أوباما ودي ميستورا ومراكز الأبحاث: تقسيم الأمر الواقع في سورية عامر نعيم الياس
أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما في كلمة عقب انتهاء قمة العشرين في برزبن في أستراليا، أن «الوقوف إلى جانب الرئيس السوري بشار الأسد ضدّ داعش في سورية سيضعف التحالف، وسيدفع المزيد من السنّة للالتحاق بداعش». كلام جاء متزامناً مع تحرّك مراكز أبحاث مختصّة بحلّ النزاعات، بحسب زعم الإعلام الغربي، وعلى رأسها «مركز من أجل الحوار الإنساني» ومقرّه في جنيف وتموّله عشر دول أوروبية وآسيوية، وذلك لوضع إطار عام وتطوير مبادرة المبعوث الأممي الخاص إلى سورية ستيفان دي ميستورا حول ما يسمى «تجميد النزاع» في سورية.
ونقلت صحيفة «واشنطن بوست» ومجلة «فورين آفيرز» الأميركيتين مقتطفات من التقرير النهائي لخطة إنقاذ سورية المعنونة «خطوات لتسوية النزاع السوري» والتي وضعها ديفيد هارلاند، وهو مسؤول سابق في الأمم المتحدة ومدير المركز آنف الذكر، ويعمل «ميدانياً» على إبرام الهدن في سورية، ومن أبرز ما جاء في التقرير «أن الحل في المدى القصير لا يكمن في الحكومة الانتقالية ولا في تقاسم السلطة، بل في تجميد الحرب وفقاً لما هي عليه الآن، والإقرار بأن سورية أصبحت دولة لا مركزية بفوّهة البندقية». وفي شرحه كيفية الحل يرى هارلاند «أن المناطق التي ستوقّع اتفاقيات هدنة ستحكمها الجهة المسيطرة، بعدئذٍ
تُجرى فيها انتخابات محلية تحتضن بموجبها إدارات سياسية، على أن يتكفل الغرب بدفع تكاليف إعادة الإعمار. أما مصير الأسد فيحدّده السوريون من خلال إصلاحات دستورية وانتخابات بمراقبة دولية تُجرى لاحقاً بعد التوصل إلى إنهاء الحرب، حتى ذلك الحين يبقى الأسد رئيساً».
ويرى التقرير أن المصالحات والهدن المبرمة ستتواصل مع بعضها عبر «سلطة السلام وإعادة الإعمار» وهي وحدة انتقالية يفرزها «اتفاق برعاية الأمم المتحدة»، هذا الاتفاق الذي يسمح بدوره «للنظام والمتمردين بتركيز الجهود والمواجهات ضد المتطرّفين، ما يسرّع في القضاء عليهم».
بالعودة إلى كلام أوباما والتقرير الذي أبرزته معظم وسائل الإعلام الغربية إلى جانب مبادرة المبعوث الدولي دي ميستورا يمكن لحظ التالي:
ـ توفّر المبادرة إذا ما اقترنت بكلام وزير الدفاع الأميركي تشاك هاغل حول عدم وجود «بديل عن الأسد» أرضية للبناء على مقترح جديد يحوّل الأنظار نهائياً عن «ملف التنحّي»، ويركّز على ما يسمى «الحوار السياسي» كطريق وحيد لبتّ هذه المسألة الشائكة.
ـ مبادرة دي ميستورا، وفي ضوء الرد المبدئي المشجّع للدولة السورية عليها، ستستخدم من جانب الغرب كأداة للحفاظ على الحالة الراهنة والتوازنات الحالية بهدف انتزاع مكاسب سياسية للميليشيات المرتبطة مباشرة بالولايات المتحدة، بمعنى تعزيز نفوذ «المعتدلين» في أماكن تواجدهم، ودعمهم عبر الأمم المتحدة والقرارات الدولية وتحويلهم إلى نموذج من شأنه أن يغري الكتلة المعارضة التي تؤيد التنظيمات الأشدّ تطرّفاً كـ«النصرة» و«داعش».
ـ تفتيت الدولة المركزية وضرب وحدة أراضيها، عبر إقامة مناطق حكم ذاتي على أساس الهوية، وهو الهدف الأبرز في الحملة الأميركية على المنطقة والمسمّاة «الربيع العربي».
ـ سلطة إعادة الإعمار في سورية والتي ستنتج عن الاتفاق، هي سلطة انتداب تسحب الصلاحيات الأهم من يد الدولة السورية بحجة الوقوف على الحياد والرقابة على تطبيق الاتفاق، بما يمهد إلى تطوير عمل هذه السلطة المفترضة عبر اقتراح قوات فصل مستقبلية لمراقبة الهدن المحلية وتطبيق اتفاقات وقف إطلاق النار أو ما يسمى الآن اتفاقات «التجميد».
ـ «الحرب الأهلية» قناعة راسخة في الاستراتيجية الأميركية الخاصة بالمنطقة كونها تؤدّي بالتعريف إلى استتباب الفوضى واستمرارها إلى حين نضوج الظروف المناسبة لاستكمال المخطط الأميركي. وهنا يمكن لحظ أمرين من كلمة أوباما في قمة العشرين: الأول، الاعتراف بـ«الخلافة السنيّة» في المنطقة والمتمثلة بـ«داعش» عبر ربط أي جهد لمحاربتها بالخوف من زيادة الدعم السنّي لها. والثاني، الانطلاق من هذا المعطى الأول لاستمالة أقطاب المذهب السنّي في حرب على «داعش» على أسس تلتقي وفكرة الدولة اللامركزية ومناطق الحكم الذاتي. وكنّا قد أشرنا في مقال سابق عن هذا الأمر عندما تحدثنا عن الحرس الوطني في وسط العراق باعتباره «بيشمركة الأنبار».
في مواجهة ما سبق، تطرح أسئلة حول واقعية الخطط الجديدة لحل النزاع في سورية، هل هي اتفاقات مصالحة تنهي الحرب أم أنها هدن موقّتة للابتزاز السياسي والاقتصادي والميداني؟ هل المقصود منها تعزيز توازن الردع بين الدولة والميليشيات المسلّحة في سورية؟ كيف ستحارَب تنظيمات كـ«النصرة» و«داعش» عبر دمج القوات العسكرية للسلطة والمسلحين، أم عبر تحويل عدة مناطق في سورية إلى بنغازي؟ هل نحن أمام تطبيق النموذج الليبي في سورية؟ هل الاعتماد على فصل القوات واللامركزية من شأنه أن يؤدّي إلى توحيد الجهود ضدّ «داعش» و«النصرة»؟ أم أنه على العكس سيؤدّي إلى ترسيخ متبادل لفكرة الأمة الهوية، أو كيانات ما قبل الدولة؟ هل تقبل الدولة السورية التي دفعت كل هذه الأثمان على مقايضة تقوم على بقاء الأسد مقابل تقسيم البلاد، أو بمعنى أصح هل الدولة السورية من الضعف بحيث تقبل بهذه المقايضة؟ ألم يفرض الواقع الشعبي والميداني الرئيس الأسد كرقم لا يمكن تجاوزه في سورية الموحدة؟ وهل التقسيم بحاجة إلى رعاية أممية في سورية واتفاقات؟ أم أنه خيار رفضته الدولة الوطنية في سورية ودفعت لشطبه أثماناً باهظة من دماء الشهداء؟
هو ارتباك أميركي يحتّمه اللجوء إلى خيارات واقعية في مقاربة الوضع السوري، فالتغيير الشامل في سورية طواه الزمن، وقبول الأمر الواقع كما هو ليس بهذه البساطة، وبحاجة إلى مناورات سياسية لانتزاع بعض المكاسب، كتلك الواردة في مبادرة «مركز الحوار الإنساني».
(البناء)