فليحان وضع المشروع في 2003 وأبو فاعور حرّكه سلامة الغذاء هل تنجزه اللجان بعد 12 عاما؟ سابين عويس
ما كاد وزير الصحة وائل أبو فاعور يفجر قنبلة فساد الغذاء حتى تقدم الامن الغذائي وصحة المواطنين وسلامتهم على ما عداها من اهتمامات، لتملأ فراغ المشهد السياسي وثقل الانتظار الطويل لتطورات مرتقبة من خارج الحدود.
جاءت الترجمة السريعة لتحرك أبو فاعور من المجلس النيابي الذي سارع رئيسه إلى دعوة اللجان النيابية المشتركة (الصحة، العمل والشؤون الاجتماعية، الاقتصاد والتجارة، الصناعة والتخطيط، الزراعة، السياحة، البيئة) إلى جلسة تعقد قبل ظهر اليوم للبحث في إقتراحي قانونين مقدمين الى المجلس عن سلامة الغذاء، أحدهما من النائب عاطف مجدلاني، والثاني قدمه الرئيس نجيب ميقاتي بإسمه وإسم النائب أحمد كرامي.
والمفارقة ان الاقتراحين المشار إليهما ليسا إلا نسخاً ( معدلة نسبيا) من مشروعي قانونين سابقين، يعود تاريخ الاول منهما الى عام 2003 وقد أعده في حينها وزير الاقتصاد الشهيد باسل فليحان، لكنه لم يقيض له أن يبصر النور بسبب التنازع على الصلاحيات والتنافس السياسي الذي حكم علاقات القوى السياسية في السلطة. اما الاقتراح الثاني، فقد أعده وزير الاقتصاد والتجارة في حكومة ميقاتي نقولا نحاس، آخذاً في الاعتبار، بعد مشاورات وإجتماعات مع الوزراء والادارات المعنية، نقاط الخلاف التي أوقفت مشروع فليحان، ليطرح مشروعاً تُطبق أحكامه (وفق المادة الاولى منه) على “الغذاء المعد للبيع او العرض في الاسواق، ويستثني الزراعة والمصانع الغذائية واستيراد المواد الغذائية عبر المعابر الحدودية والغذاء غير المعد للبيع الذي يحضر في المنازل ويخزن فيها للإستعمال الشخصي”.
وقد تكون حكومة ميقاتي، وضعت بمشروعها إصبعها على جرح الخلاف، إذ حافظ على إختصاصات الوزارات ضمن صلاحياتها (ولا سيما وزارات الزراعة والصناعة والسياحة) ولم يمس بها، لكنه ركز على صلاحية “الهيئة اللبنانية لسلامة الغذاء” التي سيتم إنشاؤها بموجب القانون لتتولى عملية الضبط والمراقبة منذ وصول المنتجات موضع القانون الى السوق.
ويأتي إجتماع اللجان المشتركة اليوم بعد توقف لنحو 3 أعوام، وتحديداً منذ إسترداد مشروع القانون الموجود لديها بموجب المرسوم رقم 7955 تاريخ 5/4/ 2012.
عملياً، وبالوقائع، وضع قانون سلامة الغذاء منذ عام 2002، أي منذ 12 عاما ولم يجد سبيله بعد إلى التطبيق، فيما المستهلك اللبناني أسير الفوضى وعدم التنظيم المرعي بالقوانين، ورهينة الفساد وغياب الرقابة والعقاب.
ليس واضحاً بعد مآل المناقشات المرتقبة في المجلس اليوم، ولكن الأكيد أن خطوة أبو فاعور أعادت وضع القطار على السكة، وأوجدت زخما ودينامية في إتجاه إقرار قانون للسلامة الغذائية، بقطع النظر عن أي قانون سيتم إعتماده، وإن كان يُسجل للشهيد فليحان أنجاز مشروع، لو أتيح له أن يرى النور، لكان وفر على اللبنانيين سنوات من الفساد.
لا تقلل مصادر وزارية مواكبة لهذا الملف من أهمية مبادرة أبو فاعور، مشيرة إلى ان وزير الصحة نجح في إستغلال بعض الغموض “البناء” في القوانين والمراسيم المرعية الاجراء ليبادر ويتصرف. فإجراءات أبو فاعور استندت الى قانون حماية المستهلك (659)، وهو عمليا القانون الوحيد راهناً الذي يرعى سلامة الغذاء، لكنه يفرض اللجوء الى المحكمة بسبب محاضر الضبط التي يخول أجهزة وزارة الاقتصاد وحماية المستهلك إصدارها بحق المخالفين، وذلك بعد المرسوم الاشتراعي رقم 71 الصادر عام 1983 في عهد الرئيس أمين الجميل، الذي يعطي المراقبين الصحيين المحلفين المولجين مراقبة سلامة المواد الغذائية صلاحيات مطلقة ليأخذوا من الاسواق بموجب امر مهمة عينتين من المواد الغذائية المشتبه بسلامتها او بعدم صلاحيتها للإستهلاك البشري)”
وعلى رغم ان قانون حماية المستهلك ألغى المواد المخالفة لأحكامه والواردة في المرسوم المشار اليه، فهو لم يشر صراحة الى تلك المواد، مما ترك المجال مفتوحا لوزارة الصحة للتحرك وفق ما ترتأيه تحت عنوان حماية صحة المواطنين وسلامتهم.
وإذا كانت وزارة الصحة تحركت عملانيا، فأحدثت الضجة المطلوبة للإضاءة على هذا الملف الحساس والملح، فإن الانظار ستتجه إعتباراً من اليوم إلى المشرع اللبناني، حيث مسؤولية النواب “الممددين” حيال ناخبيهم، لأن عدم إنجاز قانون سيطيح مبادرة ايو فاعور وسيعيد الامور الى المربع الاول ولن ينظم عملية ضبط سلامة الغذاء وتطبيق القوانين المكملة، مثل قانون القواعد الفنية الذي يحدد للوزارات والادارات كيفية إصدار المعايير التي تضع الاطار العلمي لسلامة الغذاء .
لقد سلك قانون سلامة الغذاء طريقا وعرة ومفخخة منذ ان تقدم به فليحان عام 2003. إذ لم يدرس، لتتقدم به حكومة الرئيس فؤاد السنيورة عام 2006 كمشروع قانون أرسل الى اللجان المشتركة ووافقت عليه من دون تعديل، ورفعته الى رئيس المجلس الذي وضعه على جدول أعمال جلسة عامة للتصويت، لكن وزيري الصناعة والزراعة إعترضا على المشروع لأنه يمس بصلاحيات وزارتيهما، فأحاله بري على لجنة فرعية برئاسة النائب عاطف مجدلاني.
استغرق هذا المسار عامين لتصطدم لجنة مجدلاني عام 2008 بالتعقيدات نفسها المتعلقة بالصلاحيات ورفض إنشاء هيئة لسلامة الغذاء.
ومع حكومة الرئيس ميقاتي استعيد المشروع ليواجه مجددا المسائل عينها، وصولا إلى التاريخ الحاضر حيث سحب مشروع ميقاتي ليقدمه هذا الاخير على شكل إقتراح قانون إلى جانب إقتراح مماثل قدمه مجدلاني بإسم الوزير الشهيد باسل فليحان.
(النهار)