علت مرتبته”، وأن عهد الافلات من العقاب من خلال التذرع بالحصانة قد ولّى، لكن يبقى أن سيادة حكم القانون في بلد ما لا تكفيه محاكمة واحدة ليتحقق.
إن سيادة حكم القانون في لبنان تعني أنه لا يجب التمييز بين الضحايا، بل مساواة تامة للضحايا أمام القانون وإنصافهم بالتساوي، وذلك عبر محاسبة مجرمي الحرب الأهلية عن الجرائم التي ارتكبوها، ومعرفة مصير 17000 مفقود ما زالت عائلاتها محرومة من أبسط حقوق الضحايا، وهي “الحق في معرفة الحقيقة“.
إن سيادة حكم القانون في لبنان تعني مساواة الجميع أمام القانون، وفي القانون ذاته، وتعني أنه بات بإمكان اللبنانيين محاسبة نوابهم المتورطين بالإرهاب الذي تقاضيه المحكمة الخاصة بلبنان، وتعني أنه بالإمكان اعتقال من يثبت تورّطه، سواء في التحريض أو التمويل أو الدعم أو المشاركة في أعمال إرهابية، سواء ضد المواطنين الأبرياء أو ضد الجيش اللبناني أو ضد المسؤولين السياسيين الذين يتعرضون للاغتيال بسبب مواقفهم السياسية.
إن سيادة حكم القانون في لبنان، ليس شعراً يُكتب على ورق، بل ممارسة عملية تمتد من أعلى الهرم حتى أسفله.. هو إطار شامل يمتد ليشمل ما هو أبعد من المؤسسات والقوانين والمحاكم، ليصل إلى مقاربة ثقافية ومواطنية شاملة.. وهذا أبعد بكثير مما تستطيع محاكمة أن تقوم به، مهما عظمت أهمية الضحيّة، ومهما توسّعت عالمية التحقيق والمقاضاة.