«التواصل الانتخابي» مكرّر: ضباب ينقشع في رأس السنة إيلي الفرزلي
يستطيع اللبنانيون أن يناموا قريري الأعين. ثمة سبعة من النواب الممدة ولايتهم سيصلون الليل بالنهار من أجل حماية ما تبقى من الديموقراطية اللبنانية. سيعلون راية «عفا الله عما مضى» ساعين لاستبدال عار التمديد بفخر الوصول إلى قانون انتخابي عصري يحفظ للناخبين حقهم باختيار من يريدون تمثليهم في الندوة البرلمانية.. ولأربع سنوات فقط.
بعد شهر واحد.. ممدد حتى نهاية العام، بعد أخذ فترة الأعياد بعين الاعتبار، تنتهي المهلة المعطاة للجنة التواصل للاتفاق على قانون انتخابي جديد. حتى الآن لا شيء يشي بالتفاؤل باحتمالات نجاح أعضاء اللجنة في مهمتهم، التي فشلوا فيها سابقاً. فالظروف لم تتغير، وإن تغيرت فللأسوأ حكماً: عندما فشلوا كان الرئيس لا يزال حاضراً في بعبدا، ولم تكن دولة «داعش» قد ولدت وتمددت إلى الحدود اللبنانية.
وللمفارقة، فالتفاؤل لا يزال حذراً حتى لدى أعضاء اللجنة. بعضهم يتوقع أن لا تختلف نتيجة الجولة الجديدة عن سابقاتها. ومع ذلك، سينكبّون على عملهم انطلاقاً من الاقتراح الذي سبق وتقدم به النائب علي بزي، نيابة عن الرئيس نبيه بري والذي يعتمد على المناصفة بين النسبية والأكثرية.
من يتابع عمل اللجنة يعرف أن الفارق الوحيد يمكن أن يكون في الالتزام بعدم إقفال الملف مجدداً إذا لم يصل أعضاؤها إلى التوافق، إنما نقل الأمر إلى الهيئة العامة للبت به تصويتاً. وهو أمر بحث في الاجتماع الذي ترأسه بري، أمس، في عين التينة، والذي التزم فيه بنقل الأمر إلى الهيئة العامة في حال عدم التوافق، تاركاً مسألة تحديد التوقيت المناسب للمرحلة المقبلة.
«القوات» يضغط على «المستقبل»
وفيما كان بري قاله، في اجتماع الهيئة العامة الأخير، إنه سيدعو إلى الجلسة بعد انتخاب الرئيس، جرت أمس محاولات لفصل الأمرين، حيث طالب النائبان سامي الجميل وجورج عدوان بنقل كل الاقتراحات إلى الهيئة العامة مباشرة بعد مهلة الشهر، وبتها تصويتاً. ولم يتوقف عدوان عند ذلك الحد، ولكنه طلب من الحاضرين، ولاسيما من حليفه المستقبلي ممثلاً بالنائب أحمد فتفت، الالتزام بحضور الجلسة.
رفض فتفت الطلب، لأنه يحتاج إلى موافقة الكتلة أولاً، وثانياً لأنه لا يجوز أن يكون هذا التزام مجتزأ بحيث يسري على جلسة قانون الانتخاب، ولا يسري على الجلسات الأخرى التي تشهد مقاطعة بعض الأطراف. النائب سيرج طورسركيسيان مال إلى وجهة نظر فتفت، معتبراً أنه لا يجوز إلزام الكل مسبقاً. كما أشار إلى أن مسألة قانون الانتخاب تحتاج إلى توافق، مثلها مثل رئاسة الجمهورية.
وإذا كان ممثل «حزب الله» النائب علي فياض قد التزم الصمت في الجلسة، مفضلاً أن تكون الجلسة الأولى مدخلاً لفهم مواقف مختلف القوى، فقد كان الرئيس بري منفتحاً على كل الأفكار، حيث أعطى الأولوية للتوافق الذي لم يره بعيداً، ربما بسبب ما تردد عن إشارة إيجابية كانت قد وصلته من النائب وليد جنبلاط.
الجديد كان الرسالة التي نقلها النائب ألان عون إلى بري من العماد ميشال عون، والتي نوقش فحواها في الاجتماع. عون طلب من بري عقد جلسة عامة تخصص لتفسير المادة 24 من الدستور والتي تنص على توزيع مقاعد المجلس النيابي مناصفة بين المسلمين والمسيحيين.
صحيح أن عون لم يربط مشاركته في اجتماعات اللجنة بتحقيق هذا الطلب، إلا أنه كان واضحاً في تحفظه على أي جلسة تخصص لمناقشة القانون الانتخابي تسبق جلسة تفسير المناصفة.
لم يكن بري معارضاً للاقتراح، إلا أنه اعتبر أنه يستدعي إجراء جولة مشاورات مع الكتل النيابية، خاصة أن هكذا جلسة تحتاج إلى نصاب الثلثين (شهدت مسألة النصاب نقاشاً في الاجتماع).
وفي سياق حماسة الجميل إلى عقد الجلسة، سأل بري إن كان سيحضر الجلسة. ولما سمع منه تأكيد الحضور، اطمأن إلى أن الميثاقية التي أعلن رئيس المجلس أنه سيأخذها بعين الاعتبار ستكون مؤمنة. فحضور بري يحسم الميثاقية شيعياً حتى لو قرر «حزب الله» عدم المشاركة، فيما لن يكون غياب «التيار الوطني الحر» عائقاً بوجه الميثاقية مسيحياً، انطلاقاً من سابقة جلسة التمديد، التي أمّن حضور «القوات» و«المردة» ميثاقيتها.
بالخلاصة، تميز الاجتماع التحضيري للجنة بثلاثة اتجاهات الأول قاده بري في سعيه إلى التــوافق، والثــاني أظهرته «القوات» و«الكتائب» اللذين شككا في إمكانية التوافق فسعيا إلى تعويضه بالحصول على تعهد بحضور الجلسة التشــريعية، والثالث قاده «التيار الوطني الحر» الذي بدا مهجوساً بتأمين المناصفة وصحة التمثيل، خاصة بعد أن أيقن أن مشروع «اللقاء الأرثوذوكسي» قد سقط نهائياً. وبهذه الخطوة أراد «التيار» وضع كل الكتل النيابية في مواجهة اختبار النوايا من المناصفة، من خلال تفسير موحد لها، يتم على أساسه اختيار القانون الانتخابي المناسب.
بعيداً عن النقاط الخلافية، أعاد اجتماع أمس التأكيد على أربع مسلمات تم التوافق على مراعاتها في أي قانون انتخاب، وأعاد بري التذكير بها في بداية الاجتماع وهي: النسبية، التوازن السياسي، سلامة التمثيل والغموض البناء.
الشيطان في التفاصيل ـ القوانين
وإذا كان أعضاء اللجنة قد وجدوا أمامهم أمس نسخاً عن اقتراح بري (64 نائباً حسب النظام الأكثري يوزعون على 26 دائرة انتخابية و64 حسب النظام النسبي يوزعون على ست دوائر انتخابية)، فقد دعاهم بري إلى اعتباره نقطة الانطلاق للوصول إلى التوافق المنشود. علماً أن جلسة الخميس ستشهد إعادة طرح «المستقبل» و«القوات» للمشروع الذي طرحاه سابقاً ونال موافقة «الاشتراكي» ومسيحيي «14 آذار» (68 نائباً حسب النظام الأكثري يوزعون على 26 دائرة انتخابية و60 نائباً على أساس النسبي يوزعون على 6 دوائر). وبالرغم من أن عدد الدوائر هو نفسه إلا أن التقسيم يختلف بشكل واضح عن التقسيم المقترح من بري. وفيما قلل أحد أعضاء اللجنة من أهمية الفارق بين الاقتراحين في ما يتعلق بعدد النواب وفق كل نظام، فإن الخلاف على التفاصيل لن يكون من السهل تجاوزه، إذ أن طريقة تقسيم الدوائر أو كيفية تخصيص المقعد بأي من النظامين كفيل بتعديل كفة النتائج لصالح هذا الفريق أو ذاك.
وكان النائب روبير غانم قد أعلن، بعد الاجتماع، أنه «إذا لم تتوصل اللجنة الى اي اتفاق خلال مهلة الشهر فإن دولة الرئيس سيدعو مجلس النواب للاجتماع ويطرح كل مشاريع واقتراحات القوانين الانتخابية وفقا لورودها». كما أوضح أن «اللجنة الفرعية التي كانت لجنة الادارة والعدل قد كلفتها متابعة مناقشة هذا القانون في تفاصيله التقنية، اي في المادة 4 وما فوق، ستتابع عملها على أمل أن تتوصل في آخر الشهر الى انجاز القانون بكامله».
(السفير)