مقالات مختارة

المسلّحون في جرود عرسال والقلمون يائسون أي خطوات قد يُقدمون عليها حيال لبنان؟ ابراهيم بيرم

 

التطورات المتسارعة التي شهدتها بيروت، بُعَيْدَ توعد التنظيمات الارهابية في جرود عرسال بذبح مزيد من العسكريين المخطوفين لديها، أعادت مجددا الى الضوء المسألة التي يمكن ان يبلغها الارهاب الجاثم في هاتيك الجرود وجرود القلمون السورية المتاخمة.

هذا الارهاب الذي ترك تأثيرات على مسار الاوضاع في الساحة اللبنانية بعد مضي زهاء خمسة اشهر على معركة عرسال الاولى، طرح بالتالي السؤال عما اذا كان الارهابيون لا يزالون يملكون القدرة على الفعل والتاثير بالدرجة عينها لحظة خطفوا العسكريين في 2 آب الماضي وما يمكن ان يفعلوه في قابل الايام.

الذين هم على صلة بهذا الملف الشائك والمركب ايقنوا اول من امس ان الخطوة التي اقدم عليها الارهابيون وهي التهديد بذبح عسكريين احتجاجا على اصدار القضاء اللبناني أحكاماً بحق اسلاميين موقوفين في السجون اللبنانية، انما هي نوع من اختبار بادروا اليه ليعرفوا بالضبط مدى تأثير تهديداتهم على توازنات الساحة اللبنانية، وهل ما برحت قدرتهم على الفعل كما كانت عليه سابقا، واستطرادا ليعرفوا درجة الهلع التي يمكن ان تصيب السلطة اللبنانية وتداعيات ذلك على المناخات الداخلية التي تواليهم او تسير في ركابهم.

ومعلوم انه صار بامكان القيادة العسكرية اللبنانية ان تعلن ان الارهاب في لبنان بات يعيش اوقاته الصعبة لا بل الحرجة على المستوى الميداني.

قبيل ضرب حالات الارهاب ورؤوس جسوره المفترضة في الشمال في سلسلة عمليات عسكرية وأمنية ناجحة ما زالت فصولها تتوالى بشكل او بآخر منذ اكثر من شهر، وبعد ضبط الوضع في منطقتي حاصبيا – مرجعيون نجحت وحدات الجيش في السيطرة على 7 نقاط عسكرية استراتيجية في محيط عرسال. واذا كانت التقديرات تشير الى موانع عدة تحول دون ان يقبض الجيش على الوضع داخل عرسال نظرا الى حسابات واعتبارات عدة، ابرزها وجود نحو 150 الف لاجئ سوري فيها، فانه حقق في المقابل تفوقا نوعيا من خلال امساكه بهذه النقاط التي هي عبارة عن مسالك ووديان اجبارية وتلال متحكمة اذ انها منحته قوة وفاعلية وتفوقا عطلت الى حد بعيد حركة العبور والتسلل بين جرود البلدة والبلدة نفسها، وبالتالي أبطل فاعلية هذا الشريان الحيوي بالنسبة الى المسلحين وبدد ما حققه هؤلاء المسلحون في ضربتهم المشهودة في 2 آب الماضي.

وهكذا يكون الجيش قد عوّض عن نقطتي ضعف بالنسبة اليه هما الدخول الى داخل عرسال والانتشار في جرود البلدة القصية والوعرة، خصوصا ان الذهاب اليهما امر مكلف وغير مأمون العواقب.

وعليه فقد نجحت هذه الاستراتيجية التي اتبعها الجيش وما انزله من ضربات بالارهابيين في:

– استعادة ما فقده من خسائر مادية ومعنوية في المواجهات الاولى في منتصف الصيف الماضي.

– القبض على عدد لا بأس به من رموز وقيادات التنظيمات الارهابية، وآخرها القبض على اربعة ارهابيين بينهم قيادي من “الجيش السوري الحر”.

– ولا يمكن في هذا الاطار اغفال تطور اساسي آخر ذي قيمة استراتيجية وهو قفل معبر بيت جن (في الجانب السوري من جبل الشيخ ) شبعا الترابي في العرقوب والذي استخدمه المسلحون قبل نحو عامين في نقل جرحاهم من الاراضي السورية الى المستشفيات اللبنانية وخصوصا في البقاع الغربي.

– الى ذلك، ثمة معلومات تشير الى ان الجيش ابلغ من يعنيهم الامر اخيرا معادلة جديدة فحواها انه في مقابل كل جريح سوري يراد ادخاله الى لبنان يتعين اطلاق واحد من العسكريين اللبنانيين المخطوفين، مما قوّى الورقة اللبنانية في عملية التفاوض غير المباشر التي تتم مع التنظيمات الارهابية .

وفي المقلب الآخر من جرود عرسال، اي جرود القلمون السورية المتاخمة، كشفت معلومات في بيروت ان الجيش السوري وحزب الله قد نجحا الى حد بعيد في تدارك الثغر التي نفذ منها المسلحون في السابق ولا سيما في جرود بريتال وعسال الورد، واقدما على اتخاذ اجراءات وتدابير ميدانية جديدة احبطت العديد من هجمات المسلحين ولا سيما مسلحي “جبهة النصرة” ومحاولاتهم الافلات من الحصار المحكم عليهم والنفاذ الى بعض بلدات القلمون السورية وتحقيق بعض التقدم الذي من شأنه ان يرفع معنوياتهم ويعزز وضعهم قبل حلول فصل البرد والثلوج القاسي في تلك المنطقة.

وسواء صحت المعلومات التي تحدثت عن اشكال تنسيق غير مرئية بين الجيشين اللبناني والسوري ما دام انهما يواجهان عدوا مشتركا في مساحة جغرافية واحدة تقريبا، ام لم تصح فالثابت ان المسلحين في جرود عرسال والقلمون يعيشون بين كماشة ثلاثية الاضلاع هي الجنرال شتاء من جهة وتدابير الجيش اللبناني من جهة ثانية واجراءات الجيش السوري و”حزب الله” من جهة ثالثة.

وعليه ووفق تقديرات من هم على صلة بهذا الملف، فان هؤلاء المسلحين باتوا امام حالة بالغة الصعوبة زادها الاخلاف بوعود بجهود تفك الحصار او تخففه وبمدد لم يصل رغم مضي اشهر وهي حالة تجبرهم على سلوك خطوات يائسة في اتجاه المزيد من الضغوط على لبنان من خلال:

– تكرار التهديد بذبح العسكريين والتلاعب باهالي هؤلاء العسكريين.

– السعي للحصول من السلطات اللبنانية على مواد تموينية ونقل الاموال على غرار ما حصل سابقا.

– العمل على الانتقال بشكل افرادي من هذه الجرود المحاصرة الى خارجها، لاسيما ان الاجهزة الامنية اللبنانية سجلت اخيرا محاولات تهريب العشرات من المسلحين.

وفي كل الاحوال ثمة بوادر تصعيد في هذا الاطار في الايام المقبلة، وكل شيء متوقع من هؤلاء المسلحين ما داموا في اوضاع صعبة.

(النهار)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى