«داعس» مقاومة فلسطينية جديدة حميدي العبدالله
منذ غزو العصابات الصهيونية لفلسطين لم تهدأ المقاومة، لا قبل ولا بعد وعد «بلفور»، وعندما أعلن قيام دولة الكيان الصهيوني على الأرض الفلسطينية عام 1948 لم تهدأ المقاومة وتتوقف العمليات الفدائية إلا لفترة وجيزة رافقت المدّ القومي العربي التحرّري ، وقيام الجمهورية العربية المتحدة بوحدة سورية ومصر في إطار دولة قومية واحدة، حيث كان الرهان على هذه الدولة التي أسقطت قبل أن تترسّخ جذورها ويقوى بنيانها، على أيدي التحالف الإمبريالي الصهيوني الرجعي العربي، وبعد سقوط هذه الدولة الأمل عادت المقاومة لتتصاعد من جديد ضدّ دولة الاحتلال الصهيوني، وأخذت المقاومة أشكالاً أكثر اتساعاً وشمولية بعد احتلال الصهاينة لكلّ أرض فلسطين من البحر إلى النهر عام 1967، وتمكنت هذه المقاومة من إرغام الاحتلال على الانكفاء من قطاع غزة، وفي كلّ مرة يتعنّت فيها العدو، وتتراجع قوى المقاومة، تنتقل راية الكفاح إلى جيل جديد وبأسلوب جديد، فبعد الحرب الفدائية التي غطت عقد السبعينات بكامله جاءت الانتفاضة الأولى في عقد الثمانينات، وبعد توقف الانتفاضة الأولى نتيجة لاتفاقات أوسلو وقيام السلطة الفلسطينية، جاءت العمليات الاستشهادية التي غطت عقد التسعينات، وعندما تمكنت إجراءات العدو، ومنها إقامة الجدار، من منع العمليات الاستشهادية كانت الانتفاضة الثانية في عام 2000، وعندما توقفت الانتفاضة الثانية بسبب الاحتلال وخروج قطاع غزة من دائرة الفعل الشعبي ضدّ الاحتلال بعد انكفاء جيش الاحتلال عنه، وبعد الانقسام الفلسطيني، وتوسّع الهجمة الاستيطانية في القدس والضفة الغربية، كان من المتوقع أن ينبثق شكل جديد من أشكال المقاومة الفلسطينية يأخذ في الاعتبار الظروف والمعطيات والتجارب، ويشكل نموذجاً جديداً يتناسب مع الواقع وقدرات الشعب الفلسطيني المتاحة، وفعلاً كان هذا الشكل الجديد من المقاومة متمثلاً بما بات يُعرف في الضفة الغربية والقدس بـ«داعس»، أي دعس الصهاينة عبر استخدام السيارات، والذي جرى تنويعه بإضافة أساليب جديدة هي الطعن بالسكاكين، أي استخدام السلاح الأبيض في ضوء تعذّر الحصول على السلاح جراء التعاون الأمني بين السلطة وقوات الاحتلال الذي نجح حتى الآن في نزع سلاح المقاومة، ومنع الناشطين من الحصول على السلاح والمتفجرات لمقاومة الاحتلال.
إذا كان تجديد أساليب المقاومة يقتصر اليوم على نوعية الأدوات المستخدمة لمقاومة الاحتلال، فإنه لا بدّ كما برهنت التجارب السابقة، أن يؤدّي ذلك بصورة موازية إلى ولادة بنى سياسية مقاومة تلائم المرحلة الجديدة وأساليب العمل المعتمدة في ضوء عجز وفشل قوى المقاومة الحالية في تذليل العراقيل والعقبات التي حالت دون تسليح المقاومين للاحتلال.
(البناء)