«ورقة» المحكمة في مُواجهة المفاوضات النوويّة : لبنان والاختبار الصعب؟ ابراهيم ناصرالدين
تحذير وزير الداخلية نهاد المشنوق عن «موجة» سياسية «عالية» ستضرب البلاد مع بدء المحكمة الدولية الاستماع الى الافادات السياسية المرتبطة بجريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وربط رئيسي مجلس النواب نبيه بري والحكومة تمام سلام بين التقدم في ملف الانتخابات الرئاسية وبين المفاوضات النووية الايرانية مع الغرب، مواقف تشير الى وقوف البلاد على «عتبة» تحولات مرتقبة ربطا بالتطورات الاقليمية والدولية التي ستترك انعكاسات مباشرة على الواقع اللبناني.
اوساط رفيعة في قوى8 آذار، ترى ان مسار المحكمة الدولية سيصبح اكثر التصاقا في المرحلة المقبلة بالتطورات السياسية والامنية، فعملية التوظيف السياسي للمحكمة سيعاد تزخيمها لخدمة المتضررين من اي اتفاق نووي محتمل بين ايران والغرب، فثمة قوى في المنطقة ستسعى الى استخدام هذه «الورقة» مجددا لرفع مستوى الضغوط على حزب الله وسوريا، في محاولة «لخلط الاوراق» ورسم «معادلات» جديدة للمقايضة عليها في ظل اندفاع الولايات المتحدة للتفاهم مع ايران على ترتيب ملفات المنطقة من «بوابة» الاتفاق النووي.
فالسعودية لا تقلقها كثيرا نتائج المحادثات الدولية مع طهران بشأن نشاطها النووي على حدّ قول الاوساط، بقدر ما تقلقها المحادثات والاتصالات الســـرية التي تجري بين العاصمتين الإيرانية والأميركية على ترتيب اوضاع المنطقة، لذلك «عين» الرياض على واشنطن خوفا من أن تكون هذه المحادثات والإتصالات السرية تمهد لفك العزلة الدولية عن طهران في الوقت الذي يحتدم فيه الصراع السعودي- الإيراني.
وبحسب اوساط دبلوماسية في بيروت، فان الإدارة الاميركية الحالية اقتنعت بضرورة ان تستعيد ايران دورها الطبيعي في المنطقة، فواشنطن بحاجة لطهران في الحرب على الإرهاب في ظل الفتور في العلاقات السعودية الأميركية، اما رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتانياهو فهو قلق جدا من احتمال التوصل لاتفاق سيئ مع إيران استنادا لما يرشح من المفاوضات التي بلغت ذروتها في قمة مسقط، وما زاد قلق اسرائيل ان واشنطن حاولت إبقاء موضوع رسالة اوباما الى المرشد الأعلى للثورة الاسلامية الايرانية السيد علي خامنئي حول التعاون ضد «داعش» مقابل إنجاز اتفاق حول القدرات النووية «طي الكتمان»، ولم تبلغ بها الحكومة الإسرائيلية، وقد زاد عدم إبلاغ إسرائيل رسميا وفي الوقت المناسب بحقيقة المذكرة المزيد من الشكوك القائمة أصلا بين نتنياهو والبيت الأبيض، خصوصا ان هذه المذكرة، وبحسب المعلومات الاسرائيلية، طمأنت خلالها واشنطن طهران أن الهجمات الجوية في سوريا تستهدف قوات «داعش» وليس لها أي دور في إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد، وهذا ما كشفه عنه مؤخرا وزير الدفاع الاميركي تشاغ هاغل امام الكونغرس.
وبرأي تلك الاوساط، فان ما يثير «هلع» حلفاء واشنطن انهم باتوا على قناعة بان الغرب وفي مقدمته واشنطن قبلوا بتعديل مواقفهم ومطالبهم في المفاوضات النووية مع إيران، فالولايات المتحدة ترغب في تسريع التوصل إلى اتفاق شامل خلال فترة قصيرة، وأي إطالة لفترة المفاوضات هي مجرد أخذ الوقت الكافي لترتيب الأوراق الإيرانية والأميركية وصولا الى «الاتفاق الشامل» وتعيين حصة باقي الأطراف الدولية والاقليمية المؤثرة، وتقليل ردود فعل دول المنطقة وعلى وجه التحديد دول الخليج واسرائيل، وهذا يعني ان ايران ستكون نقطة تحول لتحقيق الاستقرار والأمن في المنطقة بأسرها، نظراً لنفوذها الكبير والمؤثر في النزاعات الإقليمية. وعلى ما يبدو فان الرئيس الاميركي باراك اوباما لن يفوت هذه الفرصة التاريخية لتطبيع العلاقات مع إيران وتحقيق هذا «الإنجاز العظيم» قبل مغادرته البيت الابيض. في المقابل تريد ايران أن تكون شريكاً اقتصادياً للغرب، في محاولة لكسب أوراق اقتصادية يكون لها مردود سياسي لاحقاً، مستغلة فترة الفتور في العلاقات بين واشنطن والرياض، والخلاف بين واشنطن وتل أبيب.
وبالنسبة لحلفاء واشنطن، فان الاخبار السيئة تتوالى تباعا بحسب الاوساط، فعلى المستوى الاقتصادي اتفق الرئيس الايراني الشيخ حسن روحاني مع الرئيس النماسوي وهانس فيشر، على استثمار أوروبي بقيمة 8 مليارات و500 مليون دولار في مجال الطاقة لتسريع نقل غاز إيران إلى البلدان الأوروبية عبر خط أنابيب «نوبوكو»، وهذا اول غيث سقوط العقوبات الغربية على إيران التي سببت أزمة اقتصادية خانقة وخطيرة خلال السنوات الأخيرة، بحيث خسرت العملة الوطنية الإيرانية أكثر من 65 في المئة من قيمتها منذ عام 2011، وارتفع سعر الدولار الأميركي من 12 ألف إلى ما يقارب 33 ألف ريال إيراني في العام الحالي، ورغم كل ذلك توسع النفوذ الايراني في المنطقة، ونجحت طهران في مسك «اوراق اللعبة» على مختلف الجبهات الساخنة، فكيف اذا رفعت العقوبات بشكل نهائي او تدرجي؟
واذا كان حلفاء واشنطن يشعرون بالقلق من مستقبل التعاون الاميركي- الايراني، دون ان يدركوا طبيعة هذا التعاون في الماضي، فان ما حصل في العراق وسوريا تقول الاوساط قدم نموذجا مصغرا عما يمكن ان تكون عليه الامور لاحقا، وهذا ما زاد من القلق والمخاوف، وبحسب التقارير الاستخباراتية الخاصة بهذه الدول، فان ما تركه التعاون العسكري بين الحرس الثوري الإيراني والجيش الأميركي في العراق من نتائج كان مثيرا للريبة، ونقطة التحول الجوهرية كانت حين نجحت طهران عبر «فيلق القدس» من ملء الفجوة الأمنية الكبيرة خلال أيام معدودة في العراق، وهو الامر الذي لم تتمكن القوات الاميركية من فعله خلال تسع سنوات. وتشير المعلومات الى ان واشنطن وطهران تمكنا من نسج تعاون عسكري وثيق وكان «اول الغيث» خلال العمليات العسكرية التي خاضتها القوات الخاصة الإيرانية بالتعاون مع نظيرتها الأميركية في مدينة آمرلي حين نجحوا سويا في انهاء حصار هذه المدينة، في المقابل تمكنت القوات الجوية الأميركية من قتل عدد من قيادات «داعـش» في مدينة الرقة السورية بفضل المعلومات الاستخباراتية التي وفرها الحرس الثوري الايراني.
هذه المعطيات المقلقة، وبعيدا عن مدى صحتها، تشكل برأي اوساط 8 آذار، قناعة راسخة في دوائر صنع القرار لدى الدول المتضررة من التقارب الايراني – الاميركي، والبحث جار منذ فترة عن «اوراق» قوة للتأثير في مجريات الاحداث او حجز مكان على «طاولة المفاوضات»، من هنا ثمة مخاوف جدية من استثمار جديد للمحكمة الدولية كواحدة من الملاذات القليلة المتبقية امام هؤلاء، والخوف الاكبر ان ترتكب بعض الاطراف اللبنانية، وخصوصا تيار المستقبل، اخطاء مميتة ستؤدي حتما الى انهيار التفاهم الهش القائم راهنا.
وتلفت تلك الاوساط، الى ان حزب الله حسم موقفه منذ مدة طويلة ولم يعد يعير المحكمة اي اهتمام، حتى من باب فضح مخالفاتها الجسيمة، فهذه المسألة اصبحت من الماضي، وهو لن يتأثر من قريب او بعيد بأي جديد تقدمه، لكن يبقى ان يلتزم «التيار الازرق» بمعيار فصل مسار المحكمة عن الوضع السياسي الداخلي، لان اي محاولة لاعادة عقارب «الساعة الى الوراء» تعني ان الساحة اللبنانية ستدخل في «نفق مظلم» لا احد يعرف نهايته، وما قاله الوزير المشنوق هو كلام برسم تياره السياسي الذي سيكون امام اختبار جدي لمدى قدرته على اقناع داعميه الاقليميين ان الرهان على المحكمة «ورقة» خاسرة لن تؤتي ثمارها في لبنان كما في سوريا. وفي المقلب الاخر يزداد الشعور بمزيد من فائض القوة سواء ابرم الاتفاق النووي الايراني او لم يتم ذلك، فالوقائع تشير الى ان ثمة واقع جديد في المنطقة لن يستطيع احد تجاوزه، وسيكون الاستحقاق الرئاسي اولى ثماره عندما تنضج الظروف.
(الديار)