قطع التدفقات المالية لداعش والنصرة :تشارلز ليستر
قال ديفيد كوهين وكيل وزارة الخزانة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية، في أحدخطاباته التي تحدثت عن تقييم الحكومة الأمريكية لوضع داعش المالي وإلى الاستراتيجية اللازمة لمواجهته: “داعش هي المنظمة الإرهابية الأفضل تمويلا بين المنظمات التي سبق لنا أن واجهناها” ولكن “ليس هناك من حل، أو سلاح سري يمكن ان يساهم في تفريغ صناديق داعش بين ليلة وضحاها”.
وفقاً لما اعلنه كوهين، فإن مصدر تمويل داعش الرئيسي لا يزال نابعا من سيطرة التنظيم على النفط وبيعه، إذ يؤمن للتنظيم، حسب تقديره، مليون دولار يوميا. وتأتي الأموال الاخرى عن طريق الفدية التي تطلب مقابل الرهائن الذين يختطفهم التنظيم، وشبكات “ابتزاز الأموال”، و”الأعمال الإجرامية”، و”التبرعات الخارجية”، مع العلم أن المصدر الأخير هو الأقل أهمية من حيث حجم الأموال.
واوضح كوهين أن الاستراتيجية الأميركية تركز على تعطيل مصادر دخل داعش، ومنعها من الوصول إلى النظام المالي العالمي، بالإضافة إلى فرض العقوبات على قادة التنظيم وكل من يسهل أعماله ويدعمه.
رغم الاستخفاف الشديد بقدرة داعش في الأشهر والسنوات التي سبقت الاعتداءات التي نفذتها في العام 2014 في سوريا والعراق، إلا أن تقييم وزارة الخزينة، لا بل الحكومة بأكملها، لوضع داعش المالي وللطريقة الفضلى لمحاربته يبدو على صواب إلى حد كبير.
صحيح أن الهبات الخارجية لا تعني كثيرا بالنسبة لداعش منذ العام 2005، الا ان تنظيم القاعدة في العراق، ومجلس شورى المجاهدين، ودولة العراق الإسلامية سعت باستمرار إلى تطوير هياكل داخلية للحفاظ على الاكتفاء الذاتي المالي والاستقلال عن الجهات المانحة من الخارج والتي قد تكون عرضة للهجوم. لكن، في ظل المناخ الراهن، فإن تراجع قدرة التنظيم على كسب المال من بيع النفط قد يزيد من أهمية الموارد الخارجية لتمويل داعش وذلك لتتمكن من المحافظة على استمراريتها الداخلية
ممولو تنظيم داعش في الخارج
من المهم جدا التركيز حاليا على الجهات المانحة في الخارج، لا سيما في الخليج وذلك بهدف التقليل من قدرتهم على التوسع. ووجد كوهين أن المبادرات السعودية والإماراتية حققت بعض التقدم، أما في الكويت وقطر، فأشار الى أنه رغم أن التشريعات الجديدة هدفت إلى مكافحة تمويل الإرهاب، إلا أن السلطات القضائية لا تزال “متساهلة” مع هذا النوع من الأنشطة وأن “لدى كل منهما المزيد من العمل للقيام به”.
مصلحة الدول الخليجية ليست في تسهيل عملية التمويل
داعش وصفت مرارا وتكرارا قطر ووزارة خارجيتها على نحو خاص كجهات كافرة نظرا لدورها في تأمين المساعدات الإنسانية للميليشيات العشائرية التي انتفضت ضد “الدولة الإسلامية في منتصف إلى أواخر العقد الماضي”.
الابتزاز وأنظمة الضرائب غير المشروعة هي مصدر مهم من مصادر التمويل الذي تحصل عليه داعش، ومن المحتمل أن يكون واحدا من أكثر المصادر استمرارية.
قبل السيطرة على الموصل كانت داعش تكسب 12 مليون دولار شهريا من هذه المدينة لوحدها. حاليا، يتكرر الأمر، وإن كان بطريقة منظّمة أكثر، في الأراضي التي تسيطر عليها داعش وضمنيا في مناطق أخرى تخضع جزئيا لسيطرتها. ولكن، من الضروري الاعتراف بأن عمليات “الابتزاز” وجمع الضرائب لا تُنفذ دائما وحصريا لمصلحة داعش. فعلى سبيل المثال، فرضت داعش نظاما متطورا للضرائب على طريق عمان- بغداد الدولي يحل محل الضرائب التي تفرضها الحكومة على الاستيراد من خلال فرض مبالغ أقل على نقل السلع إلى داخل العاصمة العراقية. كذلك، تسيطر العشائر السنية بشكل أساسي على نقل البضائع بالشاحنات عبر غرب العراق، وبالتالي، من خلال فرض ضرائب أقل تكسب داعش عائدات ثابتة إلا أنها تقدم لضامني الجباية من أفراد العشائر فرصة لزيادة أرباحهم. وهناك أنظمة مماثلة تُطبّق في مناطق أخرى من غربي العراق وشرقي سوريا، مع تشديد متزايد على هذا التركيز المزدوج على كسب المال بينما يحافظون على عمليات الشراء بالجملة من العشائر التي تعتمد داعش عليها وجودياً لتأمين استمراريتها على الصعيد الاجتماعي.
استمرار عمليات الابتزاز وفرض الضرائب تصعب عملية مكافحة تمويل الإرهاب، وقد أكد كوهين، إن القضاء على هذا المصدر يعني تقويض سيطرة داعش على الأرض. إلا أن الأمر لن يحصل بهذه البساطة من دون قوات محلية قادرة على مواكبة غارات التحالف.
عائدات داعش النفطية
المناقشات الاخيرة التي حصلت بين 24 مجموعة مسلحة في سوريا، كشفت ان هناك إحباطا ضمن صفوف المعارضة في ما يتعلق بالضرباتالجوية. وفي فصل الشتاء سيسجل نقص في الوقود الضروري للمولدات والمخابز وغير ذلك من المنشآت المحلية داخل الأراضي التابعة لداعش وخارجها.
لو لم تكن داعش قادرة على نقل النفط إلى المدنيين، كانت ستضطر إلى أن تتحمل المسؤولية، ولكن بعد الدمار الذي لحق بآبار النفط والمصافي المؤقتة، سيحاول التنظيم إلقاء اللوم على ” الصليبيين” (وقد ينجح في ذلك)، وفي هذا الصدد، قال أحد القادة المتمردين البارزين حرفياً: “لقد قدمتم لهم هدية حقيقية”.
جبهة النصرة هي المجموعة التابعة للقاعدة في سوريا، لا سيما وأن مصدر عائداتها الرئيسي يتمثل في المانحين الخارجيين، مع مساهمة رئيسية في خزائنها من الفديات ونظام الضرائب الداخلي البسيط وأنشطة الأسواق السوداء المحلية.
إن بروز التمويل الخارجي يسهل تحديد هدف مكافحة تمويل الإرهاب. يبدو أن تحديد هويات الأفراد المشتبه بمشاركتهم في تسهيل جمع الأموال ونقلها إلى جبهة النصرة ومعاقبتهم قد وضع الكثير من الملح على الجرح جراء خسارة النصرة لحقول النفط في شمال سوريا لصالح داعش في وقت مبكر من هذا العام.
وبينما دفع تراجع مصادر دخل النصرة إلى توسيع عمليات الخطف مقابل فدية، سرعت النصرة أيضا في عملية تغير داخلي تقوم بموجبها بتقليص قواتها واعتماد طبيعة تنظيم القاعدة النموذجي بشكل متزايد.
محاربة النصرة
بحسب متمردين في إدلب وحماه وحلب، تقوم النصرة حاليا ببيع أسلحتها الثقيلة في شمال سوريا للحصول على السيولة، فقيادة النصرة العليا بدأت تفقد طابعها السوري وتأثير قادة تنظيم القاعدة المحنكين يزداد. فالمقاتلون الأجانب يحصلون على الكثير من الاهتمام، بينما تراجع التشديد على الهوية السورية للمجموعة بشكل ملحوظ.
عينت النصرة قيادات إقليمية في حلب وحماه وإدلب وحمص والقلمون ودمشق ودرعا الا ان وجودها في إدلب وإلى حد ما في درعا يتحول إلى وجود ذي طبيعة ذاتية المصلحة وأحادية الجانب.
قد يكون هذا التحول في بنية جبهة النصرة الداخلية جزءاً من تطورها الطبيعي، ولكن تسارع بفعل تراجع الأموال. بالإضافة إلى ذلك، يبدو أن بدء ضربات قوات التحالف ضدّ مجموعة “الذئب” المتمركزة خارجياً في حلب قد دعمت هذا التحول المتطرف. وبالتالي وبشكلٍ مثير للسخرية، قد تؤدي تدابير مكافحة الإرهاب إلى عدائية أشد من جانب جبهة النصرة، تفوق ما كان سائداً في السابق.
مبدأ مكافحة تمويل الإرهاب معقد ومليء بالتحديات، على المدى القصير، يمكن أن يؤدي إلى مجموعة من النتائج الإيجابية والسلبية، ولكن على المدى الطويل، يمكن أن يشل، قدرة المنظمة الإرهابية على العمل والنمو، إذا نفذ بشكل صحيح،. في هذا الصدد، يعتبر تنظيما داعش والنصرة وحشين مختلفين اختلافا تاما، لذلك لا بد من التعامل معهما من هذا المنطلق.
نظراً لسيطرة داعشعلى مساحات واسعة من الأراضي والموارد، فهي تعتبر أضعف، ولكن لا بد أن نأخذ بعين الاعتبار قدرتها على إلقاء اللوم على المجتمع الدولي لانخفاض قدرتها على توفير النفط.
فالمطلوب ان يكون تأمين كميات كبيرة من وقود الديزل والنفط للمولدات في مناطق المعارضة في شمال سوريا على رأس أولويات السياسة العاجلة، وعلى المدى الطويل لن يكون إضعاف داعش ممكنا إلا من خلال هجوم قوي تشنه قوات محلية قادرة وتحظى بموارد هامة، ولكن في سوريا هذا الموضوع ه بعيد المنال.
تبقى هزيمة المنظمات الإرهابية على يد الاطراف الخارجية أمرا صعبا للغاية إن لم يكن مستحيلا. هذه المجموعات ستدمر نفسها بنفسها في نهاية المطاف.
معهد بروكينغز
ترجمة: وكالة اخبار الشرق الجديد-ناديا حمدان