دوحة عرمون: أئمة تكفير وخلايا إرهابية نائمة: فراس الشوفي
تحوّلت بعض مساجد دوحة عرمون في الأشهر الماضية إلى منابر للتكفير والتحريض على غرار منابر مدينة الرّقة السورية. الجماعات التكفيرية انتقلت إلى العمل السّري مستفيدةً من خطب التكفير والاكتظاظ السكاني، فيما لا يكاد يمرّ أسبوع إلا وتعلن فيه الأجهزة الأمنية توقيف أحد المطلوبين أو المشتبه بهم في أعمال إرهابية .
لم يغب خطّ الساحل الجنوبي لبيروت عن مشهد الأحداث الأمنية على مدى السنوات الماضية. حين استعرت حرب التكفيريين على بيئة حزب الله، بعد حسم الجيش اللبناني حالة الشيخ الفار أحمد الأسير في عبرا، كان خطّ الساحل مركزاً لانطلاق عددٍ من السيارات المفخخة والانتحاريين في اتجاه الضاحية الجنوبية، وملاذاً لبقايا جماعة الأسير، ولخلايا أمنية مرتبطة بناشطي القاعدة كـ «كتائب عبد الله عزّام» و«جبهة النصرة» وتنظيم «داعش». فيما شكّلت التلال المشرفة على الضاحية والخطّ الساحلي، من بسوس وعيتات إلى بشامون وعرمون، منطلقاً لقصف الضاحية بصواريخ «غراد». ومع أن «فورة» الرايات الإسلامية في شوارع دوحة عرمون وخلدة والسعديات، التي رافقت صعود نجم الأسير، قد انحسرت بشكل عام، وبات العلم اللبناني وعلم تيار المستقبل مرفوعين فوق تمثال الشهداء في دوحة عرمون.
إلّا أنه لا يكاد يمرّ أسبوع لا تعلن فيه الأجهزة الأمنية توقيف أحد المطلوبين أو المشتبه بهم في أعمال إرهابية على طول خطّ الساحل. وآخر الموقوفين النقيب الفار من الجيش السوري عمار علي الخليف (القصير ــ اختصاصي دفاع جوّي، مواليد 1982،
كان يحمل هوية مزورة باسم زياد رحّال)، الذي أوقفه جهاز أمن الدولة مع شقيقه في خلدة بتهمة الانتماء إلى تنظيم إرهابي والتحريض على الجيش.
وفي الآونة الأخيرة، انتقلت الجماعات التكفيرية من العمل العلني إلى العمل السّري وتشكيل الخلايا النائمة؛ مستفيدةً من الكثافة السكانية التي تميز خط الساحل عموماً ودوحة عرمون خصوصاً، واعتماد عددٍ من أئمة المساجد على خطاب التكفير والتحريض. ويشكل المزيج السكّاني والاختلاط بين الفلسطينيين واللبنانيين على مختلف طوائفهم، وتضخّم أعداد النازحين السوريين منذ بدء الأزمة السورية، وتوزّع المسؤولية الإدارية في دوحة عرمون بين بلديتي الشويفات وعرمون، بيئة مناسبة لتخفّي هذه الجماعات. علماً أن المعلومات الرسمية تشير الى أن عدد قاطني الشويفات وعرمون ودوحتها وبشامون ودوحتها ودوحة الحصّ وخلدة، يعادل 628 ألف نسمة!
كل هذه العوامل، إضافة إلى الصدامات الأمنية السابقة وأعمال قطع الطرقات والاحتقان في المنطقة عند كل مناسبة منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري، جعلت الدوحة ملاذاً آمناً لمطلوبين خطرين في تفجيرات الضاحية وأعمال أمنية أخرى، وخلايا من لبنانيين وسوريين تضطّلع بمهام إرهابية على الأراضي السورية. ولا يغيب عن بال الأجهزة الأمنية وجهاز أمن المقاومة عدة تجمعات سكنية تؤوي عدداً من المطلوبين.
في التقييم الأمني، يشير أكثر من مصدر أمني رسمي معني بدوحة عرمون إلى أن «الخطر لا يتعدّى حالياً قيام الجماعات التكفيرية باستعمال أماكن اختبائها منطلقاً لأعمال إرهابية وتشكيل الخلايا للتحرك مستقبلاً، مع غياب الأفق في تحقيق مناطق سيطرة كاملة». وتعزو المصادر ارتياحها إلى أن «أي تحرّك جدي للتكفيريين هو تحت الرصد، والجيش لن يتهاون في حسم أي تحرك»، فضلاً عن وجود تأثير لقوى سياسية كالحزب الديموقراطي اللبناني وتيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي، على الرغم من ضمور دور المستقبل، وتراجع التأثير التاريخي للاشتراكي في الدوحة.
غير أن القلق يكبر حين الحديث عن دور بعض أئمة مساجد دوحة عرمون في التحريض والتكفير، رغم أنه سبق لاستخبارات الجيش أن نبّهت هؤلاء مراراً إلى ضرورة التوقّف عن التحريض. ومن يزر بعض مساجد الدوحة أيام الجمعة، يمكن أن يسمع من إمام مسجد أبو بكر الصدّيق، خطاباً يشبه خطب أمراء «داعش» في مدينة الرّقة. فضلاً عن أن المسجد الذي حضر افتتاحه ابن أخ الأسير وعددٌ من أفراد آل نبعة ممن يدورون في فلك تنظيم «القاعدة»، ليس مكاناً للصلاة فحسب، إذ تشير المعلومات إلى أنه يضم عدداً من غرف المنامة، ويقطنه عددٌ من المتشددين.
ولا يبدو مسجد الحسن أفضل حالاً، إذ يلقي إمامه (مقرّب من جمعية الإرشاد والإصلاح) خطابات تحريضية ضد مذاهب أخرى، تحت عنوان «الدفاع عن المظلومين في سوريا». ويقدم المسجد مساعدات للنازحين السوريين بتمويل من دول خليجية. كما يتردّد عليه عدد من المتشددين. فيما لا ينسى إمام مسجد الحياة (مقرّب من مفتي جبل لبنان محمد علي الجوزو، وقبل أحداث 7 أيار، كان أمين سرّ لقاء الجمعيات والشخصيات الإسلامية) في كلّ خطب الجمعة أن يسأل «أما آن للمارد السني أن ينتفض؟». خطابات إمام مسجد الإيمان (مقرّب من الجماعة الإسلامية)، هو الآخر، ليست بعيدة عن التكفير . فضلاً عن أن بعض مرتادي المسجد يقومون بحراسات ليلية حوله من دون سلاح ظاهر. وقبل نحو شهرين، رفض إمام المسجد التجاوب مع طلب رئيس بلدية عرمون فضيل الجوهري تخفيف حدّة خطابه.
وإلى جانب أئمة المساجد الدائمين، يتنقّل الشيخ م. غ. بين مساجد عرمون وبشامون، لإلقاء خطب تحريضية. والشيخ معروف بتردده الدائم إلى تركيا، وبعلاقته بوزير العدل والأوقاف الكويتي السابق نايف العجمي الذي أبعد من منصبه بعد اتهامه بتمويل الإرهاب في سوريا. كما يرتبط اسمه بـ«جمعية الاتحاد الإسلامي» ذات التوجهات الوهابية، والتي انشقت عن «جمعية التقوى» التابعة للشيخ حسن قاطرجي. وذكرت معلومات أمنية غير رسمية أن أمير «الحركة الإسلامية المجاهدة » في مخيم عين الحلوة الشيخ جمال خطّاب بدأ العمل مع «جمعية الاتحاد الإسلامي» لتشكيل نواة عسكرية خاصة بالجمعية.
وفي مقابل التحريض والتكفير، يكتفي أئمة مساجد المصطفى والمكحّل والأزهر وكريدية وغيرها بالتوعية والإرشاد الديني. وحين يمرّ الشيخ طارق المدني والشيخ خليل الشعراوي والشيخ محمود الخطيب على الكلام السياسي، يدعو هؤلاء المصلين إلى نبذ الفتنة والابتعاد عن العنف والقتل.
منسّق عرمون في تيار المستقبل الدكتور زهير كبّي يشدّد على أن «خطاب التكفير والتحريض في مساجد عرمون غير مقبول، ونحن تيار معتدل ولا نقبل به، وأهالي الدوحة لا يناسبهم هذا الكلام، والمنطقة هي لكلّ الناس، وسبق أن طلبنا من المشايخ التوقّف عن التحريض من دون جدوى». ويؤكّد أن «التيار يعمل بالتنسيق مع دار الفتوى لوقف هذا النوع من الخطب». فيما يقول وكيل داخلية الشويفات في الحزب الاشتراكي جلال الجردي إن «الحزب يحاول قدر الإمكان عدم الصدام مع المشايخ على رغم خطابهم التكفيري، عملاً بتوصيات الرئيس وليد جنبلاط، ونعوّل على البيئة المعتدلة لأهالي الدوحة وتيار المستقبل». ويشير الجردي إلى أن «الحزب يتعاون مع مخابرات الجيش وفرع المعلومات لرصد أي عمل إرهابي». ولا يخفي تخوّفه من أن «استمرار التحريض على هذا النحو، يؤثر سلباً في منطقة مختلطة وهادئة وتعتبر جزءاً من الجبل». ومن جهتها، تحذّر مصادر الحزب الديموقراطي من أن «خطاب التحريض في ظلّ وجود بعض المطلوبين والخلايا النائمة سيشكّل خطراً في المستقبل، ما لم يتم تداركه الآن».
سرايا المقاومة وخطّ الساحل
خطّ الساحل الجنوبي هو واحدٌ من أكثر خطوط التماس النائمة وضوحاً بين الخلايا التكفيرية وحزب الله، ممثّلاً بـ «سرايا المقاومة». كما أنه يشكّل بالنسبة إلى الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية «منطقة عمليات» وليس «منطقة اهتمام» فحسب، لما يشكّله من معبر رئيسي للمقاومة نحو جبهات الجنوب، وسبق أن استعمل كمنطقة لوضع «البريد الميت» ولإنزال عملاء وقوات برية ومدرعة على غرار ما حصل في اجتياح لبنان عام 1982. في نظر حزب الله، قطع طريق الساحل على خطوط إمداد المقاومة إلى الجنوب خطّ أحمر، ومحاصرة الضاحية الجنوبية من الخلف كذلك.
وللغاية، تعمل «سرايا المقاومة» على طول خطّ الساحل، وضمناً في خلدة ودوحة عرمون على خطّين: الأول هو احتضان مجموعة كبيرة من الشبان الذين سبق أن تركوا تنظيمات لبنانية وفلسطينية، وبينها تيار المستقبل، والثاني هو العمل على تحييد مجموعة أخرى من «أمراء الأحياء» عن الالتحاق بالجماعات الإرهابية طمعاً بالمال. وعلى ما تقول مصادر مقرّبة من السرايا لـ «الأخبار»: «استطعنا حتى الآن قطع الطريق على عمل الخلايا التكفيرية في منطقة خلدة تقريباً، وهناك الكثير من الشبان من مذاهب وأديان مختلفة يتطوّعون للعمل مع السرايا».
(الاخبار)